مقهى مجكو.. شاهد على تاريخ أربيل وقلعتها

عماد الشمري-أربيل

أربعون عاما ولم تثنه الظروف عن مواصلة ارتياد مقهى مجكو، بل إنه يضجر عند غيابه عنه، هكذا علاقة رجل الأعمال الكردي كريم ملا مع كوب الشاي والسهر بين جدران أقدم المقاهي في أربيل (بإقليم كردستان العراق).

ويقول الملا هنا تأست أفضل علاقاته، حيث المثقفون والأساتذة الذين تجمعهم رائحة القهوة وعبق التاريخ الذي ينبثق من أقدم شاهد على عراقة هذا المكان، وهو قلعة أربيل التي شقت التاريخ منذ ثلاثة آلاف سنة.

ويضيف أن هذا المكان كان يرتاده كبار السن، غير أنه في العقد الأخير تغيرت الحال لينافس الشباب الكبار.

‪بعض مرتادي مقهى مجكو‬  (الجزيرة نت)
‪بعض مرتادي مقهى مجكو‬ (الجزيرة نت)

لا يوقفها الموت
رحل المؤسس بعد أن غيبه الموت، لكن المكان ظل حيا راسخا يحتضن رواد الغناء والمقام الكردي وإقامة الأمسيات المتكررة منذ النشأة منتصف القرن الماضي على يد مؤسسه "مجكو"، والتي تعني بالعربية "اسم مجيد"، وما زال المقهى يحمل اسمه حتى اليوم.

وبشموخ يملؤه الشوق للوالد، روى للجزيرة نت مدير المقهى الحالي محسن مجيد إسماعيل أنه بعد وفاة والده عام 1962 بقي حب المهنة راسخا في نفس أبنائه، ليحل الابن الأكبر تحسين مديرا للمقهى، ومنذ ذلك الزمن بدأت مرحلة جديدة من عمر المقهى ليتحول من واجهة للمقامات والغناء بصحبة الفرقة الغجرية بالأماسي إلى مكان أشبه بالمدرسة الأدبية بعد أن ضج بالأدباء الكرد من مختلف الفنون، وجلس على مقاعده وتذوق قهوته أبرز الشعراء.

ويضيف محسن أنه بعد رحيل شقيقه عام 1991 وتسلمه إدارة المقهى واصل الطريق نفسه، مؤكدا الإبقاء على المقهى الذي يحمل اسم والده.

آلاف العناوين داخل مكتبة مقهى مجكو (الجزيرة نت)
آلاف العناوين داخل مكتبة مقهى مجكو (الجزيرة نت)

الكتاب والرواد
ولفت محسن إلى أنه انسجاما مع المكانة التاريخية والثقافية للمكان، فقد أضيفت مكتبة خاصة بالمقهى، وبدعم من عدد من المثقفين الرواد، لتكون مصدر إلهام آخر يؤكد العمق الأدبي للمقهى.

وحظي المقهى ومكتبته بارتياد كبار الشخصيات، ومنهم وزير المالية في حكومة إقليم كردستان الراحل الشيخ شوكت الشيخ يزدين الذي عشق الحرف والكلمة فأطر عام 1993 مشروع الكتاب بتبرعه بعدة مكتبات خشبية لتنظيم الكتب والمحافظة عليها من التلف قبل وفاته إثر تفجير طال جانبا من المقهى عام 2004.

التجول داخل مجكو يأخذك إلى تاريخ بعيد لتتعايش فيه مع الماضي بنكهة الحاضر، فالفلكلور الذي يملأ المقهى هو قراءة للماضي وتاريخ السنوات المتعاقبة، لتبقى كمدونة لما مرت به أربيل من أحداث على مر العصور.

ويقول أستاذ الأدب الكردي الحديث في الجامعة اللبنانية الفرنسية عبد الله ياسين إن المكان تاريخي حضري، وما يضفي عليه جمالا وجوده ضمن أقدم القلاع على وجه المعمورة (قلعة أربيل) التي وشحته سحرا ليتمسك به المثقفون، ويصبح لاحقا قبلة للسياح.

أصحاب المقهى حافظوا على طرازه القديم
أصحاب المقهى حافظوا على طرازه القديم

صراع البقاء
العمران الذي يرافق تطورات عصر السرعة، والذي غطى ملامح وأماكن مهمة في أربيل، كان ضعيفا أمام قوة مجكو التاريخية.

وعن فلكلورية المكان وتاريخيته، يؤكد أصحاب المقهى إصرارهم على المحافظة على الطراز القديم، مؤكدين أن كل أعمال الترميم التي طرأت على المقهى كانت في إطار الحفاظ على رونقه الذي شُيّد عليه قديما، وأن هذا الاهتمام أعطاه مكانة في نفوس أهالي أربيل.

مقهى مجكو تزين مدخله صور مؤسسها وأبنائه (الجزيرة نت)
مقهى مجكو تزين مدخله صور مؤسسها وأبنائه (الجزيرة نت)

المصدر : الجزيرة