السوق المسقوف بإسطنبول.. أقدم مراكز التجارة بالعالم

Turkish lanterns on the Grand Bazaar in Istanbul, Turkey
يتوفر في السوق المسقوف سجاد تركي من نوع مميز قلما يوجد في أماكن أخرى (غيتي)

 محمد عبد الملك-إسطنبول

"قدمتُ إلى المكان بعد أن سمعت الكثيرين يتحدثون عن السوق المسقوف، في الحقيقة إنه أفضل مكان مررت به خلال زيارتي لإسطنبول، فيه الكثير من الخيارات والمعروضات القديمة والجديدة، بدءا من الأقل سعرا ثم المتوسط فالأعلى".

هكذا بدا انطباع السائح الكويتي بدر سلطان (37 عاما) متحدثا للجزيرة نت وهو يكمل جولته داخل السوق المسقوف وسط إسطنبول.

في الجهة المقابلة من السوق، تقف السيدة التركية دلجين كاراهان، وبينما كانت تقلب نوعا من السجاد المنزلي وتفحصه، قالت للجزيرة نت إن السوق المسقوف يوفر أنواعا خاصة ومميزة قلما تجدها في مكان آخر، وإن حرصها على زيارة السوق أصبح بمثابة التقليد الأسبوعي.

تاريخ قديم
منذ 550 عامًا لا يزال السوق المسقوف يحافظ على سمعته بوصفه واحدا من أقدم مراكز التجارة في العالم. فقد تم بناء أول جزء مغلق منتصف القرن الرابع عشر بأمر من السلطان محمد الفاتح وتم توسيعه في عهد السلطان سليمان القانوني.

ويمتد السوق المسقوف، أو كما يطلق عليه البعض أيضا "البازار الكبير"، على مساحة تقدر بأربعين ألف متر مربع، حيث تغطيه من الأعلى سقوف على شكل أقواس تبدو كتحفة معمارية وفنية تثير انتباه كل من يزور السوق.

‪يحتوي السوق المسقوف بإسطنبول على محال لبيع التحف والهدايا والأدوات النحاسية‬ الجزيرة)
‪يحتوي السوق المسقوف بإسطنبول على محال لبيع التحف والهدايا والأدوات النحاسية‬ الجزيرة)

وبحسب تقديرات رسمية لإدارة السوق، فإن أعداد الأزقة فيه تصل إلى أكثر من 60 زقاقا و26 خانا و 22 باباً، إضافة إلى عدد كبير من المحال المتنوعة التي تضج بحركة الناس والحياة والتي يتجاوز عددها أكثر من 2500 محل تجاري.

وخلال جولة ميدانية للجزيرة نت داخل السوق، أفاد بعض أصحاب المحال التجارية بأن أزقة السوق تمتلك أسماء محددة، وتم استلهامها من أسماء الحرف والمهن الموجودة في السوق مثل زقاق الصاغة وزقاق اللحوم وزقاق الحرير.

ووفقاً لملاك هذه الخانات، فقد تعرض السوق المسقوف للزلازل المدمرة والعواصف والحرائق الكبيرة، وأعادت الحكومة التركية ترميمه بعد ذلك وتحديداً في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.

ولعل أبرز الأسباب التي تجعل هذا السوق مكانا مفضلا لقرابة 150 ألف شخص يزورنه يوميا، وخاصة خلال المواسم السياحية، وفقاً لحديث مشرفين على السوق مع الجزيرة نت، هو أن الكثير من المحال التجارية في السوق تحولت إلى متاحف أثرية، إضافة إلى ما يعرضه السوق من أصناف وأغراض متفرقة تلبي حاجات السياح التي يرغبون في اقتنائها. 

‪يزور السوق المسقوف بإسطنبول يوميا أكثر من 150 ألف شخص‬ (الجزيرة)
‪يزور السوق المسقوف بإسطنبول يوميا أكثر من 150 ألف شخص‬ (الجزيرة)

داخل السوق
من بين أبرز ما يعرضه السوق المسقوف هو التحف المصنعة يدوياً والأدوات الفخارية والنحاسية، كما تتوفر فيه العديد من المحال الخاصة ببيع التوابل المختلفة والسجاد والحرير والمجوهرات التقليدية والهدايا التذكارية الثمينة والأحجار الكريمة والملابس الجلدية.

وعلى امتداد السوق أيضاً تتوفر محالات الذهب والفضة ومتاجر النحاس، كما يحيط بالسوق أكثر من عشرة أبواب رئيسية أبرزها باب نور عثمانية، الذي يوجد على واجهته شعار الدولة العثمانية.

وغالبا ما يلجأ البائعون في السوق إلى جذب الزبائن من خلال أساليب عديدة لإقناعهم بضرورة شراء الهدايا كالتحف والحلوى، ومخاطبتهم باللغة التي يفهمونها حيث أصبح الكثير منهم يتحدثون العربية والإنجليزية، وبذلك تتداخل الأصوات لتشكل مزيجاً من الأجواء التي يغلب عليها طابع الحماسة والمنافسة.

ويستطيع الزائر للسوق احتساء القهوة التركية في أحد المطاعم الشعبية الموجودة في السوق، كما يمكنه أن يتناول وجبة بسيطة في المكان ذاته، ويكمل رحلته في الأزقة من أجل معرفة تفاصيل السوق والأشياء التراثية التي يقدمها.

‪تنتشر محلات بيع المجوهرات والفضة والهدايا في السوق المسقوف‬ (الجزيرة)
‪تنتشر محلات بيع المجوهرات والفضة والهدايا في السوق المسقوف‬ (الجزيرة)

لكن أكثر ما يجب على من يفكر بالاستثمار في السوق المسقوف معرفته مسبقا هو أن إيجارات المحال في المكان تعتبر من أغلى المناطق في إسطنبول وربما تركيا، لذلك فإن بعض الأشياء التراثية والفخمة التي يعرضها السوق تباع بأسعار مبالغ فيها، وقد لا يتمكن الزائر العادي للسوق من شرائها وكذلك الأتراك، وفقا للباحث الاقتصادي أورهان محمود.

وبحسب أورهان فإن بعض المحالات داخل السوق وسعت نشاطها وأصبح لديها علاقات مع شركات إنتاج عالمية وفي مقدمتها هوليود، حيث تقوم ببيع الأقمشة الجلدية التاريخية والتراثية الخاصة من أجل استخدامها في إنتاج الأفلام السينمائية، الأمر الذي يحدث أيضا مع بعض المسلسلات التاريخية التركية التي تقوم باقتناء أغلب ما تحتاجه من السوق المسقوف.

المصدر : الجزيرة