برد الشتاء يكشف رفق الأتراك بالحيوان

شوارعنا أجمل بجيراننا الحيوانات
لافتة كتب عليها: شوارعنا أجمل بجيراننا الحيوانات (الجزيرة)

خليل مبروك-إسطنبول

تتحدى فتيحة أومجيه الأجواء القاسية المصاحبة للعاصفة الثلجية التي ضربت مدينة إسطنبول في الأسابيع الأخيرة، كما تتحدى أحكام السن لتقوم بــ"واجبها اليومي" في تقديم الطعام للحيوانات المشردة في الشوارع.

ورغم تجاوزها الستين من عمرها، تدفع أومجيه عربتها سيرا على الأقدام كل يوم لتجمع بواقي الأطعمة والمواد الغذائية من المتاجر والمطاعم، ثم تقدمها للكلاب والقطط والطيور الجائعة، وهي ترى في ذلك واجبا إنسانيا.

تمضي المعلمة المتقاعدة العديد من الساعات يوميا في العناية بحيوانات الحي الواقع في منطقة أفجلار غرب مدينة إسطنبول، وتقول إنها تبذل مجهودا أكبر في عملها خلال فترات البرد الشديد وفي العواصف الثلجية.

وبينما كانت توزع قطعا من العظم على الكلاب التي أخذت تتجمع حولها، أكدت أومجيه للجزيرة نت أن ظاهرة العناية بالحيوان تسود المجتمع التركي، وأن الناس ذكورا وإناثا ومن مختلف أعمارهم تستهويهم هذه الأعمال التي تعبر عن إنسانيتهم.

فتيحة أومجيه تقدم الطعام للكلاب مع بدء تساقط الثلوج في مدينة إسطنبول (الجزيرة)
فتيحة أومجيه تقدم الطعام للكلاب مع بدء تساقط الثلوج في مدينة إسطنبول (الجزيرة)

تقول المرأة "هذه الكلاب تسكن معنا في ذات الحي، ونراها كلما غادرنا منازلنا وعدنا إليها، إنها كائنات حية مثلنا لكنها لا تملك لسانا لتعبر فيه عن جوعها، وعلى الإنسان أن ينتبه لها بنفسه ويطعمها".

سلوك عام
واشتهر الأتراك بحبهم للحيوانات، ويلاحظ من يتجول في جميع المدن التركية مدى الرعاية التي تقدم للقطط والكلاب في الشوارع، وهي ظاهرة ازدادت وضوحا مع الانخفاض الكبير في درجات الحرارة خلال الأسابيع الماضية.

وتخصص اللجان المحلية في كثير من المناطق ما يشبه "المطعم" المغطى للكلاب والقطط والطيور المنتشرة في المكان، ليضع السكان الطعام لتلك الحيوانات فيه.

وفي منطقة كاديكوي بالشق الآسيوي لإسطنبول، نظمت البلدية حملة تحث المواطنين على زيادة الاهتمام بحيوانات المنطقة التي تساكنهم الحي، نصبت خلالها صورا ضخمة للكلاب والقطط المنتشرة في الشوارع وعنونت الحملة بعبارة "شوارعنا أجمل بجيراننا الحيوانات".

مكان مخصص على جانب أحد الشوارع ليضع الناس فيه طعاما للكلاب (الجزيرة)
مكان مخصص على جانب أحد الشوارع ليضع الناس فيه طعاما للكلاب (الجزيرة)

وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور كثيرة تظهر إشفاق الأتراك على الكلاب والقطط المنتشرة في الشوارع وتقديم الطعام والشراب والمأوى لها في الأجواء الباردة.

للطيور نصيب
وتجد طيور الحمام والنورس البحري لها مكانا في ولع الأتراك بالعناية بحيوانات المدينة، ومن الشائع رؤية أسراب الطيور وهي تسقط في جماعات داخل الحدائق والساحات العامة لالتقاط طعام بسيط يقدمه لها رجل مثل صبري ذي الخمسين عاما.

يعمل صبري منظما لحافلات نقل الركاب الصغيرة المعروفة باسم "دولموش" في حي أديرنا كابيه بمنطقة الفاتح بإسطنبول، وهو يستغل أوقات فراغه في تقديم الطعام للطيور التي باتت تعرف المكان جيدا.

يقول صبري للجزيرة نت إنه يتوجه مع نهاية عمله كل ليلة إلى المطاعم المجاورة للمكان ويأخذ منها ما زاد من فضلات طعام الزبائن خاصة الخبز الذي يضعه في كيس بلاستيكي يقوم بثقبه، ثم يضعه في تجمع مياه قريب حتى يبتل، ليسهل على الطيور تناوله.

قصص أسطورية
وعبر التاريخ، روي كثير من القصص الأسطورية عن اهتمام الأتراك برعاية الحيوانات، وقيل إنهم ما زالوا إلى يومنا هذا يلقون الحبوب على قمم الجبال في أيام الثلج حتى تقتات عليها الطيور فلا يقال إنها جاعت في بلاد المسلمين.

‪صبري يقف مراقبا طيور الحمام بعدما حطت على الخبز الذي نثره لها‬ (الجزيرة)
‪صبري يقف مراقبا طيور الحمام بعدما حطت على الخبز الذي نثره لها‬ (الجزيرة)

ولطائر الحب الشهير عالميا مكانة خاصة في الثقافة التركية تظهر مدى ولع الأتراك بالعناية بالحيوانات، إذ يعتني به الناس ويربونه بكثرة في منازلهم ويطلقون عليه اسم طير العاشق والمعشوق.

ويتخذ بلال تيبه وهو أستاذ مدرسة من مدينة بورصة على بحر مرمرة من الطائر صديقا خاصا له، ويطعمه ويسقيه من فمه، ويقول إنه يفعل ذلك لأن من لا يرحم ما في الأرض لا يرحمه من في السماء.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن "الحيوانات مخلوقات ذات روح تحتاج إلى رعاية الإنسان الذي منحه الله العقل لتستفيد منه كافة المخلوقات"، مذكرا بأن الأحاديث النبوية أوردت قصصا عن امرأة دخلت النار في قطة حبستها، وعن رجل دخل الجنة في كلب أطعمه.

المصدر : الجزيرة