شوارع تركيا في رمضان.. تقاليد غابت وأطعمة بقيت رغم الحجر

خليل مبروك-إسطنبول

يشكو التاجر التركي أمير من التراجع الكبير في أعداد المتسوقين خلال أيام شهر رمضان الكريم مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب تفشي وباء كورونا وإجراءات الحجر المنزلي التي يقول إنها أفقدت السوق بهجة رمضان.

لكن ذلك لم يمحُ الابتسامة عن وجه التاجر الذي يبيع منتجات رمضانية في مقدمتها عصير "التوت الأسود" أمام جامع الفاتح بإسطنبول.

تغيرت الأجواء الرمضانية هذا العام كثيرا جراء ارتفاع وتيرة إجراءات الحجر المنزلي، وتوسع نظام منع التجول الذي تنفذه تركيا للحد من انتشار جائحة كورونا.

وكان على أهل مدينة إسطنبول و30 ولاية أخرى، انتظار رفع منع التجول في اليوم الرابع من الشهر الكريم، للخروج إلى الشارع وعيش ما تبقى من أجواء رمضانية بقيت رغم الوباء، وتفقد أخرى غابت عنهم هذا العام.

في أحياء إسطنبول وشوارعها المختلفة، عادت تجارة البسطات المسائية التي تقدم للصائمين، ومخبوزات رمضان ومشروباته وطعامه وحلوياته التي يقبل عليها الصائمون في الشهر الكريم.

أطعمة رمضانية تعرَض رغم الحجر المنزلي

1- خبز البيدا
ويعرف باسم "خبز رمضان"، وهو فطير مختمر سميك، يقبل الأتراك عليه بكثرة في أيام الشهر الكريم، وتقدّم المخابز التركية في رمضان فطائر البيدا باللحم والجبن والبيض، وهذا العام قدّم عمال المخابز منتجاتهم للزبائن وهم يرتدون الكمامات الطبية والقفازات وأغطية الرأس.

وخلال الأيام الماضية، لم تتوقف المخابز عن بيع البيدا والخبز بالعموم، نظرا لاستثنائها من نظام منع التجول، لكن أعداد المشترين كانت قليلة وانتظمت عمليات البيع وفقا لقواعد السلامة والتباعد الاجتماعي.

‪خزانة عرض لخبز البيدا في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)
‪خزانة عرض لخبز البيدا في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)

 

2- مشروبات رمضان
يضع أمير شراب التوت الأسود "كارا تود" على رأس قائمة المشروبات التركية في رمضان، ويقول للجزيرة نت إن هذا الشراب يصنع من مكونات طبيعية بنسبة 95%، يتم جلبها من الأناضول ومن ولاية هاتاي بالتحديد لتصفى وتعصر أمام عيون الصائمين.
 
ويقدم الأتراك مشروبا رمضانيا آخر حلو المذاق يسمى الشراب العثماني أو "أوصمانلي شربتلي"، ويتكون من مزيج من الأطعمة أهمها القرنفل والتوت البري والعنب والتمر وعرق السوس والليمون.
 
كما يقدمون مشروبات التمر هندي وشراب الورد وزهر الخزامى والكوش بورنو (شراب منقار الطائر) الذي يشبه الكركديه، فيما يحظى العيران (شراب اللبن) بمكانة كبيرة على المائدة التركية في رمضان كما في بقية الأيام.
‪التركي أمير يبيع شراب التوت الأسود في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)
‪التركي أمير يبيع شراب التوت الأسود في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)

3- الحلويات الرمضانية

يتسيد "الكلّاج" قائمة الحلويات الرمضانية، ويعدّ بالحليب في الغالب ويزين بالفواكه والمكسرات، كما يقبل الناس في رمضان على شراء حلوى "اللقم" (العوامة) والــ"قدايف" وحلوى عاشوراء والمهلبية والبقلاوة التركية والحلقوم، وغيرها من الحلويات التي لا تزال حاضرة في رمضان إسطنبول رغم الحجر الصحي. 
‪رجل يبيع حلوى اللقم أو العوامة في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)
‪رجل يبيع حلوى اللقم أو العوامة في منطقة الفاتح‬ (الجزيرة)

 

4- الأجبان والمجففات
تنتشر في شهر رمضان المبارك أيضا البسطات التي تبيع الأجبان والزبدة وقشدة الحليب الطازجة والمخللات ومربيات الفواكه المختلفة والحلويات المجففة والتمور والمكسرات كالجوز والفستق.
 
عادات رمضانية صمدت في وجه كورونا
لا تقتصر الأجواء الرمضانية التي صمدت رغم الحجر الصحي ونظام منع التجول على المطعم والمشرب، فلا يزال للشهر الكريم سحره الخاص في التقاليد التي لا تتطلب الاحتكاك والمخالطة، ويمكن تحقيقها حتى مع بعض التعديلات في ظل تطبيق إجراءات السلامة والتباعد الاجتماعي، ومنها:
 
1- المسحراتي
ظل المسحراتيون يجوبون شوارع أحياء المدينة لإيقاظ النائمين ودعوتهم لتناول وجبة السحور، وبقيت ثيابهم التقليدية وأصواتهم ونفس العبارات التي يرددونها، لكنهم سيمتنعون -وفقا للتعليمات هذا العام- عن قرع أبواب المنازل لتلقي الإكراميات في نهاية الشهر المبارك تجنبا للمخالطة.
 
2- مدفع رمضان
ولا تزال المدافع الرمضانية تطلق في أكثر من ميدان في المدن التركية استمرارا للتقليد العثماني العريق للإعلان عن مواعيد الإفطار والإمساك، لكن المدافع هذا العام لا تجد الصبية والمواطنين الذين كانوا يقفون بانتظار إطلاقها في الأعوام السابقة.
 
3- زينة المحيا
وهو إنارة مآذن المساجد في ليل رمضان، وهو تقليد ظل حيا منذ القدم في الثقافة التركية، وتجسد في العصر الحديث بمد إنارات من أسلاك كهربائية بين المآذن في كل مسجد تكتب عليها بالإنارة عبارات التهنئة بحلول الشهر المبارك والدعوة للصلاة والصيام والدعاء، لكن هذه الدعوات تحولت هذا العام إلى عبارات تحث الناس على البقاء في منازلهم.
‪زينة المحيا تضيء ما بين مآذن جامع باشاك شهير المركزي‬ (الجزيرة)
‪زينة المحيا تضيء ما بين مآذن جامع باشاك شهير المركزي‬ (الجزيرة)
تقاليد رمضانية غيبها وباء كورونا

1- التراويح وأنشطة المسجد
يفتقد رمضان هذا العام صلاة التراويح، ويحافظ أئمة المساجد في تركيا على أداء 20 ركعة من التراويح في كل ليلة، كما يفتقد إحياء ليلة السابع والعشرين من الشهر الكريم التي كان الناس يقومونها في كافة مساجد البلاد باعتبارها ليلة القدر.
 
وإلى جانب التراويح غابت الأنشطة المسجدية الأخرى كختمة "المقابلة"، وهي تقليد عثماني موروث حيث يقوم القراء ذوو الأصوات الجميلة بتلاوة جزء من القرآن الكريم يوميا في المساجد في نهار رمضان جهرا، ويتابع المصلون في المسجد تلاوتهم سرا في المصحف، وبذلك يختتم صاحب التلاوة وكل من يستمع إليه القرآن الكريم كاملا في نهاية الشهر.
 
كما غيب انتشار فيروس كورونا عن مساجد تركيا مسابقات حفظ القرآن الكريم وتلاوته وجمال الصوت فيه. 
 
2- الإفطار الجماعي
وكانت بلديات المدن التركية وإدارات الأحياء تعد إفطارات جماعية يومية مجانية في الميادين العامة والساحات، ولكل منطقة إفطارها المعروف، حيث يتناول الناس طعامهم معا كشكل من أشكال التواصل الاجتماعي من جهة، ولتوفير لقمة الإفطار بعفة للصائم الفقير على السواء.
 
وإلى جانب هذه الإفطارات، اختفت أيضا خيام توزيع الإفطار الخيري التي كانت كل واحدة منها تقدم آلاف وجبات الإفطار اليومي للفقراء.
 

‪(الجزيرة)‬ طابور بانتظار الإذن بدخول أحد المحال التجارية في منطقة باشاك شهير بأعداد محدودة من المتسوقين للحد من انتشار كورونا 
‪(الجزيرة)‬ طابور بانتظار الإذن بدخول أحد المحال التجارية في منطقة باشاك شهير بأعداد محدودة من المتسوقين للحد من انتشار كورونا 

3- الأمسيات الرمضانية
اختفت الأمسيات الاحتفالية التي كانت تقام في حدائق الأحياء السكنية وساحاتها، وكانت الفرق الفنية تقدم فيها الأغاني والابتهالات، ويتجول فيها مقلدو الشخصيات الشهيرة وهم يوزعون الفوانيس وحلوى الحلقوم على الأطفال.
 
4- خيام رمضان
كانت تنصب في الساحات والميادين وعلى أطراف الحدائق العامة ويجلس الناس فيها لتناول مشروبات خفيفة وبعض الحلويات، وعادة ما تبقى حتى ساعات منتصف الليل.
 
5- المتاحف والبازارات
كانت تقام في الساحات والميادين العامة وأشهرها بازارات تقسيم وسلطان أحمد وبايزيد، وتعرض فيها الأطعمة والمشروبات الرمضانية والأعمال اليدوية والمنتجات التقليدية كالمسابح والدفوف والرسوم والكتب الدينية والأدبية والثقافية.
المصدر : الجزيرة