رمضان في الكويت.. افتقاد للروحانيات والتجمعات العائلية في ظل كورونا

موائد الإفطار باتت تقتصر على الأسر الصغيرة بعد أن كانت تجمع العائلة الكبيرة
موائد الإفطار باتت تقتصر على الأسر الصغيرة بعد أن كانت تجمع العائلة الكبيرة (الجزيرة)

نادية الدباس-الكويت

"رمضان هالسنة غير" كلمات قالها تركي السبيعي "أبو عبد الله" بنبرة تخنقها العبرة، أثناء سرده للجزيرة نت كيفية قضائه يومه في الشهر المبارك.

يقول "أبو عبد الله" إنه يفتقد أجواء رمضان وروحانياته التي كانت تغمر ديوانيته "مجلسه" وجميع ربوع الكويت، والنفحات الإيمانية التي طالما فاضت بها المساجد، وخصوصا المسجد الواقع قرب منزله حيث اعتاد أن يصلي، لكن الأمل يحدوه بأن تنقشع ما يصفها بالغمة قريبا، وألا تتكرر أجواء رمضان الحالية في العام المقبل.

ويعيش السكان في الكويت -كما في باقي الدول العربية- ظروفا استثنائية بسبب الإجراءات الحكومية المتخذة للحيلولة دون انتشار فيروس كورونا، وأبرزها حظر التجول المفروض من الرابعة عصرا وحتى الثامنة صباحا، وإغلاق مراكز التسوق والمطاعم والمقاهي، فضلا عن تعطيل الدوامات في الجهات الحكومية.

ويؤكد أبوعبد الله أن التزامه وأسرته بإجراءات التباعد الاجتماعي جعله يتوق للاجتماعات العائلية، ويقول "اعتدت أن أجتمع وإخوتي في شهر رمضان من كل عام على مائدة إفطار والدتي، لكن الأمور تغيرت هذه السنة، حيث لم أرَ والدتي خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر الفضيل سوى مرتين، فأذهب إليها ظهرا وأبقى معها لساعتين، وذلك قبل أن أعود أدراجي إلى منزلي قبل سريان موعد حظر التجول".

أما إخوة السبيعي فلم يلتق بهم على الإطلاق منذ بداية شهر رمضان، وهنا يتحسر على توقفه عن استقبال الرواد في ديوانيته التي اعتاد أن تكون عامرة بالضيوف والزوار من شتى مناطق الكويت، فكان يمضي فيها جل وقته مع الأقارب والأصدقاء عقب صلاة التراويح ويتسامرون ويتناولون ما لذ وطاب حتى قبيل موعد السحور.

مع العائلة
وفي ظل هذه المتغيرات، وجد أبوعبد الله المتخصص في شؤون العقار الكويتي، متسعا من الوقت لقضائه داخل منزله بين أبنائه، فيتناول معهم الفطور والسحور، ويتنقل معهم بين الغرف والأماكن المخصصة للجلوس في منزله والحديقة، تارة يقرؤون القرآن، وتارة أخرى يتبادلون أطراف الحديث بينهم بمشاركة زوجته، ويلمس سعادة أبنائه بهذا التواصل، بعد أن ظل يشكو طويلا انشغالهم الدائم بالألعاب المخصصة للحواسيب اللوحية والهواتف الذكية.

ومع إغلاق المساجد في الكويت خصص أبو عبد الله ركنا خاصا في منزله للصلاة ليؤم أفراد عائلته، لكنه لم يُخفِ شوقه إلى صلاة التراويح في المسجد وكذلك صلاة الجمعة، كما صرح بعتاب يجيش في صدره، عبر تساؤل عن المانع من قيام الإمام بأداء صلاة التراويح منفردا في المسجد، مع فتح مكبرات الصوت، حتى ينعم الناس ولو بقدر يسير من روحانيات الشهر الفضيل.

مستشارة جودة الحياة تهاني المطيري ترى أن غالبية الشعب الكويتي -إن لم يكن جميعهم- يفتقدون الأجواء التي اعتادوا عليها في رمضان، لا سيما مع ما يحمله من خصوصية لدى المسلمين.

وتوضح للجزيرة نت أن رمضان في الكويت يعني الصلاة والصيام والقيام والتهجد في المساجد، إلى جانب التسوق والغبقات "وهي وجبات يُدعى إليها الأقارب والأصدقاء وتكون بعد التراويح وقبل السحور وتمثل عادة اجتماعية خليجية"، وكذلك "القرقيعان" بأيامه الثلاثة التي تبدأ منتصف الشهر الفضيل، وخلالها يجوب الأطفال شوارع الحي محملين بحقائب خاصة، ليقوم الكبار في كل منزل بملئها لهم بالحلوى والمكسرات أثناء مرورهم.

ورغم ما وصفته بقسوة نمط الحياة الذي فرضته جائحة كورونا في الكويت، فإن المطيري تؤكد أن ما يهون منها هو أن الأزمة عالمية وتقتضي أن يبقى الإنسان في منزله، وهو ضرر لا يقارن بالضرر الواقع على المشردين في مناطق الحروب والتوتر على سبيل المثال.

إيجابيات كورونا
تعدد المستشارة التداعيات السلبية لأزمة كورونا، فتقول إنه رغم تعطل معظم مناحي الحياة، فإن هذا لا ينفي وجود بقع ضوء على أكثر من صعيد وفقا لرؤيتها، فالشهر الفضيل شهر للعبادة، وهو ما دفع كثيرين إلى تكريس جل وقتهم للصلاة والتعبد.

بعض الكويتيين خصصوا زوايا للصلاة في منازلهم بعد قيام السلطات بإغلاق المساجد ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا(الجزيرة)
بعض الكويتيين خصصوا زوايا للصلاة في منازلهم بعد قيام السلطات بإغلاق المساجد ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا(الجزيرة)

وترى المطيري أن الناس قبل أزمة كورونا كان كل منهم مشغولا بعمله وحياته الخاصة حتى داخل الأسرة الواحدة، لكن التباعد الاجتماعي في الوقت الحالي انعكس تقاربا داخل العائلات والأسر بشكل كبير، وذلك بالنظر إلى الوقت الطويل الذي يقضيه أفراد العائلة معا، على عكس ما كان يحدث في السابق، حيث كان كل منهم ينشغل بالخروج والسهر خارج المنزل.

وتشير إلى أن الأزمة الحالية أظهرت أهمية التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها بصورة فعالة، بعد أن كان معظمها في السابق يكرس لتمضية الوقت ليس إلا.

وتبين أن هذه التكنولوجيا شكلت وسيلة مثلى لحل مشكلة التباعد الاجتماعي، فكانت جسرا للتواصل مع الأهل والأقارب والأصدقاء والاطمئنان عليهم، فضلا عن تفعيل خدمات "الأونلاين" في الشراء والتعامل مع الجهات الحكومية، وذلك بعد أن ظلت هذه الميزات مهملة لوقت طويل.

وتؤكد ضرورة إعادة النظر في نمط الحياة المعتمد لدى كل منا قبل أزمة كورونا، وأن يعود الجميع للاهتمام بالعائلة والانخراط في مهام أهملناها طويلا، إذ سيدفع ذلك إلى إعادة تنميط الحياة بصورة أفضل، أملا في الخروج من الأزمة بروح إيجابية جديدة.

المصدر : الجزيرة