قسوة الأغنياء وبؤس الفقراء.. كيف تشابهت علاقات البشر من الطاعون إلى كورونا؟

الطاعون
روايات "الديكاميرون" استهلت بوصف دقيق للموت الأسود (مواقع التواصل)

يمكن لفيروس كورونا أن يصيب أي شخص، غير أن التقارير الأخيرة أظهرت أن حالتك الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن تلعب دورا كبيرا في هذا الأمر، خاصة أن عوامل مثل الأمن الوظيفي والحصول على الرعاية الصحية والتنقل تعمق الفجوة في معدلات العدوى ومعدل الوفيات بين الأغنياء والفقراء. 

وفي تقريرها الذي نشره موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي، قالت الكاتبة كاثرين ماكينلي إن الأثرياء يعملون عن بعد ويهربون إلى الملاجئ المجهزة للحماية من الكوارث الطبيعية، في حين أن فقراء المناطق الحضرية محشورون في شقق صغيرة ومضطرون إلى الاستمرار في العمل.

وأضافت الكاتبة أنه بعد وباء الموت الأسود في إيطاليا عام 1348 ألف الكاتب الإيطالي جيوفاني بوكاتشو "الديكاميرون"، وهي مجموعة قصص مكونة من 100 رواية، ورغم أنها خيالية فإنها تفتح لنا نافذة تطل على حياة العصور الوسطى خلال الموت الأسود.

وتكشف "الديكاميرون" لنا كيف أدى الوباء إلى خلق نفس التصدعات التي نعهدها اليوم بين الأغنياء والفقراء، وفي الواقع يرى المؤرخون الثقافيون في الوقت الحالي أن روايات "الديكاميرون" هي مصدر قيم للمعلومات عن الحياة اليومية في إيطاليا في القرن الـ14.

الأثرياء محظوظون
ولد بوكاتشو عام 1313، وكان الابن غير الشرعي لمصرفي من فلورنسا، وبما أنه كان من أبناء الطبقة الوسطى فقد كتب في "الديكاميرون" قصصا عن التجار والخدم، وهذا النوع من الكتابات كان غير مألوف في زمنه، حيث إن الأعمال الأدبية للعصور الوسطى كانت تسلط الضوء على حياة النبلاء فقط.

واستهلت روايات "الديكاميرون" بوصف دقيق للموت الأسود الذي كان مميتا لدرجة أن الشخص الذي يصاب به يموت في غضون فترة تتراوح بين أربعة وسبعة أيام، وبين 1347 و1351 حصد الوباء أرواح ما بين 40 و50% من سكان أوروبا، من بينهم بعض أفراد عائلة بوكاتشو.

وفي الجزء الافتتاحي، يصف بوكاتشو الأغنياء الذين يعزلون أنفسهم في المنزل، وكيف يتمتعون بالنبيذ عالي الجودة والموسيقى ووسائل الترفيه الأخرى، أما أكثرهم ثراء -الذين وصفهم بوكاتشو "بالقساة"- فقد هجروا أحياءهم تماما، ولجؤوا إلى المنازل الريفية المريحة "كما لو أن الطاعون كان مبرمجا للإطاحة بأولئك الذين بقوا داخل أسوار مدينتهم" حسب وصف الكاتب.

في المقابل، فإن أفراد الطبقتين الوسطى والفقيرة -الذين أجبروا على البقاء في المنازل- "أصيبوا بالطاعون في أحيائهم بأعداد تحصى بالآلاف، يوما بعد يوم" وماتوا بسرعة، وقام الخدم بالاعتناء بالمرضى داخل منازل الأثرياء الذين استسلموا للمرض.

الفقراء تعساء
في المقابل، قرر كثيرون ممن لم يقدروا على مغادرة فلورنسا والمقتنعون بالموت الحتمي أن يحتفلوا بأيامهم الأخيرة بتنظيم حفلات خالية من المبادئ الدينية والأخلاقية، بينما في المناطق الريفية يموت العمال "كالبهائم بدلا من البشر، ليلا ونهارا، دون حضور الأطباء لرعايتهم".

وبعد الوصف الكئيب للطاعون انتقل بوكاتشو إلى القصص المئة التي رواها عشرة نبلاء كانوا قد فروا من قبضة الموت المسيطر على فلورنسا للاستقرار في القصور الريفية المليئة بالمؤونة اللازمة، ومن هناك يسرد هؤلاء الأشخاص حكاياتهم.

إحدى القضايا الرئيسية المطروحة في "الديكاميرون" هي قدرة الثروة والمميزات الاجتماعية على إضعاف مشاعر الإنسان، ثم تفقده التعاطف مع مصاعب الآخرين.

ويبدأ بوكاتشو مقدمة العمل بالمثل القائل "إنه من طبيعة البشر إظهار الشفقة لأولئك المنكوبين"، ومع ذلك فإنه يواصل عرض الشخصيات التي لا تبالي بتاتا بألم الآخرين في العديد من الحكايات، والتي أعمتها دوافعها وطموحاتها الخاصة.

وفي إحدى القصص الخيالية يعود رجل ميت من الجحيم كل يوم جمعة ليذبح المرأة ذاتها التي رفضته عندما كان على قيد الحياة، وفي قصة أخرى يشيد الراوي بالولاء المطلق لشخصية تجاه صديقه بينما في الحقيقة كان يخونه طوال أعوام عديدة.

ولعل بوكاتشو يقول إنه يمكن للبشر يمكن أن يعتبروا أنفسهم مستقيمين وأخلاقيين، غير أنهم قد يظهرون اللامبالاة تجاه الآخرين دون إدراك.

وفي الواقع، يمكننا ملاحظة هذا في رواة القصص العشرة أنفسهم، إذ إنهم يتعهدون بالعيش كأناس فاضلين في ملاذاتهم المجهزة بشكل جيد، وفي حين أنهم يدللون أنفسهم فإنهم يخلقون القصص التي توضح الوحشية والخيانة والاستغلال.

المصدر : الصحافة الأسترالية