صيانة شباك الصيد في غزة.. مهنة يفرضها الحصار

تحتاج صيانة الشباك الى صبر طويل وتحمل. / مدينة غزة- ميناء غزة البحري/سند أبو لطيفة/الجزيرة نت.
الصيادون يصلحون شباكهم لعدم توفرها في غزة بعد الحصار الإسرائيلي (الجزيرة)

رويدا عامر-غزة

خيوط خضراء تلتف حول أصابع الصيادين كل صباح منذ طلوع الشمس حتى غروبها، يجلسون أمام غرف الصيد وتحيط بهم الشباك لأمتار ممتدة أمامهم، يبحثون عن الأماكن الممزقة فيها من أجل تصليحها للبدء في رحلة صيد جديدة مع نوع مختلف من الأسماك، حيث يتجمع العشرات من الصيادين لكي يقوموا بهذه المهمة الإضافية التي تعد جزءا مهما لاستمرار مهنة الصيد.

في ميناء غزة البحري غرب المدينة يتجمع الصيادون لكي يصلحوا الأعطال التي أصابت شباكهم خلال رحلة الصيد بسبب وجود الصخور والأسماك القوية التي تتلف الشباك، حيث يصلحونها بدلا من شراء شباك صيد جديدة، لعدم توفرها في قطاع غزة ومنع دخولها منذ أكثر من 13 عاما، أي بعدد سنوات الحصار على غزة.

وقت طويل لصيانتها
أحمد الهسي (57 عاما) تعلم مهنة الصيد من جده وأبيه حتى أصبحت مهنته التي ورثها لأبنائه، يقول للجزيرة نت إنه يبدأ يومه بصيانة شباك صيد، ويعتمد في ذلك على نوع السمك المتوفر في البحر، ويُخرج شباكه لكي يتفقدها، وبعضها لا يصلح للصيد، لكنه يجبر على إصلاحها لعدم قدرته على شراء شباك جديدة، ويستمر في عمل ذلك لأكثر من شهر بشكل متواصل لكي يتمكن من الصيد بها في الموسم المحدد.

يستخدم الصيادون في حياكة شباك الصيد خيوطا من الحرير خاصة لذلك، مع آلة صغيرة تشبه إبرة الخياطة، لحياكة خيوط الشباك الممزقة ووصلها ببعضها أو قص قطعة تالفة بشكل كامل ودمج القطع الأخرى مع بعض، وكأنها محاولة صنع شيء من لا شيء وذلك لاستمرار مهنتهم بشكل أو بآخر.

الصيادون في ميناء غزة البحري يتجمعون كل صباح لإصلاح شباكهم (الجزيرة)
الصيادون في ميناء غزة البحري يتجمعون كل صباح لإصلاح شباكهم (الجزيرة)

الأمر ليس سهلا بالنسبة للصيادين، فهو يستغرق وقتا طويلا، فقد تصل مدة الحياكة إلى شهر أو أكثر، وبذل مجهود مضاعف، لأن بعض هذه الشباك تجاوز عمرها 20 عاما. 

مرارة المهنة تؤلم الهسي لفقدانه أبنيه في البحر خلال الأعوام الثلاثة السابقة أثناء رحلة صيد الأسماك، حيث استشهد أحدهما بعد مطاردة الشرطة البحرية الإسرائيلية لمركبهما وإطلاق النار نحوه، وبعد إصابته غرق في البحر مع المركب ولم يظهر له أثر حتى اللحظة، والآخر توفي بسبب ماس كهربائي مفاجئ أثناء الصيد في البحر أدى إلى وفاته، فيقول للجزيرة نت "نحن نحب البحر ولكنه لا يحبنا ولا مفر من الابتعاد عنه، روحنا متعلقة به".

توريث للأبناء والأحفاد
زيدان النحال (28 عاما) تعلم الصيد من والده، حيث كان يراه يجلس طويلا عندما يصلح شباك الصيد فيجلس بجانبه ويتعلم منه ذلك، ويقول للجزيرة نت تعلم حياكة شباك الصيد وصيانتها جزء أساسي وكبير من تعلم مهنة الصيد ومن دون ذلك لا يمكنهم الصيد.

العديد من الشباك تتضرر بسبب اصطدامها بالصخور والأسماك، ومن الضروري تفقدها في كل موسم وإصلاحها، رغم أن ذلك متعب جدا ويحتاج إلى تركيز كبير قد يضعف البصر من أجل إتمام ذلك، ولكنهم مجبرون على ذلك لعدم قدرتهم على شراء شباك صيد جديدة.

عند إصدار أوامر من الجانب الإسرائيلي بعدم السماح للصيادين بدخول البحر، يجلسون لصيانة شباكهم لساعات طويلة، منتظرين التراجع عن هذا القرار والسماح لهم بالصيد، هذا المشهد يتكرر كل صباح على طول ساحل القطاع، حيث يتوزع الصيادون الذين يبلغ عددهم 13 ألف صياد تتجول خيوط الحرير في شباكهم تبحث عن مكان يحتاج إلى تصليح وصيانة.

‪مراكب الصيد تنتظر قرار القوات الإسرائيلية السماح للصيادين بدخول البحر‬ (الجزيرة)
‪مراكب الصيد تنتظر قرار القوات الإسرائيلية السماح للصيادين بدخول البحر‬ (الجزيرة)

غالية الثمن
أن تبحث عن خلل في شباك صيد تمتد لعشرات الأمتار هذا يعني أنه يجب أن يكون لديك صبر كبير لكي تنجز هذه المهمة، هذا ما يقوله الصياد ناصر أبو عميرة (53 عاما) الذي تعلم مهنة الصيد منذ أن كان عمره 10 سنوات.

يجتمع بأبنائه أمام غرفة الصيد الخاصة به ويوزع مهام الصيانة على كل واحد منهم لكي يتعلموا هذه المهنة، ويقول للجزيرة نت إن لكل موسم سمك شباك صيد تناسبه وتختلف في جودتها، وهذه الفترة موسم "سمك العصافير" لهذا يخرج الشباك من مخزنها ويتفقدها لكي يستطيع الصيد بها، مع العلم بأن هناك أسماكا قوية وتحتاج إلى شباك صيد متينة لكي تتحمل ثقلها.

ويضيف أن شباك الصيد مكلفة جدا، ويبلغ سعرها ثمانية آلاف دولار، بعكس سعرها قبل الحصار الذي يبلغ الثلث، وقبل أيام تخلص من مجموعة شباك صيد وجدها متهتكة جدا ولا تصلح للصيانة.

ويشير إلى أن هناك نوعين من شباك الصيد، النوع الأول شباك صغيرة تستخدم في صيد الأسماك الصغيرة كالسردين، ويأخذ هذا النوع جهدا مضاعفا نظرا لحجم التركيز من قبل صانعه، أما النوع الثاني فهي الشباك الكبيرة المستخدمة لصيد الأسماك ذات الحجم الكبير، كالوطواط واللوكس، ويستخدم في هذا النوع خيوط حريرية خاصة لملائمتها مع حجم الأسماك الضخمة والمفترسة أثناء الصيد والحد من تمزقها.

‪المضايقات اليومية المستمرة التي يتعرض لها الصيادون جعلت المهنة صعبة جدا‬ (الجزيرة)
‪المضايقات اليومية المستمرة التي يتعرض لها الصيادون جعلت المهنة صعبة جدا‬ (الجزيرة)

مهنة المعاناة والألم
يقول نزار عياش نقيب الصيادين للجزيرة نت إن المضايقات المستمرة التي يتعرض لها الصيادون بشكل يومي جعلت المهنة صعبة جدا، وتراكمت العديد من المشاكل بسبب الحصار المفروض ومنع دخول المواد والآلات الخاصة لمراكب الصيد، بالإضافة إلى مواد تدخل في تصنيع الشباك منعت من الدخول، هذا كله يزيد العبء على الصياد ويجعل المهنة شاقة ومكلفة للغاية.

بالإضافة إلى وجود آلاف الصيادين تحت خط الفقر، ويعيشون على المساعدات بعد أن كانت مهنة الصيد هي مصدر الرزق لجميع القطاعات في غزة.

المصدر : الجزيرة