"جرَّة الامتنان".. تجربة في زيادة الشكر وتحقيق الراحة النفسية

جرة مريم عندما فتختها ظهرت ورفة انها حامل - الجزيرة
جرّة مريم ناصر.. أول تجربة لها كانت عام 2019 وعندما فتحتها نهاية العام ظهرت ورقة أنها حامل (الجزيرة)

هلا الخطيب-بيروت

"لئن شكرتم لأزيدنكم"، قد تكون هذه الآية الكريمة عنوانا مناسبا لفكرة "جرار الامتنان" التي يجب ملؤها بعبارات الشكر والتقدير والامتنان، وتُولد راحة نفسية.

تقول المعالجة بالطاقة الإيجابية "الرايكي" ميراي حمّال التي تدرب وتقوم بورش عمل حول جرة الامتنان للجزيرة نت، إنها عندما قرأت عن جرة الامتنان عام 2012 كانت ضمن مقالة تتحدث عن أفكار يمكن تطبيقها في السنة الجديدة.

وقررت أن تنفذها، وكانت تحيا نقلة نوعية في حياتها، فجربتها بشكل يومي، وشعرت بإيجابية الفكرة، وانتبهت لما قدمته لها من شعور بإحصاء نعم الله عليها، إضافة لتحدي المراجعة اليومية لأمور كثيرة بعضها صغير كالهواء الذي نتنفسه أو أمور كبيرة كمساعدة أو تحول ما في حياتنا.

بدأت ميراي تنفذها كل عام إلى أن تعمقت بفكرة الامتنان وتأثيره الإيجابي على حياتها من ناحية الصحة والتخلص من القلق وزيادة الوفرة في الحياة.

‪تزيين الوعاء في ورش العمل يعطي هدوءا وصفاء وفرحا لأن الشخص يعود للطفولة بداخله‬ (الجزيرة)
‪تزيين الوعاء في ورش العمل يعطي هدوءا وصفاء وفرحا لأن الشخص يعود للطفولة بداخله‬ (الجزيرة)

جرّة الامتنان
أرادت ميراي بعد عودتها من قطر إلى لبنان عام 2015 أن تبدأ بشيء إيجابي، فكانت جرة الامتنان. و
فكرتها -كما تشير- هي استخدام علبة أو سلة أو صندوق وتزيينه ووضع عبارة جميلة عليه، ثم كتابة أمور حصلت في اليوم على قصاصة ورق، نمتن لوجودها أو حصولها ونضعها داخل الوعاء المختار، كما يمكن الكتابة على دفتر بدلا من استخدام الجرة.

تعتبر ميراي أن تزيين الوعاء في ورش العمل يعطي هدوءا وصفاء وفرحا، لأن الشخص يعود للطفولة بداخله التي ينساها في خضم انشغالات الحياة وضغوطها، وكل يزين بحسب ذوقه.

أقامت ميراي أكثر من عشر ورش للكبار والصغار والمراهقين للحديث عن فوائد جرار الامتنان، وتقول إن وعي محبة الذات والاهتمام بها والامتنان بات ينتشر عالميا وعربيا.

‪يمكن صنع جرّة امتنان مخصصة للأمور الإيجابية، وأخرى للنسيان مخصصة لتدوين ما يزعجنا‬ (الجزيرة)
‪يمكن صنع جرّة امتنان مخصصة للأمور الإيجابية، وأخرى للنسيان مخصصة لتدوين ما يزعجنا‬ (الجزيرة)

جرة التخلي أو النسيان
وعلى النقيض من جرة الامتنان، هناك أيضا جرّة التخلي أو النسيان (letting go jar) التي تقول إنها مخصصة لتدوين ما يزعجنا، وما لا يريحنا، أو عدم المسامحة، فالأفضل أن نكتبها كل يوم ونضعها في الجرة لسنة، وعندما يعود الشخص لقراءتها ينتبه كم أخرج من داخله أمورا أزعجته بمجرد كتابتها، فإما أن يحرقها أو يرسل الأوراق لإعادة التدوير، ويمكن أن تكون لديه جرة للامتنان وأخرى للنسيان.

الشكر ثم الشكر
تخبر ميراي أن فكرة جرة الامتنان غيرت الكثير في حياتها، إذ أصبحت تنظر بإيجابية أكثر للحياة وتقدر الأمور، ولديها امتنان لكل نعم الله عليها. تقول "أقدر جسمي وكيف تعمل أعضاؤه. حتى من مروا بحياتي وتأذيت منهم اعتبرت أنهم مروا لأتعلم منهم شيئا جديدا عن نفسي، بدأت أشكر الدروس التي آخذها في حياتي".

وتقول إن حياتها تصبح أجمل وأفضل، والحمد لله الصحة جيدة، والوفرة موجودة في العائلة والسعادة. حتى أنها علمت ابنتها ياسمينا -وكان عمرها شهورا- الشكر حتى أصبحت كلمة الشكر دوما على لسانها، "وعندما بدأت أحصي النعم تضاعفت مرتين وثلاثا في حياتي".

وتخبر أنها كلما نشرت هذه الفكرة عبر ورشات العمل ينشرها الناس لعائلاتهم وأصدقائهم، ويخبرونها أن تغيرا طرأ على حياتهم وهذا تزيده كورقة امتنان جديدة إلى جرتها.

تقول ميراي إن ثقافة الامتنان مذكورة في كل الأديان حيث الحمد لله دائما، كما يجب على الأهل أن يعلموا أولادهم أن الشكر لا ينبع من الشعور بالذنب إنما من القناعة.

الامتنان بكل الأوقات
وتقول إننا عادة ما نقدر الصحة عندما نصاب بالمرض، لكن يجب ألا ننتظر حتى تحدث الأمور أو أن نفقدها حتى نقدرها، وتعتبر أن كتابة الشكر والامتنان تفعلهما أكثر لتشعر بالراحة النفسية الإيجابية.

‪جرة ابنة ميراي ياسمينا التي حرصت على تعليمها وتعويدها على شكر نعم الله‬ (الجزيرة)
‪جرة ابنة ميراي ياسمينا التي حرصت على تعليمها وتعويدها على شكر نعم الله‬ (الجزيرة)

ذكريات صغيرة لكنها مميزة
مريم ناصر تخبر أن أول تجربة لها كانت عام 2019، عندما أرسلت لها قريبتها صورة عليها جرة وقصاصات ورقية، وأعجبت بالفكرة، واشترت جرة وأوراقا بنية لتكتب كل أسبوع مرة فيها، أو بحسب ما يحصل معها من أمور تكون ممتنة لها.

وهذا جعلها تفكر بالأمور الصغيرة قبل الكبيرة، وأصبحت تشعر بالامتنان لأمور بسيطة، وعندما تدقق بها تشعر أنها نعمة يجب أن تشكر الله عليها، وتقول إن هذا مدها بالتفاؤل والطاقة.

ومع مرور الأيام كانت تنسى ما كتبت، وعندما فتحت الجرة تفاجأت وعادت وتذكرت أمورا كثيرة كلقاء الأصدقاء، أو يوم قضته مع ابنها، ووردة من زوجها من دون مناسبة، واتصال هاتفي معين.

وتضيف "إننا لا ننسى الأحداث الكبيرة وتظل مطبوعة في البال، ولكن الأمور الصغيرة ننساها لذا عندما نقرؤها ونتذكرها نصبح أكثر امتنانا".

وتقول مريم إن الحدث الأساسي في السنة كان عندما أنجبت ابنها لأنها كانت تمر بمرحلة صعبة، ولكنها عندما سحبت أول ورقة امتنان كتبتها كانت "أنا حامل".

‪جرّة الامتنان التي زينها عبدو شوشاني يقرؤها نهاية كل عام، وأحيانا لرفع المعنويات في يوم عصيب‬ (الجزيرة)
‪جرّة الامتنان التي زينها عبدو شوشاني يقرؤها نهاية كل عام، وأحيانا لرفع المعنويات في يوم عصيب‬ (الجزيرة)

الذاكرة البصرية لتفاصيل اليوم
عبدو شوشاني يخبر الجزيرة نت أنه كان منذ سنوات يسخر من فكرة "وعاء الامتنان" و"وعاء التخلي"، ولكن منذ حوالي عامين، قدمت له مدربة الرايكي ميراي حمال "وعاء التخلي" بعد محاضرة لها عن التسامح، بعدها أحضر وعاء آخر وزينه ليكون وعاء الامتنان الخاص به ليكون وسيلة ممتعة لتأمين تذكير بصري للنِعم الوفيرة في حياته.

وأصبح يدوّن شكره لأمور كثيرة، سواء كان نشاطا أو عملا لطيفا أو شخصا معينا أو ببساطة تفصيلا روتينيا، و"تراكمت في الوعاء الأمور كافة التي تجعل حياتي جميلة"، كما تقول.

وعبدو عادة يقرؤها نهاية كل عام. وأحيانا لرفع المعنويات في يوم عصيب، يختار المفضلة بينها فيضعها في إطار التأمل، ويقول "بغضّ النظر عن محتواها، قراءة تلك الأوراق تتيح لي أن أعيش تلك اللحظات الصغيرة مجددا، وتشجعني كل يوم على أخذ الوقت لتفقد حالتي"، ويعتبر أن إعادة التفكير في تفاصيل اليوم بطوله هو أيضا تمرين فعال للذاكرة.

‪نادين كامل اكتشفت أنها حتى في الأيام الصعبة كانت تجد أشياء تمتن لها ويتغير مزاجها وتفرح بها‬ (الجزيرة)
‪نادين كامل اكتشفت أنها حتى في الأيام الصعبة كانت تجد أشياء تمتن لها ويتغير مزاجها وتفرح بها‬ (الجزيرة)

الامتنان يجلب السعادة
نادين كامل مدربة يوغا، ومعالجة بالطاقة، بدأت تكتب على ورقة سبب امتنانها كل يوم وتضعها في علبة، واختارت علبة جميلة، وكانت تعطي نفسها كل ليلة وقتا خاصا لتفكر بيومها وبأنها ممتنة لأمور معينة، وبطريقة التفكير هذه اكتسبت عادة الامتنان يوميا وليس بالمناسبات.

وأصبحت نادين تشعر بالامتنان أثناء القيادة لأنها ستصل إلى البيت، وتكون ممتنة لسيارتها وبيتها والناس الذين التقت بهم في يومها ولكل ما تتعلمه، وللطاقة التي تبادلتها مع الناس، ولكلبها الذي يستقبلها بفرح، على حد تعبيرها.

واكتشفت أنها حتى في الأيام الصعبة، كانت تجد أشياء تمتنّ لها ويتغير مزاجها وتفرح بها، فالامتنان يخلق تحولا في المزاج إلى الأفضل، وصار الامتنان موجودا داخلها بشكل تلقائي، ولم تعد تحتاج علبتها وصارت ممتنة دوما، وتقول "الامتنان يجلب الفرح". 

المصدر : الجزيرة