ورشة فنية للصم في غزة.. فخّار يصل للعالم برؤية فلسطينية

رائد موسى-غزة

يشكّل رائد الوصيفي وشريهان زيادة ثنائيا منسجما ضمن فريق من ستة عاملين من الصم يعملون داخل ورشة صغيرة لصناعة المشغولات الفخارية في غزة.   

ويعمل الوصيفي (42 عاما) وزيادة (34 عاما) بدقة وصمت لإنجاز المهام الموكلة لهما من "جمعية أطفالنا للصم"، التي تقوم بتسويق المنتجات محليا ودوليا.

14 عاما مع الفخار والرسم
وبدأت زيادة عملها في الورشة قبل نحو 14 عاما بعدما التحقت بدورات تدريبية في صناعة الفخار والرسم عليه داخل الجمعية التي وفرت لها فرصة عمل.

وتشعر زيادة، وهي متزوجة وأم لثلاثة أطفال، بالسعادة في عملها، لعشقها الرسم منذ طفولتها، ولأنها تساهم بتوفير متطلبات أسرتها في ظل الواقع الاقتصادي الصعب في غزة.

وفقدت زيادة حاسة السمع جراء إصابتها بحمى شوكية منذ أن كانت بعمر تسعة شهور. وبحسب الإحصاءات الرسمية الفلسطينية، فإن 1.7% من الأطفال في غزة يعانون من إعاقة صم، غالبيتهم بسبب وراثي، وبينهم من فقد حاسة السمع جراء الحروب والاعتداءات الإسرائيلية.

‪ماندي سرداح تتحدث بلغة الإشارة مع رائد الوصيفي وشريهان زيادة‬ (الجزيرة)
‪ماندي سرداح تتحدث بلغة الإشارة مع رائد الوصيفي وشريهان زيادة‬ (الجزيرة)

ثقة كبيرة.. عمل وعطاء
وتقول زيادة، عبر مترجمة لغة الإشارة ومديرة شؤون الموظفين في الجمعية ماندي سرداح، إنها لا تشعر بالعجز رغم فقدانها السمع، وتتمتع بثقة كبيرة بنفسها، طالما أنها قادرة على العطاء والعمل ومساعدة نفسها وأسرتها.

وتغمر السعادة قلب زيادة عندما ترى القطعة الفنية التي تصنعها بيديها قد اكتملت ونالت إعجاب الزبائن وعشاق الرسم والمشغولات الخزفية والفخارية. 

وقالت زيادة، وهي تستكمل الرسم على قطعة فنية من الخشب، إن اختيار الألوان يختلف باختلاف المادة والزخارف المطلوبة، ومثل هذا العمل يتطلب الموهبة والدقة والصبر. 

‪مشغولات فخارية من صنع ورشة الصم في جمعية أطفالنا للصم‬ (الجزيرة)
‪مشغولات فخارية من صنع ورشة الصم في جمعية أطفالنا للصم‬ (الجزيرة)

23 عاما في صناعة الفخار
وعلى يمين زيادة، يجلس زميلها الوصيفي، تتوسطهما طاولة عليها الكثير من الألوان وأدوات الرسم والمشغولات الفخارية، وتحدث عن تجربته قائلا إنه بدأ العمل في هذه الورشة قبل حوالي 23 عاماً بعدما حضر دورات تدريبية في مجال صناعة الفخار في مدينة الخليل بالضفة الغربية.

ولم يستطع الوصيفي استكمال تدريبه وعمله في مدينة الخليل بسبب معوقات سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتعقيدات الحصول على تصريح للمرور من غزة إلى الضفة عبر معبر بيت حانون.

وبفضل عمله في ورشة صناعة الفخار داخل جمعية أطفالنا للصم، تمكن الوصيفي، الذي فقد حاسة السمع منذ ولادته، من الزواج وتكوين أسرة مكونة من سبعة أطفال.

‪مشغولات فخارية يدوية من عمل الصم تتمتع بالدقة الشديدة‬ (الجزيرة)
‪مشغولات فخارية يدوية من عمل الصم تتمتع بالدقة الشديدة‬ (الجزيرة)

مشغولات يدوية دقيقة
ويفخر الوصيفي بما ينتجه مع زملائه في المشغل من مشغولات فنية يدوية بالكامل وتتمتع بالدقة الشديدة، وتنال إعجاب المهتمين، خصوصا من الزوار الأجانب الذين يحرصون على أخذ عينات من أعمال الصم لدى عودتهم إلى بلادهم.

وقال "كلمات المدح والثناء تشجعه وزملاءه على الابتكار والتجديد في أعمالهم، والدمج بين المواد مثل الخشب والفخار من أجل إنتاج مشغولات فنية تنال إعجاب المهتمين، وتحمل رسالة غزة إلى العالم".

ويرجو الوصيفي زوال الحصار المستمر على غزة منذ 13 عاما، وأن يتمكن من المشاركة في معارض فنية خارجية لعرض المنتجات الفلسطينية برسالتها التراثية، قائلا "الحصار يقيد عملنا وإبداعنا".

وقاطعته زميلته زيادة قائلة "إذا كنا لا نستطيع السفر، فإن أيادي الصم ستصل إلى العالم بما تنتجه من مشغولات فخارية وفنية".

وتواجه جمعية أطفالنا للصم، التي تأسست في العام 1992، صعوبات شديدة في توفير المواد الخام، خصوصاً مادة "السيراميك الأبيض" من مدينة الخليل بالضفة الغربية، إذ تمنع سلطات الاحتلال توريدها لقطاع غزة بزعم أنها ذات "استخدام مزدوج"، أي أنه قد يتم استخدمها في صناعة الأسلحة والمتفجرات.

‪شريهان زيادة: إذا كنا لا نستطيع السفر، فإن أيادي الصم ستصل إلى العالم بما تنتجه من مشغولات تراثية فلسطينية‬ (الجزيرة)
‪شريهان زيادة: إذا كنا لا نستطيع السفر، فإن أيادي الصم ستصل إلى العالم بما تنتجه من مشغولات تراثية فلسطينية‬ (الجزيرة)

معوقات شحن المنتجات الفنية والفخارية
كما تواجه الجمعية، بحسب مديرة شؤون الموظفين ماندي سرداح، بين الحين والآخر معوقات في شحن المنتجات الفنية والفخارية عبر البريد بسبب ظروف الحصار والمعابر وتعقيدات إجراءات الاحتلال.

وقالت سرداح للجزيرة نت إن للحصار تأثيرات سلبية خطيرة على كل مناحي عمل مشغل الصم لصناعة المشغولات الفخارية، فالجمعية تمتلك فرنين، أحدهما معطل ويحتاج إصلاحه إلى خبير من الضفة الغربية، الأمر الذي يؤثر على كميات الإنتاج.

ومنذ منع سلطات الاحتلال توريد السيراميك الأبيض لغزة في العام 2006، تلجأ الجمعية إلى أصدقاء لها من الزوار الأجانب الذين لا يخضعون لإجراءات التفتيش المعقدة على المعابر، وذلك من أجل جلب كميات محدودة لضمان استمرار العمل.

وأكدت سرداح أن هذه الكميات قليلة جدا وغير متوفرة باستمرار، وتعتمد على زيارات الوفود الأجنبية، مما يجعل العمل في الورشة مهددا بالتوقف في أي لحظة.

‪ماندي سرداح: لحصار غزة تأثيرات سلبية خطيرة على كل مناحي عمل مشغل الصم لصناعة المشغولات الفخارية‬ (الجزيرة)
‪ماندي سرداح: لحصار غزة تأثيرات سلبية خطيرة على كل مناحي عمل مشغل الصم لصناعة المشغولات الفخارية‬ (الجزيرة)

التسويق الإلكتروني للمنتجات
وقالت إن ظروف الحصار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة تسببت في تراجع الزبائن المحليين من عشاق المشغولات الفخارية والفنية، في وقت انخفضت فيه المشاركات في المعارض الخارجية سواء في الضفة الغربية أو خارج فلسطين بنسبة 80%.

وجراء ذلك، تعتمد الجمعية على التسويق الإلكتروني عبر عرض المنتجات والمشغولات الفخارية والفنية على الإنترنت للتغلب على معوقات الحصار. 

وتفرض إسرائيل حصارا خانقا على قطاع غزة، الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة، منذ فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الثانية مطلع العام 2006، وزادت من حدته عقب سيطرة الحركة على القطاع في منتصف العام 2007 بعد موجات من الاقتتال الداخلي مع حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والأجهزة الأمنية الموالية لها.

المصدر : الجزيرة