"العطوة" أسرع الطرق لحقن دماء المتخاصمين بفلسطين

عوض الرجوب-الخليل­

قبل أسابيع تعرض موظف بمستشفى حكومي فلسطيني للاعتداء بالضرب، فتداعى الوجهاء لذوي المعتدى عليه "للأخذ بعادات الناس" وهي "العطوة". وبالفعل أقر ذوو المعتدي بالخطأ وتمكن الوجهاء من احتواء الموقف ومنع تصاعد الخلاف، وانتهت العطوة بصك ينهي الخلاف على أن يتنازل المعتدى عليه عن حقه الخاص في المحاكم.

لكن المشكلة التي واجهت رجال العشائر رفض القضاء الإفراج عن المعتقلين على اعتبار أن سقوط الحق الخاص لا يعني سقوط الحق العام، وهنا تجددت الخلافات والاتهامات لولا مسارعة الوجهاء مجددا لاحتواء الموقف.

و"العطوة" أحد أشهر المصطلحات التي يستخدمها وجهاء القضاء العشائري في فلسطين ومنطقة الشام لحل الخلافات بين المتخاصمين سواء كانت عرضية أو مقصودة، وتبدأ من الإصابات أو الأضرار المادية وتنتهي بالقتل.

إقرار بالذنب
لتقريب الصورة أكثر، نذكر حالات القتل مثلا، إذ يذهب وفد مقلص من الوجهاء مُكلف من ذوي القاتل إلى ذوي المقتول لتطييب الخاطر، وفي مجلسهم يُقر بالخطأ والجريمة ويبدي الوفد الاستعداد التام لما يطلب منه، ويكون الرد عادة بإعطائهم هدنة لثلاثة أيام وثلث من وقوع القتل تكون بعدها العطوة بأن يذهب الجاهة (وفد كبير من الوجهاء والمدعوين) إلى بيت المعتدى عليه لسماع مطالبهم وتلبيتها وإنهاء الملف بدفع مبالغ مالية باهظة في حالات القتل العمد أو الدية أو العفو في الحالات غير المتعمدة.

أنواع العطوة
للعطوة عدة أنواع، وتكون فعليا الخطوة الأولى في طريق وأد الفتنة وجبر الخاطر والحفاظ على السلم الأهلي "فمن جهة تمنع استمرار وتفاقم المشاكل وردود الأفعال، ومن جهة ثانية الإقرار بحق الطرف المعتدى عليه" كما يقول الشيخ نواف الزغارنة أحد أبرز وجهاء عشائر جبل الخليل والنقب.

ولعب القضاء العشائري دورا بارزا في ظل الاحتلال، وتراجع دوره قليلا مع قدوم السلطة الفلسطينية، لكنه عاد بقوة في السنوات الأخيرة مع تراجع دور وصلاحيات السلطة خاصة في المناطق المصنفة (ج) والخاضعة لسيطرة الاحتلال.

دور القضاء العشائري
ولا يعتبر وجهاء العشائر أنفسهم ندا أو منافسا لأجهزة السلطة، وإنما يعتبرون لاعبا مكملا وأحيانا كثيرة مخففا للعبء عنها، بتولي كثير من القضايا قبل وصولها لأروقة القضاء التي تستغرق وقتا طويلا في العادة وقد لا تساعد في حل الإشكاليات.

ويبرز دور القضاء العشائري في مناطق جنوب فلسطين والنقب بشكل أكبر منه في الشمال، وهو ما يعيده الزغارنة إلى ثقل العشائر وتركزها في الجنوب، مقابل ميل أكثر لتحكيم القانون في الشمال.

تنتهي العطوة عادة بكتاب صك يُعترف به رسميا في المحاكم الفلسطينية من جهة إسقاط الحق الخاص، والصك وثيقة تنهي الخلاف وتحدد أسس الصلح أو الطيب يوقع عليها جميع الأطراف والكفل (كفلاء الطرفين).

ولا يرى الشيخ نواف تعارضا بين القضاء العشائري والشريعة الإسلامية، بل يتوافقان في 90% من التفاصيل.

‪الشيخ الزغارنة: القضاء العشائري والشريعة الإسلامية يتوافقان في 90% من التفاصيل‬ (الجزيرة)
‪الشيخ الزغارنة: القضاء العشائري والشريعة الإسلامية يتوافقان في 90% من التفاصيل‬ (الجزيرة)

المصلح الضحية
يمضي الزغارنة جل وقته في القضاء العشائري ليس في منطقته فحسب وإنما في أنحاء فلسطين وخارجها دون أن يتقاضى أجرا، بل يؤكد أنه يدفع يوميا مصاريف تنقله من جيبه الخاص، بل سبق وأن تحول من مصلح إلى ضحية ودفع مبالغ باهظة بسبب تنكر الخصوم لصك أشرف على إنجازه، وصدر بحقه عدة أوامر حبس لعدم الدفع، مما اضطره للسداد من ماله الخاص.

يرجع الشيخ العشائري تزايد مشاكل الناس إلى الزيادة السكانية وتداخل الثقافات والتنشئة الاجتماعية وشبكات التواصل الاجتماعي التي يقال إنها أفقدت الآباء السيطرة داخل البيوت.

ومع نشأتها أسست منظمة التحرير دائرة شؤون العشائر وظلت ملحقة برئاسة المنظمة حتى ألحقت بوزارة الداخلية عام 2005، وهو إجراء يبدي الزغارنة تحفظه عليه.

وخلال أبريل/نيسان الماضي أصدر رئيس السلطة محمود عباس مرسوما بإنشاء وتشكيل الهيئة العليا لشؤون العشائر للمحافظات الشمالية (الضفة الغربية) لكن ذلك لم يكن مُرضيا لأغلب الوجهاء من حيث الكفاءة والتمثيل فتم تجميده على أن يصدر قرار جديد يلغي هذا المرسوم ويتضمن تشكيلة جديدة، وفق تأكيد الشيخ الزغارنة.

المصدر : الجزيرة