ما الذي يدفع المرء لرفع التحديات وتجاوز طاقته من أجل الإنجاز؟

ما الذي يدفع المرء لتجاوز طاقته من أجل الإنجاز؟
هناك تلاميذ يقتحمون لغة غريبة فما هي دوافعهم؟ (مواقع التواصل)

هناك أشخاص يستخدمون كل طاقتهم لفرض رأيهم، فما الذي يحركهم لرفع التحديات الصعبة؟ وهنالك مسافرون يحاولون مهما تعبوا أن يزيدوا المسافة التي يقطعونها، وهناك موظفون يحاولون كل يوم تحطيم رقم اليوم السابق بخدمة أشخاص أكثر أو دراسة ملفات أكثر، وهناك تلاميذ يقتحمون لغة غريبة لمجرد تعلمها، فما هي دوافعهم؟

في مقال بصحيفة لوفيغارو الفرنسية حاول الصحفي باسكال سينك الغوص مع مجموعة من علماء النفس في أعماق هؤلاء الأشخاص لمعرفة الدوافع التي تقودهم إلى رفع التحديات والمثابرة لتجاوز حدود الذات وقصور الهمة.

‪اتخاذ خيارات إستراتيجية حيوية يزيد الشعور بالذات ويعطي إحساسا نادرا بالامتلاء‬ (مواقع التواصل)
‪اتخاذ خيارات إستراتيجية حيوية يزيد الشعور بالذات ويعطي إحساسا نادرا بالامتلاء‬ (مواقع التواصل)

هذا ما جعلني أنجح
ويقدم عينات من هؤلاء، يبدؤها بعالمة النفس ستيفاني هاهوسو التي قررت فجأة أن تجري مسافة أربعين كيلومترا بعدد أعوام عمرها رغم أنها مطلقة ولديها طفلان ومدخنة شرهة، كما أنها في الماضي نجحت في البكالوريا الرياضية رغم ضعفها الشديد في الرياضيات، واختارت أن تضيع عشر سنوات في الدراسة لتكون عالمة نفس.

تقول هذه العالمة النفسية "كنت دائما أطرد عني طيور النحس التي تثبطني أو تقلل من شأني"، موضحة أنها بعد إعادة التفكير في تجربتها تعتقد أن ما جعلها تنجح هو إعدادها لكل شيء وضبطه على إيقاعها الخاص دون طاعة إرادة أو مسارات الآخرين.

وتقول ستيفاني إن تحدي الماراثون كان مناسبة حميمية كبيرة واستعادة لزمام النفس "أعطاني القدرة على السيطرة على تنفسي، ووضع تعبي في الحسبان، فكنت أقوم بما تمليه علي نفسي، وأمارس التأمل وأنا أجري".

وتلخص هذه العالمة تجربتها بأن "تجاوز المرء مخاوفه وتحمله مسؤولية نفسه من خلال اتخاذ خيارات إستراتيجية حيوية يزيدان شعوره بذاته ويعطيان إحساسا نادرا بالامتلاء".

‪تجاوز المرء مخاوفه وتحمله مسؤولية نفسه من أسرار النجاح‬ (مواقع التواصل)
‪تجاوز المرء مخاوفه وتحمله مسؤولية نفسه من أسرار النجاح‬ (مواقع التواصل)

تجاوز مخاوفك واختر تحدياتك
ومثل ستيفاني، يقول اللاعب جان ماكسيميليان غرانييه إن تعبئة الشخص لطاقاته الذاتية ومعرفته بنفسه هما اللتان تدفعانه "لاختيار تحديات على مقاسه" كتسلق الجبال والسباق في أعاليها، موضحا أن "هذه هي التجارب التي يقوم بها في بيئة صعبة لا يمكن الاعتماد فيها إلا على النفس فقط".

وهذا النوع من الشخصيات تحملهم قناعاتهم على المثابرة حتى النهاية، دون أن يفكروا في العاقبة ودون أن يقبلوا التراجع مهما كان الثمن، مثل المصمم البريطاني جيمس دايسون الذي كان مقتنعا أن بإمكانه صناعة مكنسة بدون كيس، واستطاع ذلك بعد تطوير 5127 نموذجا في شركته الخاصة التي تعد الآن واحدة من أنجح الشركات في العالم، على الرغم من الديون ونقص رأس المال في البداية.

تجاوز المنطقة المريحة
وفي مقابلة مع الأستاذ الفخري في كليات علوم التربية بجامعة مونبيلييه دانيال فافر، يصف للصحيفة أنظمة مختلفة من الدوافع التي تقود المرء إلى تكرار الفعل أو تغيير السلوك.

وقال إن هناك أولا دافع الأمان الذي يشجع المرء على البقاء في منطقته المريحة، كرؤية الأصدقاء والاستماع إلى الموسيقى نفسها، والعيش في مكان مولده، لأنها أمور تطمئنه، ولكنه بعد فترة يشعر بعدم وجود تجارب جديدة.

وهناك أيضا دافع الابتكار الذي يقود المرء للسفر إلى الأراضي البعيدة ولقاء من يختلفون عنه، وهو دافع -كما يقول- موجود لدى الطفل من سن الثالثة إلى الرابعة حين يريد استكشاف كل شيء، ولكن لسوء الحظ، غالبا ما يخنق التعليم هذا الدافع ويختفي عند البلوغ، إلا أن من يتحدون أنفسهم يتجدد لديهم هذا الدافع.

‪دافع المغامرة يقود المرء للسفر إلى الأراضي البعيدة ولقاء من يختلفون عنه‬ (الجزيرة)
‪دافع المغامرة يقود المرء للسفر إلى الأراضي البعيدة ولقاء من يختلفون عنه‬ (الجزيرة)

دافع الإدمان يشبه دافع الأمان
وأضاف دانيال فافر أن هناك دافعا ثالثا هو دافع الإدمان الذي يشبه كثيرا دافع الأمان الذي يدفع المرء لتكرار تجربة ما مع نوع معين من المتعة، سواء تمثل ذلك في سلوك مثل العنف أو المخدرات أو الأيديولوجيا، ولكن هذا الدافع يتميز "بطلب المزيد دائما"، ولذلك بعض الذين يتحدون أنفسهم يمكن أن يمسكوا بدافع الإدمان هذا، فهم يريدون المزيد من الأدرينالين والمزيد من المخاطرة والمزيد من الإثارة.

ويعيد فافر أسباب هذا النوع من التحديات إلى مجرد رغبة المرء بتنفيذ أعمال جديدة، أو الرغبة بتحقيق عمل جديد للصالح العام، أو تنفيذا لحلم كان يراود الوالد، أو حتى لملء الفراغ.

وينصح بالترويج لنموذج تعليمي يتعلم الطلاب فيه من أجل متعة التعلم وليس فقط للتحضير للضوابط، كحل التمارين والجواب عن الأسئلة والانتصار في الألعاب.

المصدر : لوفيغارو