لاجئون منسيون في طريق منسية

Migrants waiting for food they receive from the Centre for Humanitarian Aid in the park near the main bus station in Belgrade, Serbia, 07 October 2016. According to reports, hundreds of migrants from Middle East countries that in vain tried to march to Hungary, in order to reach western European countries, have returned to the Serbian captial. Serbian President Nikolic stated that Serbia will also close its borders after the Balkan route was effectively closed.
الحكومة الصربية منعت إطعام اللاجئين وسط بلغراد (رويترز-أرشيف)

سهيل فتى أفغاني نحيف في الـ15 من العمر، وهو واحد من الآلاف اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في صربيا بعد تشييد أسيجة ومراكز مراقبة حدودية على طريق البلقان، ونفذت عمليات ترحيل جماعي. صربيا هي الأخرى تعمل على ترحيل لاجئيها، وهي لا خيار لها في ذلك، لأن دولا مجاورة مثل المجر أغلقت حدودها بوجههم، ولم تعد تسمح إلا بعبور عشرين شخصا فقط يوميا. لم يعد لسهيل أي فرصة للعبور، لا سيما وأن المجر لم تعد تتيح الفرصة إلا للعائلات.

يعيش الفتى الأفغاني مثل مئات الآخرين في مبنى مهجور خلف محطة القطار الرئيسية في بلغراد. داخل المبنى تتجمع القمامة وتفوح منها رائحة كريهة. يقول سهيل الذي يعيش منذ شهر في ذلك المبنى "لا يمكن العيش هنا، لكن هذا هو المتوفر".

الملفت أن سهيل لم يذهب لتسجيل نفسه لدى السلطات حتى يتم تحويله إلى أحد مراكز إيواء اللاجئين وعددها في صربيا 12، وهي تؤوي نحو 7000 شخص. وفي تلك المراكز تتوفر ظروف جيدة عموما للإقامة، فهي دافئة على الأقل وتوجد فيها فرصة للحصول على طعام.

مركز بريزوفو
لكن سهيل قاطعٌ في رفضه الذهاب إلى هناك، حيث تقول الإشاعات إن تلك المراكز مكتظة، وإن هناك مركزا واحدا في بلدة بريزيفو الجنوبية المتاخمة لحدود مقدونيا. يقول الشاب الأفغاني بهذا الصدد إنه سمع عن عمليات ترحيل إلى مقدونيا "تتم هناك، وهذا ما عايشه أصدقاء لي".

وعن المعسكر ذاته يتحدث الناشط الحقوقي رادوس دوروفيتش الذي يعمل في مركز إغاثة طالبي اللجوء ببلغراد، قائلا إن معسكر بريزيفو مؤسسة مغلقة لا يحق للأشخاص المقيمين فيها مغادرتها. ويتابع بغضب "يقال إن الجرب والقمل انتشر داخل المكان. ولكن لا يحق سلب أحد حريته بالتنقل. هذا مخالف للدستور الصربي أيضا. كما أن المعسكرات مليئة عن آخرها والنظافة غير متوفرة، والبيروقراطية كبيرة عندما يتعلق الأمر بإيواء لاجئين".

دوروفيتش هو من القلائل الذين ينتقدون بكل حرية. الكثيرون يشعرون بالخوف، لأن الدولة منعت بداية من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي جميع منظمات الإغاثة من توزيع مواد إغاثة في الشوارع، وإلا فإنها تخاطر بفقدان رخصة دخول مراكز اللاجئين. والحكومة تشدد إجراءات التعامل مع اللاجئين ومنظمات الإغاثة. وحتى في اللغة الرسمية المعتمدة لم تعد تُستخدم كلمة "لاجئ" واستبدلتها  بتعبير "مهاجرين اقتصاديين".

مأوى اللاجئين خلف محطة القطارات في بلغراد دويتشه فيلله)
مأوى اللاجئين خلف محطة القطارات في بلغراد دويتشه فيلله)

يسهر الجيش على مراقبة الحدود مع بلغاريا. ويقول مفوض شؤون اللاجئين الصربي إن "الذين يحاولون العبور يجب تحويلهم إلى مراكز إيواء اللاجئين، ويجب إزالة المخيمات العشوائية". وقال المفوض المذكور أيضا إن "الإخلاء يمكن إجراؤه بسهولة، كما حصل في محطة قطار بودابست وإدوميني أو مخيم كاليه. المهاجرون يجب إبعادهم عن شوارع بلغراد، هذه هي الخطوة الأولى".

نفاق
يرى دوروفيتش في تلك التصريحات "نفاقا خالصا"، ويشير إلى أن هذه السياسة المتشددة تشجع عصابات التهريب، ويضيف أن "هؤلاء تحولوا إلى مؤسسات حقيقية. وحتى بعض الصرب يستغلون الظروف لربح بعض المال بسرعة"، مشددا على استحالة القضاء على شبكات التهريب.

وتفيد جهات عدة بأن المهربين ينشطون أيضا في بلغراد، وأن آلاف اللاجئين جرى إخفاؤهم في العاصمة وهم يقيمون في شقق، لأنهم يملكون بعض المال أو أنهم وجدوا مخبأ بفضل مهربين. ويبدو أن الشرطة تغض النظر عن هذه الممارسات، خاصة وأن بعض اللاجئين يغادر البلاد بفضل المهربين مقابل أسعار تتراوح بين 300 و500 يورو للرحلة مثلا من مقدونيا إلى صربيا.

زشان خان (22 عاما) من بيشاور الباكستانية يريد السفر إلى فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا. وهو يقول إن الموظفين المجريين والكروات يعتقلون اللاجئين و"كلابهم تعض الأصابع والأيادي"، ويؤكد أن أحد أصدقائه اعتقل في كرواتيا وصودر منه ماله وهاتفه المحمول.

في بلغاريا ومقدونيا يترقب الآلاف فرصة العبور إلى صربيا. ويتخوف البعض من أن تتحول دول العبور مثل صربيا إلى بلدان إقامة، لأن العالم يتحوّل، علما أن الملايين من الأشخاص يواصلون البحث عن طريق الهرب.

بين هؤلاء الأفغاني سهيل الذي لا تهمه السياسة، وهو لا يفكر البتة في البقاء في صربيا التي يريد مغادرتها بأي ثمن، ويقول "نريد المغادرة فورا لأن الشتاء على الأبواب".

المصدر : دويتشه فيله