بعد 20 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي.. فرحتان في بيت الأسير الأردني رأفت عسعوس

الأسير رأفت عسعوس تحتضنه والدته عقب تحرره الخميس الماضي- الضفة الغربية- نابلس- بورين- الجزيرة نت6
والدة الأسير رأفت عسعوس تحتضنه عقب تحرره بعد 20 عاما في السجون الإسرائيلية (الجزيرة)

نابلس- لم يكن لقاءً خاطفا ومقيّدا بشروط الزيارة المُهينة والقصيرة هذه المرة، بل كانت فرحة الأسير الأردني رأفت عسعوس (41 عاما) كبيرة بلقاء ذويه ومحبيه لا سيما أمه وخطيبته نجود (34 عاما) التي عدَّت السنين والأيام بانتظار الإفراج عنه.

وبعد 20 عاما من التغييب قسرا في سجونه، أفرج الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير رأفت عسعوس وابن عمه ناظم، وهما من قرية بورين قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، حيث جرى استقبالهما بحفاوة كبيرة، وسط حضور جماهيري واسع.

وبشكل أكبر، أحاطت الفرحة بالأسير رأفت عسعوس وخطيبته نجود أبو غنيم، فهي التي انتظرته أكثر من 7 سنوات، وخرجت لاستقباله بثوبها الأبيض المطرّز، بينما ينتظرهما معا حفل زفاف في آخر أيام العام ليستقبلا السنة الجديدة في بيتهما.

***فقط للاستخدام الداخلي*** الأسير رأفت عسعوس وخطيبته نجود أبو غنيم عقب الافراج عن الاسير رأفت- الصورة من العائلة- الضفة الغربية- نابلس- بورين- الجزيرة نت7
رأفت عسعوس وخطيبته نجود أبو غنيم عقب الإفراج عنه وقد عقد قرانهما خلال أسره قبل 7 سنوات (الجزيرة)

أجمل 3 دقائق أغاظت السجَّان

تعود قصة ارتباط رأفت بنجود إلى 19 يوليو/تموز 2015، حينما تعارفا خلال زيارة الفتاة لشقيقها الأسير، وبعد نحو 3 أشهر أعلنا خطوبتهما ولبسا الخواتم من خلف زجاج الزيارة أيضا.

وعن تلك اللحظة التي أغاظت السجَّان الإسرائيلي فسارع لقطع اللقاء وإغلاق باب السجن، يقول رأفت -للجزيرة نت- إنه لم يكن لقاء عاديا بل قلب موازين حياته وأضاء ظلمة سجنه، وعوضه زيارة الأهل والأحباب التي طالما أعاقها الاحتلال.

وفي حكاية حملت عنوان "أجمل 3 دقائق" ضمها الأسير رأفت إلى كتابه "رحلة في متاهات الأسر"، روى جمال فرحة اللقاء بخطيبته لأول مرة وحزنهما معا بعدما ألقى السجّان الإسرائيلي بيده المثقلة بالسلاح على مقبض غرفة السجن وأغلقها مانعا استمرار الزيارة.

ويضيف رأفت أن السجان لم يطق الفرحة التي عمَّت قاعة سجن النقب عندما زغردت أمهات الأسرى اللواتي كن في زيارة لأبنائهن وغنَّين فرحا بخطوبة رأفت ونجود، "حينئذ اغتاظ السجان، وأغلق الباب معلنا انتهاء الزيارة، فعشنا فعلا أجمل 3 دقائق، شكَّلت وقودا للشعور بالحنان والأمان حتى لحظة الإفراج".

وكانت زيارة نجود لرأفت تعويضا عن زيارة الأهل التي افتقدها، فعائلته تقطن في الأردن التي يحمل جنسيتها إلى جانب جنسيته الفلسطينية، وقيَّد الاحتلال زياراتها له بمرة واحدة سنويا ولوالدته فقط، ولم يزره والده طوال اعتقاله سوى 3 مرات، وكذلك ضيَّق على أشقائه وشقيقاته.

وبحرقة المشتاق لهما، يروي رأفت أن خالته وعمه -وهما في الوقت ذاته والدا زميله في الأسر ناظم-عوَّضاه بعضا من غياب الأهل خلال زيارتهما لابنهم، فكان يُسخِّر كل الأساليب للقائهما، حتى اكتشف أمره فرفض الاحتلال الزيارة بذريعة أنهم ليسوا "أقارب من الدرجة الأولى".

وكان رأفت وابن عمه ناظم قد اعتقلا وهما على مقاعد الدراسة الجامعية، وداخل سجنهما أكملا تحصيلهما الدراسي عن بُعد، لكن ناظم فقد والديه اللذين كانا الأمل والونيس له ولرأفت.

تقاسُم النضال

وخلال زياراتها القليلة له، كانت نجود ورأفت يخططان معا لشراء "بيت العمر"، واستطاعت الفتاة تجهيزه بالكامل خلال سنوات انتظار خطيبها.

وعن تجربتها كفتاة فلسطينية ارتبطت بأسير وانتظرته سنين طويلة، تقول نجود -للجزيرة نت- إن رأفت ضحى بأجمل سنين عمره فداء لوطنه، وتضيف "الأسير ليس نكرة بل حالة وطنية يعيشها الكل الفلسطيني، وكل بيت فلسطيني يناضل بطريقته وكذلك كل فتاة".

وتفتخر نجود، التي انهمكت بالتحضير لحفل الزفاف، بارتباطها بأسير داخل سجنه وانتظاره سنوات، بل قالت إنها تشجع كل فتاة على ذلك، في محاولة للتخفيف من معاناة الأسرى، والتأكيد أنهم جزء أصيل من المجتمع وأن الاعتقال لا ينتقص من شأنهم.

وشكلت خطوبة رأفت من نجود حلقة وصله بالعالم الخارجي، لا سيما بأهله خارج الوطن، وأوكلت إليها مهمات كثيرة، بدءا من الوقوف على احتياجاته داخل الأسر والإشراف على إعداد البيت للزواج ومساعدته بإصدار كتابه الذي تناول فيه سيرة أسره وقضية الأسرى بشكل عام.

ولم يفته تخصيص جزء كبير من الإهداء لخطيبته نجود، "فهي من نقلت النصوص من حيز العتمة إلى حيز النور" كما كتب.

الأسير رأفت عسعوس يمينا وابن عمه ناظم عسعوس بين ذويهما عقب تحررهما الخميس الماضي- الضفة الغربية- نابلس- بورين- الجزيرة نت5
الأسير رأفت عسعوس (يمين) وابن عمه ناظم (وسط) عقب تحررهما (الجزيرة)

الأسرى الأردنيون.. معاناة مزدوجة

وهذا النور قلما يراه الأسرى في سجون الاحتلال، لا سيما الأردنيين على وجه الخصوص، والذين يواجهون مأساة مزدوجة بين الاعتقال لسنين طويلة والحرمان من زيارة ذويهم المقيمين بالأردن.

ويقبع في سجون الاحتلال 17 أسيرا يحملون الجنسية الأردنية، ومعظمهم من أصول فلسطينية كحال رأفت العسعوس. وتتوزع أحكامهم بين سنوات معدودة وبين السجن المفتوح كالأسير عبد الله البرغوثي الذي يواجه حكما بالسجن المؤبد 67 مرة (المؤبد مدى الحياة).

وتتضاعف معاناة الأسرى الأردنيين بعدم السماح لعائلاتهم بزيارتهم إلا نادرا، لدرجة قد لا يسمح فيها للأسير إلا بزيارة واحدة أو اثنتين خلال 20 عاما على سبيل المثال.

ويطالب الأسرى الأردنيون باهتمام أكبر بملفهم من المؤسسات الحقوقية ومن السفارة الأردنية في إسرائيل، وبمتابعة أوضاعهم المعيشية، ففي السابق "كان مندوبو السفارة الأردنية يزورون السجون كل حين وآخر وينسقون لزيارة أهاليهم" حسب قول رأفت.

وفي الأيام الأخيرة لهما من حياة العزوبية ينشغل رأفت ونجود بالترتيبات الأخيرة للزفاف الذي سيكون "طبيعيا" بوصف نجود، إذا تمكنت عائلة رأفت جميعها من الحضور لتكون الفرحة أفراحا؛ بالحرية والزفاف ولقاء العائلة.

المصدر : الجزيرة