الفقد مرتين لا يكفي.. خالدة جرار ترد على الاحتلال: "قوية كجبال وطني"

عاطف دغلس- الاسيرة خالدة جرار خلال الافراج السابق الاخير عنها عام 2019- استهلت الافراج عنها حينها بزيارة قبر والدها الذي كان توفي قبل مدة وجيزة من اطلاق سراحها حينها-الضفة الغربية- نابلس- الجزيرة نت4
خالدة جرار تزور قبر والدها -الذي توفي وهي في الأسر- بمجرد الإفراج عنها عام 2019 (الجزيرة)

"حرموني من وداعكِ بقبلة، أودّعكِ بوردة، فراقكِ موجع، موجع، ولكنّي قوية كقوة جبال وطني الحبيب" بهذا ودَّعت الأسيرة الفلسطينية خالدة جرار (58 عاما) ابنتها سهى في رسالة خرجت من داخل سجنها حيث تقبع مع أكثر من 40 أسيرة فلسطينية.

وقبل يومين، أعلن عن وفاة سهى غسان جرار (31 عاما) ابنة الأسيرة الفلسطينية خالدة جرار القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والأسيرة في سجون الاحتلال، حيث تداعى الكل، من جماهير ومؤسسات حقوقية وأهلية للدعوة لإطلاق سراح الأم لوداع ابنتها والمشاركة في تشييعها.

كانت خالدة "قوية فعلا ومتماسكة" يقول محمود حسان محامي الأسيرة جرار عندما ذهب لسجن الدامون حيث تقبع لينقل لها خبر الوفاة فتفاجأ بأنها قد سمعت به عبر إحدى الإذاعات قبل دقائق من وصوله لها، فتقبلت التعازي بشكل قوي وقالت إن هذا "لن ينال من عزيمتها".

رفض الإفراج

ومنذ اللحظات الأولى التي شاع بها خبر وفاة سهى اقترن الأمر بأمها الأسيرة وخرجت على الفور دعوات من الجبهة الشعبية تطالب بالإفراج الفوري عنها، ثم ما لبثت أن أطلقت حملة "أطلقوا سراح خالدة جرار" والتي تبنتها مؤسسات حقوقية محلية ودولية ولا سيما تلك المعنية بشؤون الأسرى للضغط على الاحتلال من أجل الإفراج عنها.

وجاء في دعوة الحملة أن الأسيرة جرار تقبع بسجون الاحتلال منذ أكثر من نحو عامين وأنه من المفترض أن تنهي حكمها خلال شهرين، مطالبة بالضغط على الاحتلال محليا ودوليا "لإطلاق سراحها لتتمكن من وداع ابنتها وممارسة أبسط حقوقها الإنسانية"، فردت سلطات الاحتلال برفض الإفراج.

وردا على رفض الاحتلال نظمت يوم الاثنين فعاليات أمام سجن عوفر قرب رام الله جوبهت بقمع الاحتلال، وأخرى عند سجن الدامون داخل إسرائيل وثالثة أمام مقر اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، فيما نظمت فعاليات أخرى أطلقت أمس بمدن مختلفة من الضفة الغربية لاستمرار الضغط والإفراج عن الأسيرة جرار.

وفي مدينة رام الله شيعت جماهير غفيرة بينها شخصيات وطنية وسياسية، بعد ظهر الثلاثاء، جثمان الراحلة سهى جرار الذي لف بالعلم الفلسطيني إلى مقبرة "بيتونيا" قرب المدينة وسط حالة من الحزن والمطالبة بإطلاق سراح والدتها.

حملة مستمرة

ولم تنته أو تتوقف حملة المطالبة بإطلاق الأسيرة خالدة جرار بدفن ابنتها، وتقول سحر فرنسيس محامية ومديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير إن الحملة ليست مرتبطة بالسماح بحضور الجنازة فقط وإنما تسير وفق مستويين، أحدهما المشاركة بالجنازة وهذا رفضته مصلحة السجون الإسرائيلية وادّعت أنّ الأسيرة خالدة تُشكّل خطرا داخل السجن وخارجه.

ولذلك فهي لا تستوفي الشروط التي تسمح لها بالخروج في إجازاتٍ خاصّة حسب أوامر مصلحة السجون المعدّلة لعام 1971، وإنّما اكتفوا وكـ"بادرة إنسانية" بمنحها مكالمة هاتفية مع زوجها مساء الاثنين.

وهناك مستوى آخر وفق مديرة مؤسسة الضمير يتعلق بالطلب من القائد العسكري الإسرائيلي أن يتدخل ووفق الأوامر العسكرية المسموح بها بتحديد مدة عقوبة الأسيرة جرار المحكومة بالسجن 24 شهرا لإعفائها مما تبقى لها من الحكم المقدر بأقل من 3 أشهر "وهذا لم يرد الاحتلال عليه بعد"، ويتطلب استمرار الضغوط لإطلاق سراحها.

وقالت سحر فرنسيس إن خالدة ليست الحالة الوحيدة التي يرفض الاحتلال الإفراج عنها للمشاركة بالجنازة، ويتذرع عادة بعدم قدرته على ضبط الوضع خلال التشييع بفعل المواجهات والحقيقة أن ذلك "قهر وعقاب جماعي للفلسطينيين".

ووصفت "الفقد" للأسير أو الأسيرة بأنه صعب للغاية خاصة إذا تعلق الأمر بخالدة جرار التي جرَّبت الفقد مسبقا بوفاة والدها خلال اعتقالها الأخير عام 2019.

قدورة فارس-رئيس نادي الأسير الفلسطيني
قدورة فارس: الاحتلال برفضه الإفراج عن الأسيرة خالدة جرار لتوديع ابنتها يعبر عن انحطاط إنساني (الجزيرة)

وكان رئيس نادي الأسير الفلسطيني، قدورة فارس، قد قال إن الاحتلال برفضه الإفراج عن الأسيرة خالدة جرار يعبر عن مستوى "الانحطاط الإنساني" الذي يمارسه ضد الفلسطينيين وبشكل ممنهج.

وأضاف في بيان وصل الجزيرة نت أن حرمان الاحتلال للأسرى من حقّهم الإنساني في وداع أهاليهم هو نهج ثابت، وأن غالبية من اعتقلوا فقدوا فردا أو أكثر من عائلاتهم ولم يتمكّنوا من المشاركة في مراسم العزاء.

رغم المصاب

ومثل جرار عاش الأسير الفلسطيني المحرر نضال دغلس الفقد مرتين بوفاة والدته عام 2004 ووالده عام 2015، وعاشه -كما يقول- "مرات عديدة بفقد أبناء مجموعتي الذين استشهدوا واحدا تلو الآخر".

ويضيف دغلس الذي أفرج عنه منذ أشهر بعد 19 عاما من الاعتقال للجزيرة نت إنه فقد والدته ولم يكن قد رآها إلا مرة واحدة داخل قاعة المحكمة ولدقيقتين فقط، ثم ما لبث أن ودَّع والده "وفي كلتا الحالتين أنا من كنت أبلغ رفاقي الأسرى بالخبر وأدعوهم وبرباطة جأش لمواساتي".

والأسير، بحسب دغلس، يختلف عمن هو بالخارج الذي يعيش الحزن مرة واحدة، أما الأسير فهو يعيشها باستمرار ودائم التفكير به، ورغم ذلك عليه ألا ينكسر أو يضعف خاصة أمام عائلته التي تحملت غيابه وعانت معه أسره.

وداخل السجن، يطالب الأسير أكثر برباطة الجأش أمام عدوه وألا يحول الفقد إلى مأساة وأن يصبر نفسه بضرورة الانتصار على هذا العدو، قائلا إن المطلوب من الأسيرة خالدة جرار ولكونها قيادية أيضا أن "تحتفظ بمشاعرها لنفسها رغم مرارة الواقع، وأن تخفف عن محيطها في السجن".

المصدر : الجزيرة