ذوو الأسيرين السايح وأبو دياك.. معاناة ما قبل الوداع


عاطف دغلس-جنين

بيد تحمل كيسا بلاستيكيا وضعت داخله صور ابنيها الأسيرين سامي وسامر، وبالأخرى تمسك آمنة بزوجها عاهد وهما يجوبان شوارع مدينة جنين (شمال الضفة الغربية) متنقلين بين المؤسسات الحقوقية أو تلك التي تعنى بشؤون الأسرى، لإيصال آهات ابنيهما المعتقلين أو يخففان معاناتهما.

في الأشهر القليلة الماضية، ضجت وسائل الإعلام والمؤسسات المكلفة بمتابعة شؤون الأسرى، ولا تزال، بقصة الأسيرين المريضين سامي أبو دياك من مدينة جنين والأسير بسام السايح من مدينة نابلس، ولا يمر يوم إلا وتحذر فيه تلك الجهات من تدهور حالتهما الصحية ووصولها لمرحلة الخطورة البالغة.

لكن هذا الخوف والقلق كان أشد وقعا على حياة أهالي الأسيرين، لا سيما آمنة أبو دياك والدة الأسير سامي (36 عاما)، الذي ينهش سرطان الأمعاء جسده ويذيبه شيئا فشيئا حتى بات لا يقوى على الحركة، ويُنقل محمولا على أكتاف زملائه الأسرى ليقضي أبسط احتياجاته.

مثل هذه الأخبار تقلق أم سامي (53 عاما) وتبقي بالها دائم التفكير في مصير نجلها الذي فقد من وزنه نحو ستين كيلوغراما، ووصل للموت مرات عديدة، لدرجة صارت تخاف مع أي اتصال هاتفي ومن كل طارق على باب منزلها من فاجعة تتوقعها في كل حين.

وحيث التقينا أم سامي بنادي الأسير بمدينة جنين، كانت تتأهب لزيارة نجلها في مشفى سجن الرملة، حيث يقبع هو و17 من الأسرى المصابين بأمراض شتى، تجعل منهم مقيمين بشكل دائم هناك، في ما يشبه "مقبرة الأحياء" كما تصفه هي، حيث لا يتلقى الأسرى حقهم في العلاج، ولا يُعطى ذووهم حق زيارتهم وتحسس آلامهم عن قرب.

والدة الأسير سامي أبو دياك تحتضنه في داخل سجنه في زيارة سابقة (الجزيرة)
والدة الأسير سامي أبو دياك تحتضنه في داخل سجنه في زيارة سابقة (الجزيرة)
وقع الموت

تحدثنا السيدة الموجوعة وهي تحاول مداراة دموعها التي أخذت طريقا لها فوق وجنتيها؛ إنها تذهب للزيارة هذه المرة والخوف يأسرها من كل جانب، لا سيما في ظل توارد أخبار من السجن تشير إلى تراجع حالة سامي "بشكل كبير"، وأن خبر استشهاده بات قاب قوسين أو أدنى.

تقول إنه يأتيها خلال الزيارة في حالة سيئة للغاية، وهو مسنود من الأسرى رفاقه وشقيقه سامر، الذي خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام لأيام طويلة، وعُزل داخل سجنه ليتم نقله قرب شقيقه المريض ليقوم برعايته، وتقول "كل تلك الحالة تزيد ألمي وتقهرني أكثر، فأنا لا أملك أن أغير شيئا في حياته أو أخفف عنه مرضه".

وحتى يتمكن سامي من رؤية والدته يُحقن بإبر مخدرة، ويوضع على ظهره لاصق طبي ليساعده على الجلوس ولو نصف ساعة، هي مدة الزيارة، ويوجعه أكثر أن هذه الزيارة ورغم مرضه تكون من وراء شبك حديدي وجدار زجاجي ودون أن تضمه لحضنها، وكل هذا يزيد همها رغم انتظارها موعد الزيارة واحتساب موعدها بالأيام والساعات.

يقول مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية (حريات) إن مئات الأسرى الفلسطينيين يعانون من أمراض مختلفة، بينهم مئة حالة خطيرة ومزمنة كالسرطان بأنواعه المختلفة، والقلب، إضافة إلى حالات الإعاقة والشلل، وإن 18 سجينا يقبعون بشكل دائم في "مشفى سجن الرملة"، ويواجهون أمراضا خطرة وحرجة، ومعرضون للاستشهاد في أي لحظة.

‪شفاء السايح والدة الأسير بسام السايح تحمل صورته وصورة شقيقه أمجد‬ 
شفاء السايح والدة الأسير بسام السايح تحمل صورته وصورة شقيقه أمجد (الجزيرة)
‪شفاء السايح والدة الأسير بسام السايح تحمل صورته وصورة شقيقه أمجد‬
شفاء السايح والدة الأسير بسام السايح تحمل صورته وصورة شقيقه أمجد (الجزيرة)

معاناة مزدوجة
واحد من أولئك الأسرى بسام السايح (46 عاما) الذي يدخل عامه الخامس والأمراض تتغلغل بجسده، لا سيما السرطان والضعف الكبير في عضلة القلب، حيث وصل هو والأسير أبو دياك لحافة الموت مرات عدة.

في منزل بسام بمنطقة شارع عشرة بمدينة نابلس تحيط عائلته من أشقائه وشقيقاته بوالدته الحاجة الثمانينية شفاء السايح (أم خالد)، ويحاولون طمأنتها بإخفاء أي معلومة عن وضعه الصحي، ففوق استفحال السرطان بجسده انخفض عمل عضلة القلب لـ15% وتجمعت السوائل فوق رئته.

يقول نجلها خلدون للجزيرة نت إنهم في وضع لا يحسدون عليه، إذ توقفوا عن أعمالهم وانشغلوا بشقيقه بسام وحالته الصحية ووالدته في الوقت نفسه، فهي تعاني من تجلطات سابقة، وأي خبر سيئ سيزيد حالتها سوءا، خاصة أنها دائمة السؤال عن بسام وشقيقه الأسير الآخر أمجد، "ولا يوجد لغيرهما ذكر على لسانها".

ويحرص خلدون على البقاء دوما في المنزل تجنبا لقدوم الصحفيين وإجراء أي لقاء مع والدته، ويرفض الخروج عبر وسائل الإعلام والحديث علنا عن حالة شقيقه، ويقول "أرجأنا إخبارها باستمرارِ فعالية تصريح الزيارة الخاص بها للسجن، كي لا تطلب زيارته، فهو منذ أيام نقل لمشفى آخر داخل إسرائيل بعد تدهور أكبر طرأ على صحته".

والد الأسير سامي أبو دياك ووالدته يحملان وصوره ويتوقعان استشهاده بأي لحظة  (الجزيرة)
والد الأسير سامي أبو دياك ووالدته يحملان وصوره ويتوقعان استشهاده بأي لحظة  (الجزيرة)

توصية بالإفراج، ولكن!
هذا الوضع الصحي الخطير يعرفه علي أبو خضر رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين بمدينة جنين جيدا، فنجله الأسير أحمد أبو خضر والمحكوم بالسجن المؤبد 11 مرة يعد ممثل الأسرى "بمشفى سجن الرملة"، حيث ينقل أبو خضر أن وضع الأسيرين السايح وأبو دياك يعد الأكثر سوءا.

ويقول للجزيرة نت إن لجنة أمنية تابعة لمصلحة السجون الإسرائيلية وأخرى طبية أوصتا بضرورة الإفراج عن الأسيرين السايح وأبو دياك لأنه "لا فائدة من استمرار اعتقالهما"، إلا أن المخابرات الإسرائيلية تتعنت في ذلك، بل تفرض عليهما مزيدا من القيود خلال نقلهما للعلاج وخلال الزيارات أيضا.

في الزيارة الأخيرة لسامي أيقنت والدته أنه في أيامه الأخيرة، فهو نائم طول الوقت وجسمه لم يعد يتقبل العلاج، إلا أنها ترفض موته بعيدا عن حضنها، وهو ما يتمناه أيضا، وهو الأمل الذي تعيشه عائلة السايح بقرب لقاء بابنها وشفائه أو استشهاده في كنفها.

المصدر : الجزيرة