المنع من السفر.. عندما يقايض الاحتلال حقوق الإنسان بالعمالة
سامر علاوي-الحدود الأردنية الفلسطينية
وأثناء انتظاره في نقطة تفتيش "اليهود" -كما يعرفها الفلسطينيون- لعبور جسر الملك حسين على نهر الأردن تُذكّر تنهداته العميقة بقصيدة "آهات على شباك التصاريح" للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان بعد أن سلم هويته إلى شباك التصاريح وطلب منه الضابط الإسرائيلي الانتظار على الكراسي.
ورد حذيفة بعد زفير وشهيق عميقين على سؤال للجزيرة نت عن الحل الممكن لمشكلة زواجه العالق بالقول "ننتظر فرج الله فقط"، معبرا عن ضيق أمله بعد تكرار إعادته من قبل سلطات الاحتلال بذريعة المنع من السفر، بينما كان إلى جواره سعيد بلال شريكه في محل لبيع الأحذية النسائية في نابلس الذي ينتظر رد جهاز مخابرات الشاباك بالمنع أو السماح بالسفر.
مصيدة الشاباك
حاول حذيفة وسعيد تسلية نفسيهما بالحديث مع طفل ينتظر مع أسرته رد الشاباك وقالا مداعبين له "لا تشاغب حتى لا توقف هنا مثلنا عندما تكبر"، غير أن جنديا إسرائيليا قطع الحديث بين الشابين والطفل ليخبرهما بأن عليهما العودة ومراجعة مكتب الارتباط الإسرائيلي الذي أقيم بعد اتفاقية أوسلو لتنسيق العلاقة بين الفلسطينيين والاحتلال.
ويقول حذيفة (25 عاما) وسعيد (28 عاما) للجزيرة نت إن مخابرات الاحتلال تعلل سبب المنع من السفر باعتقالات سابقة تعرضا لها، فقد اعتقل حذيفة أول مرة بتهمة إلقاء حجارة على قوات الاحتلال عندما كان في المدرسة، ثم اعتقل اعتقالا إداريا دون تهمة أو محاكمة، في حين أفرج عن سعيد قبل خمس سنوات بعد إدانته بتهمة أنشطة مناهضة للاحتلال حالت دون إكماله دراسته الجامعية.
ويؤكد الشابان أن الحرمان من السفر شمل جميع أفراد عائلتيهما باستثناء الأطفال وكبار السن الذين تتجاوز أعمارهم خمسين عاما، وأن سلطات الاحتلال أخبرتهما مرارا كل على انفراد بأن لا حل لمشكلة منعهما من السفر إلا بالتعاون مع المخابرات الإسرائيلية أو تركها للزمن حيث تقرر هي حسن سلوكهما.
ويعتبر الشابان أن مجرد التفكير في عروض الاحتلال بالتعاون مقابل تسهيلات السفر خيانة للوطن والدين والقيم الأخلاقية، ويشيران إلى أن عرض التعاون لا يقتصر عليهما بل هي حالات متكررة تكاد تعرض على جميع مراجعي مكاتب الارتباط الإسرائيلية، ولا سيما الممنوعين من السفر ومن لديهم احتياجات ملحة.
وأوضح سعيد أن سماح سلطات الاحتلال لبعض المعتقلين السابقين بالسفر يأتي ضمن سياسة تهدف إلى تنفيس الاحتقان من ناحية، ودفع الناس إلى الشعور بخسارة بعض الامتيازات المهمة في حال رفضهم الاحتلال بأي شكل من الأشكال.
حقوق الإنسان
يؤكد الشابان في حديثهما للجزيرة نت في صالة الانتظار أنهما لم يتوانيا عن طرق الوسائل الممكنة لحذف اسميهما من قائمة الممنوعين من السفر برفع قضية أمام المحاكم الإسرائيلية واللجوء إلى منظمات حقوق الإنسان لمساعدتهما، غير أن جميع محاولاتهما باءت بالفشل.
ويضيف سعيد أن السفر هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان بغض النظر عن طبيعة الجهة الحاكمة، وهو ما جعلهما يلجآن إلى منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية مثل مؤسسة سانتيف (جمعية مسيحية مقرها في بيت لحم) ومؤسسة هاموكيد الإسرائيلية، بينما يريان أن السلطة الفلسطينية تقف عاجزة أمام معالجة منع السفر الذي تعزوه سلطات الاحتلال لأسباب أمنية.
ولم يكن بوسع حذيفة رد عرض والدته بالزواج من قريبته التي تعيش في الأردن، وكان يعتقد أنه سوف يتمكن من العيش مع عروسه في أي مكان داخل فلسطين أو خارجها بحكم طبيعة عمله في تجارة الأحذية، غير أنه يصر على أن عروض الاحتلال مرفوضة مقابل السماح له بإتمام إجراءات الزواج من خلال السماح له بالسفر.
أما سعيد فيقول إنه كان يطمح إلى تطوير تجارته وإنهاء دراسته، وأنه مستعد لتحمل ضياع حقوقه الإنسانية مقابل ألا يرضخ لضغوط الاحتلال المهينة التي تقايض حقوقه بالخيانة والعمالة.