تحديا "للإعدام".. أسرى فلسطينيون يتحولون إلى أطباء

عاطف دغلس - عاطف دغلس-الأسير سامي ابو دياك يعاني منذ سنوات من مرض السرطان وشقيقه الاسير سامر يقوم على رعايته داخل مشفى سجن - تحديا "للإعدام"..الأسرى الفلسطينيون يطببون أنفسهم
الأسير سامي أبو دياك يعاني من مرض السرطان وشقيقه سامر يقوم على رعايته ( الجزيرة)

عاطف دغلس-نابلس

حضرت أدوات العملية الجراحية شفرة حلاقة ومقصات أظافر ومشبك وملقط وعلبة التعقيم، وغاب الطبيب المختص ليقوم بمهمته ويقدم العلاج لأسير فلسطيني يشتكي من آلام يعانيها منذ اعتقله جنود الاحتلال قبل ثلاث سنوات.

وسجلت الأيام القليلة الماضية حالتين على الأقل في علاج الأسرى لأنفسهم وإجراء عمليات جراحية، متحدين صلف السجَّان الإسرائيلي وتعنته بتقديم الرعاية الصحية.

ولم يتحمل الأسير طالب مخامرة المحكوم بالسجن المؤبد سبع مرات وجع ابن شقيقه الأسير خالد مخامرة ومماطلة الاحتلال في معالجته، فأجرى له عملية جراحية لاستخراج شظايا رصاص كانت تفتك به في مرحلتين متتاليتين.

وتمت العملية في سجن نفحة الصحراوي، وبذل فيها العم قصارى جهده بتطبيب ابن شقيقه سعيا لمساعدته -ولو نسبيا- فجسمه مليء بشظايا الرصاص التي أصيب بها بعد تنفيذه مع ابن عمه محمد مخامرة عملية فدائية بمركز تجاري وسط مدينة تل أبيب في يونيو/حزيران 2016.

مخامرة يحمل صورة ولده الأسير خالد الذي يحتاج رعاية طبية لإزالة شظايا رصاص بجسده (الجزيرة)
مخامرة يحمل صورة ولده الأسير خالد الذي يحتاج رعاية طبية لإزالة شظايا رصاص بجسده (الجزيرة)

وجرت العملية دون أن تعلم بها عائلة الأسير خالد التي زارته للمرة الأخيرة في فبراير/شباط الماضي حيث كان وقتها يشتكي من آلام تعيق حركته.

ورغم صعوبتها وخطورتها تحمَّل الأسير آلام العمليات الجراحية لاستخراج جزء من شظايا رصاص تملأ جسده حتى ينتزعها بالكامل، واضطر إلى التعود على تحمل وجعها الذي يبدو أنه أقرب إليه من استجابة الاحتلال لطلب علاجه.

إهمال
يقول محمد مخامرة والد الأسير خالد (52 عاما) إن الاحتلال لم يعالج ابنه وفق المطلوب عقب إصابته بل عزله داخل زنزانة انفرادية، وما تزال شظايا الرصاص منتشرة بأجزاء من جسمه.

ويحرم الاحتلال والد الأسير وعائلته من زيارته بصفة دورية بداعي "الرفض الأمني" ويضطر إلى معرفة أخبار نجله من أهالي الأسرى الذين يزورون أبناءهم خاصة بعدما قام السجانون بحبسه انفراديا بعد العملية، غير أن مشاعر الخوف على صحة ابنه تنتابه ويراقب تبعات العملية ومخاطرها بسبب إجرائها على يد طبيب غير مختص.

وتمكن الأسير محمد مغالسة (17عاما) من مخيم الفوار بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية -على غرار مخامرة- من إزالة تقويم أسنانه بمساعدة رفاق له داخل معتقل عوفر العسكري بعد رفض سلطات الاحتلال معالجته.

ويقول نادي الأسير الفلسطيني إن مغالسة توجه لعيادة السجن منذ لحظة اعتقاله أواخر فبراير/شباط الماضي بعد أن تفاقمت التقرحات والالتهابات بفمه ومحيط أسنانه، لكن دون جدوى مما دفعه لإجراء العملية بنفسه.

فعالية تضامنية وسط نابلس ضد سياسة الاحتلال في إهمال الأسرى (الجزيرة)
فعالية تضامنية وسط نابلس ضد سياسة الاحتلال في إهمال الأسرى (الجزيرة)

تنكيل
لم تتوان إدارات السجون -حسب نادي الأسير- عن استخدام العلاج أداة للتنكيل بالأسرى المرضى دون أدنى اعتبار لحقهم بالعلاج.

تقول مسؤولة الإعلام بالنادي أماني سراحنة للجزيرة نت إنه لا يسمح لأي جهة طبية كانت دولية أو فلسطينية بالدخول للسجون وإجراء الفحوص الطبية للأسرى إلا لحالات مستعصية ومحددة، وبعد موافقة إسرائيلية وبفترات زمنية قد تصل مرة كل عام أو عامين.

ويفيد مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية (حريات)أن أكثر من سبعمئة أسير يعاني أمراضا مختلفة بينهم مئة حالة خطيرة ومزمنة كالسرطان بأنواعه المختلفة والقلب إضافة لحالات الإعاقة والشلل، وأن هناك 16 سجينا يقبعون بشكل دائم في "مشفى سجن الرملة" يواجهون أمراضا خطرة وحرجة.

وكشف مدير مركز "حريات" ومسؤول ملف الأسرى المرضى حلمي الأعرج عن قيام أسرى بدور "الممرضين" وبتطبيب ومعالجة معتقلين آخرين، كما هو حال الأسير سامر أبو دياك الذي يقوم منذ سنوات بتطبيب شقيقه سامي المصاب بالسرطان بمشفى سجن الرملة إلى جانب قيامه مع أسير آخر برعاية بقية الأسرى المرضى هناك.

رسم توضيحي لطريقة تعذيب الأسرى داخل السجون (الجزيرة)
رسم توضيحي لطريقة تعذيب الأسرى داخل السجون (الجزيرة)

إعدام
يضيف الأعرج أن إسرائيل تعمل عبر "سياسة الإهمال الطبي" على قتل الأسرى ببطء، وأنها تنفذ عقوبة الإعدام الممنوعة بالقانون الإسرائيلي بطرق مختلفة وأنها تسببت في وفاة 62 أسيرا منذ عام 1967 بإهمالها الأسرى طبيا، وأنها أعدمت عشرات الأسرى لحظة اعتقالهم.

ولا تستجيب إسرائيل لنداءات علاج الأسرى رغم الاتفاقيات الدولية كاتفاقية جنيف الرابعة وقرارات مؤسسات حقوقية تلزم الدول المحتلة بذلك، ولا تسمح بدخول أطباء من الخارج لمعاينة المرضى "إلا لحالات معينة وحرجة ووسط إجراءات أمنية معقدة".

واعترفت تل أبيب علنا وعبر جهات رسمية فيها -كوزارة الصحة وأعضاء بالكنيست-  بقيامها بأكثر من ألف تجربة للأدوية على الأسرى سنويا، وهو ما يرتقي وفق الأعرج لجرائم حرب.

المصدر : الجزيرة