الصحفيون في تونس.. النقابة تدعم الأقلام الجائعة في حربها ضد التفقير

صفحة النقابة - مسيرة دعم للصحفيين في العالم من فعاليات مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين الذي ينتظم في تونس -
مسيرة دعم للصحفيين في العالم ضمن فعاليات مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين الذي ينتظم في تونس (صفحة النقابة)

بدر الدين الوهيبي-تونس

 

مع صدور التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين للفترة الممتدة من مايو/أيار 2018 إلى مايو/أيار 2019 الذي تضمّن تجاوزات عدة في حق الصحفيين في تونس، بات واضحا حجم التركة الثقيلة التي خلفتها دكتاتورية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والسياسة التي تبناها لتركيع الأقلام وتكميم وتدجين الأفواه.

أرقام مفزعة تتحدث عن تجويع وتهميش ممنهج تتبعه المؤسسات الإعلامية في تونس تجعل من الصحفيين الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة في المشهد الإعلامي للبلاد الذي بات محل تجاذبات عدة تضع تحت المجهر أهدافه وخطه التحريري وتقحمه في دوامة العمل السياسي المقنع أحيانا، مما دفع النقابة لتحركات عاجلة.

عقود عمل هشة
تشير إحصائيات النقابة الوطنية للصحفيين في تونس للسنة المنقضية إلى تسجيل أكثر من 150 حالة فردية لطرد صحفيين وإيقافهم عن العمل.

وتعود هذه الإجراءات التعسفية التي تتخذها بعض المؤسسات الإعلامية في غالب الأحيان إلى انقضاء فترة التدريب التي يجبر المشغّل إثرها قانونيا على انتدابهم.

ومن المراوغات التي يعمد رؤساء المؤسسات الإعلامية إلى اتباعها هي إيقاف الصحفيين المنتدبين "شفويا" مع وعود بتسوية وضعياتهم وذلك بصورة مباغتة عن العمل لمجرد مطالبتهم بوثيقة تثبت تعاونهم مع هذه المؤسسات، حتى لا يتسنى لهم الحصول على بطاقة صحفي محترف.

وتكون عمليات الطرد والتخلي عن الصحفيين أيضا بشكل جماعي، إذ عمدت العديد من الإذاعات إلى تسريح العشرات من الصحفيين الذين تحملوا أخطاء التسيير والتصرف، وفي جل الحالات الإشكاليات التي تظهر بين رؤوس الأموال مما يترتب عليه انسحاب بعضهم وبالتالي سحب تراخيص البث والنشاط.

‪جانب من افتتاح مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين المقام في تونس‬ (الجزيرة)
‪جانب من افتتاح مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين المقام في تونس‬ (الجزيرة)

معضلة الأجور
يعد صرف أجور الصحفيين من أبرز الإشكاليات التي ذكرتها إحصائيات النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، إذ يشير إلى تسجيل أكثر من 400 حالة إعلام بعدم تسلم المستحقات المالية لصحفيين من مايو/أيار 2018 إلى مايو/أيار 2019، وتشمل صنفين من الحالات.

صنف أول من المديرين ورؤساء المؤسسات يعمد إلى المباعدة بين فترات تحويل الأجور التي تصل في بعض الأحيان من 4 إلى 6 أشهر، تليها عملية خلاص على دفعات متفاوتة تجبر الصحفي في بعض الحالات على عدم ترك العمل نظرا لتراكم أجوره نظريا، و في أحيان أخرى ينسحب دون الحصول على مستحقاته.

ويشمل الصنف الثاني المؤسسات الإعلامية التي تمتنع عن تحويل مستحقات صحفييها، متعذرة بعدم وجود المداخيل الكافية لتغطية الأجور وتنتهج منهج التسويف والمماطلة والتهديد بالإغلاق لتكميم الأفواه ودفع الصحفيين في أغلب الأحيان إلى التخلي عن حقوقهم المالية.

تفاوض وقضاء
يقول عبد الباسط الفريضي عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين التونسيين للجزيرة نت إن النقابة أجرت هذه السنة ما يفوق 100 جلسة تفاوضية مع مؤسسات إعلامية خاصة تناولت تجاوزات بحق الصحفيين العاملين بها في مجالات مختلفة كالأجور والمستحقات المالية وعقود الشغل الهشة.

ويضيف أن التجاوزات تشمل أيضا بعض المؤسسات الإعلامية العمومية التي تعمد إلى عدم تمكين بعض صحفييها من الترقيات التي يكفلها لهم القانون مما استدعى تدخّل النقابة للدفع نحو فك هذا الحصار الإداري التعسفي الذي يمس معنويات الصحفي وينتهك حقوقه المالية والاجتماعية المشروعة.

ويذكر عبد الباسط الفريضي أن محاولات تركيع الصحفيين وإرغامهم على الرجوع إلى مربع الطاعة بات أمرا غير مقبول في تونس، وأنه رغم المماطلات ومحاولات عرقلة إصدار الاتفاقية المشتركة للصحفيين في تونس من طرف الحكومة وجهات نافذة، فقد نجحت النقابة في الحصول على تفعيل رسمي وقانوني بالاتفاقية.

ويضيف أن النقابة لمست تحسنا لافتا في التعامل مع الصحفيين منذ إمضاء وإصدار الاتفاقية الإطارية للصحفيين، وأن التزام الأطراف الموقعة عليها كفيل بكبح جماح الأرقام المفزعة التي ترصد تجاوزات في حق صحفيي تونس من ناحية عقود العمل أو صرف الأجور، في انتظار إحصائيات جديدة تؤكد ذلك.

‪النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تعمل حاليا على مشروع اتفاقية جديدة تدعم الصحفيين‬ (الجزيرة)
‪النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تعمل حاليا على مشروع اتفاقية جديدة تدعم الصحفيين‬ (الجزيرة)

مولود جديد
وتعمل النقابة الوطنية للصحفيين حاليا على مشروع اتفاقية جديد، هو الاتفاقية القطاعية التي ستأخذ بعين الاعتبار خصوصيات العمل الصحفي في المجال المقروء والسمعي والسمعي البصري، وذلك من أجل دعم وإسناد الصحفيين بشكل أكثر إلماما بتفاصيل عملهم في مختلف مجالات الصحافة، مولود جديد منتظر مطلع السنة القادمة حسب التصريح الذي خص به الفريضي الجزيرة نت.

 سنة مميزة
وتتقدم تونس بـ 25 نقطة في ترتيب التصنيف العالمي لحرية الصحافة، إضافة إلى تنظيم النقابة الوطنية للصحفيين من11 إلى 14 يونيو/حزيران الجاري لأكبر تجمّع للصحفيين في العالم بحضور أكثر من ستمئة صحفي و187 نقابة وجمعية صحفية من 140 دولة وذلك لأول مرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويعدّ ذلك أحد إنجازات النقابة إضافة إلى تفعيل للاتفاقية الإطارية المشتركة للصحفيين التي كانت حلما بالنسبة لإعلاميي تونس.

ويقول نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري للجزيرة نت إن مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين يناقش القضايا المشتركة للصحفيين التي تهم خاصة الاعتداءات التي تطالهم، وقتلهم وسلامتهم في مختلف الدول، لكنه أيضا يمثل دعما ورسالة واضحة المعالم لأصحاب القرار في تونس بضرورة مواصلة مسار الإصلاحات وعدم التراجع عن المكتسبات التي تحققت للصحافة في تونس.

المصدر : الجزيرة