"التدوير".. كابوس يحطم آمال معتقلي مصر في الحرية

midan - رئيسية الشرطة
(رويترز)
عبد الرحمن محمد-الجزيرة نت

لم تنجح محاولات الشاب ربيع صابر الحثيثة في أن يبث روح الاستبشار إلى أخيه المعتقل وهو ينقل إليه آمال محاميه المرتفعة في أن يحصل على إخلاء سبيل خلال الأيام المقبلة، بعد نحو عامين من الاعتقال، مكتفيا بالرد "حتى الأمل.. قتلوه فينا".

يحكي ربيع (اسم مستعار) -لمراسل الجزيرة نت- كيف أن شقيقه مجدي (اسم مستعار) المعروف بتفاؤله الشديد وروحه المرحة ظل منذ مرور عام على اعتقاله متمسكا بأمل الحصول على إخلاء سبيل في أي لحظة، ومعولا على أن حظوظه سترتفع بنسبة كبيرة في حال مرور الحد الأقصى لفترة الاعتقال الاحتياطي، وهي عامين.

غير أنه ومع اقتراب مرور عامين، تحولت آماله إلى مخاوف تزايدت حتى سيطرت عليه بشكل كامل وبددت القدر الأكبر من أمله في الخروج، بعد أن تتابعت أخبار إعادة اعتقال الكثير من السجناء بعد قرارات بإخلاء سبيلهم أو انتهاء فترات محكومياتهم، بما بات يعرف باسم "تدوير القضايا" للمعتقلين.

ينقل ربيع عن شقيقه المعتقل كيف أن هذه الروح باتت مسيطرة على أغلب من في السجون، ولم تعد تفرق بين سجين مشهور أو غيره، حيث اصطلى مختلف أصناف المعتقلين بنيران "التدوير" دون تفرقة أو إعفاء أحد.

و"التدوير" كما أوضحته المفوضية المصرية للحقوق والحريات -في إطار تدشينها حملة للتعريف به وأبرز من تعرضوا له- يتم بطريقتين، الأولى من خلال إخلاء سبيل نشطاء لأسابيع أو شهور، ثم اعتقالهم مجددا في قضايا جديدة ولكن بنفس الاتهامات القديمة.

أما الطريقة الثانية فتتم من خلال صدور قرارات بإخلاء سبيل معتقلين، دون أن يتم ذلك الإخلاء فعليا، حيث يختفي المتهم فترة داخل مقرات جهاز الأمن الوطني أو أحد أقسام الشرطة، ثم يظهر مجددا في قضية جديدة، بذات الاتهامات تقريبا وربما تغيرت قليلا، إلا أنها في ذات الإطار.

وممن تعرضوا لأداة "تدوير القضايا" الصحفي بشبكة الجزيرة محمود حسين الذي تم إيقافه في 20 ديسمبر/كانون الأول 2016، وبعد قرابة عامين ونصف العام من الاعتقال حصل على إخلاء سبيل بتدابير احترازية في 21 مايو/أيار الماضي، إلا أن قوات الأمن أعادته إلى سجن طرة حيث وُجهت إليه تهم جديدة.

لم يسلم أحد
وحسب حقوقيين، فإن "تدوير القضايا" بات أحدث أساليب وأدوات النظام القائم لقمع المعارضين السياسيين وانتهاك حقوقهم المختلفة، والذي تزايد استخدامه بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية، ولم يسلم منه السياسيون والصحفيون والحقوقيون والنشطاء.

وأطلقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات الأربعاء الماضي حملة (لا زالت مستمرة) لتسليط الضوء والتعريف بمعتقلين تعرضوا خلال الفترة الماضية لأداة "تدوير القضايا" على يد الأمن الوطني.

ومن أبرز من استعرضت المنظمة الحقوقية قصص تعرضهم لهذه الأداة محمد القصاص نائب رئيس حزب "مصر القوية" والقيادي بحزب الدستور شادي الغزالي حرب، ورئيس تحرير موقع "مصر العربية" الصحفي عادل صبري، ورئيس رابطة أهالي المختفين قسريا إبراهيم متولي، والناشط السياسي علاء عبد الفتاح.

وفي هذا السياق، تشير سلمى أشرف مديرة منظمة هيومن رايتس مونيتور إلى أن النظام لم يستخدم هذا الأسلوب على الرجال فقط بل تعرضت له سيدات أبرزهن علا القرضاوي التي أعيد اعتقالها إثر قرار إخلاء سبيل بعد مضي عامين من الاعتقال.

وتذهب الحقوقية المصرية -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن القضاء المصري أصبح "أداة تابعة للسلطات الأمنية، تقرر من خلالها مصير معارضيها، ويحاول القضاء شكلا أن يقوم بدوره من تحقيقات وإجراءات قضائية واستئناف وإخلاء سبيل، إلا أن القرار نهاية الأمر بيد الأمن الذي يعاود حبس معارضي النظام وخصومه".

ولفتت إلى أن هذا الأسلوب يدخل المعتقلين في حالة اكتئاب الشديد ربما تصل ببعضهم إلى محاولة الانتحار، مشيرة إلى أن فقدان الأمل في العدالة والخروج من السجن يؤثر بشكل كبير ليس فقط على نفسية المعتقلين وإنما عضويا كذلك، فالعديد منهم أصيبوا بالسرطان وأمراض مميتة داخل السجون.

دلالة كارثية
ومن جانبها ترى نيفين ملك الحقوقية والقيادية في جبهة "الضمير" أن "استخدام مصطلح التدوير في حد ذاته يدل على كارثية ما وصل له حال هؤلاء المعتقلين، فالتدوير يطلق على إعادة تدوير المخلفات" متسائلة، "هل وصل الحال بالمعتقلين أن يتم التعامل معهم كمخلفات؟".

وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن ما يجري مؤشر خطير على غياب دولة القانون وضمانات ودور القوانين الجنائية التي وُضعت لضمان حقوق المتهم والمجتمع، ومتى غاب ذلك فهو الخطر بعينه على بنية الدولة واستقرارها وسلامها المجتمعي.

وتشدد المحامية على أن مصر في حاجة ملحة للخروج من هذا "النفق المهين" ومواجهة هذه الانتهاكات الجسيمة ضد مفاهيم دولة القانون، ورفع الظلم عن هؤلاء المصريين وأسرهم والالتفات لمصلحة أطفالهم المعذبين بغياب الأب والأم في بعض الحالات بالمخالفة لصحيح نصوص القانون وروحه أيضا.

ويلتقط خيط الحديث مصطفى عزب مسؤول الملف المصري بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا -في حديث للجزيرة نت- مشيرا إلى أن النظام زاد بشكل ملحوظ من استخدام منهجية "إعادة تدوير القضايا" للمعتقلين خلال الآونة الأخيرة بسبب انتهاء مدد سجن وحبس العديد من المعتقلين.

وأوضح عزب أن بقاء المعتقل -سواء كان ناشطا أو معارضا سياسيا أو حتى من تعرضوا للاعتقال بشكل عشوائي، تحت التهديد بإعادة الاعتقال دون مبرر- هو أمر يؤثر سلبًا على حياته وحياة أسرته، فهو حتى إن خرج يصير في حكم الهارب من المجهول طوال الوقت.

ويعبر أن الانتصاف القانوني ومجابهة سوء استغلال النفوذ والتعسف في استخدام السلطة بات أمرا صعبا، ولم يعد أمام من يتعرضون لمثل هذه الأساليب سوى تلقي الدعم الحقوقي والإعلامي والجماهيري الذي يمكن أن يشكل فارقا في حال ما كون رأي عام مؤثر رافض لمثل تلك الممارسات.

المصدر : الجزيرة