لاجئو ميانمار.. جوع متفاقم وموارد محدودة

A girl carries a water pot at the Jamtoli refugee camp in Cox's Bazar, Bangladesh November 18, 2017. REUTERS/Mohamamd Ponir Hossain
حوالي سبعمئة ألف من الروهينغا نزحوا من ميانمار لبنغلاديش في ظروف مزرية (رويترز)

مايكل دانفورد*

إن مخيم لاجئي الروهينغا في مدينة كوكس بازار الساحلية في بنغلاديش هو عبارة عن بحر من الأسقف المعدنية على مد البصر، تلمع تحت أشعة الشمس التي لا ترحم.
 
يرحب بي محمد (60 عاما) خارج منزله الجديد ويشكرني وهو يلهث محاولا التقاط أنفاسه على دعمي، فهو يعاني من مرض في الحنجرة يمكن معالجته بسهولة عن طريق الجراحة التي لا يستطيع تحمل تكلفتها ولكنه ببساطة سعيد كونه حيا وبعيدا عن التعذيب والبؤس اللذين تركهما خلفه في ميانمار.

مثل العديد من أولئك الذين يفرون من (بورما) ميانمار، مشي محمد لمدة خمسة أيام قبل الوصول لبنغلاديش، وللأسف فإن المشقة وشظف العيش قد بدأت للتو، فمثل عشرات الآلاف من أولئك الذين لجؤوا هنا من أجل السلامة يتطلع محمد لبدء حياة جديدة في منحدر موحل وقاحل، وتعتمد العائلة على الآخرين في طعامها بما في ذلك القوت الذي يعمل زملائي في برنامج الغذاء العالمي على توفيره.

يوفر برنامج الغذاء العالمي الاحتياجات الغذائية العاجلة لحوالي سبعمئة ألف من الروهينغا حيث يوفر البسكويت الغني بالمغذيات للقادمين الجدد بالإضافة الى إطعام المقيمين المسجلين بتوزيعات منتظمة من الأرز والزيت النباتي والعدس، كما نوفر وجبات ساخنة من خلال المطابخ المجتمعية بالإضافة لتقديم التغذية التكميلية إلى الحوامل والأمهات المرضعات والصغار.

إن الروهينغا هنا في مأمن من الاضطهاد، ولكن تهديد المرض وسوء التغذية يطاردهم حيث يتم تذكيرنا بذلك يوميا بينما نقوم بتمشيط المخيم لتفقد العائلات التي تتلقى دعم برنامج الغذاء العالمي. إن منظر الصغار الحفاة وهم يلعبون في المياه الوسخة أو يسبحون في جداول المياه المليئة بالفضلات البشرية ينتشر في كل مكان والآن هناك حملات لبناء المراحيض ولكن نحتاج لما هو أكثر من ذلك بكثير من أجل تقليل خطر تفشي الأمراض التي تنتقل عن طريق المياه.

وبينما يزداد عدد اللاجئين بشكل يومي فإن سوء التغذية وخاصة بين الأمهات والأطفال الصغار في ازدياد. لقد أظهرت النتائج الأولية لتقييم التغذية المشترك أن واحدا من كل أربعة أطفال يعانون من سوء التغذية وأن اللاجئين يكونون في حالة يرثى لها عندما يجتازون الحدود. علما أن معدلات سوء التغذية كانت مرتفعة بالفعل قبل هروب الروهينغا، وللأسف فلقد زادت صحة المشردين سوءا بسبب صعوبة رحلتهم وظروف معيشتهم الحالية.

رغم الظروف القاسية يتمتع سكان المخيمات من المسلمين الروهينغا بروح المقاومة والصلابة
رغم الظروف القاسية يتمتع سكان المخيمات من المسلمين الروهينغا بروح المقاومة والصلابة

وحتى نمنع تفشي سوء التغذية يحتاج المجتمع الدولي للمزيد من الموارد والتمويل عبر العديد من القطاعات، وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول دعا برنامج الغذاء العالمي لمساعدات طارئة عاجلة تصل الى 77 مليون دولار أميركي، وما تزال هذه المناشدة قائمة. علما أنه مع زيادة المعاناة فإن الحاجة لمزيد من الموارد تزداد كذلك.

لكن المساعدة الغذائية لوحدها ليست كافية للتغلب على الأزمة، فالصرف الصحي السيئ ومياه الشرب غير الآمنة يمكن أن تقوض الصحة بسهولة كذلك، واليوم فإن أكثر من نصف القادمين الجدد يخبروننا أن أطفالهم يعانون بالفعل من الإسهال، وعندما تكون الظروف بالسوء الموجود هنا تكون الحصص الغذائية الطارئة خطوة أولى فقط، وبعد التعامل مع الألم الفوري للجوع فإن اللاجئين سيكونون بحاجة للمساعدة من أجل إعادة ترتيب وجباتهم الغذائية من خلال أغذية طازجة ومتنوعة من مصادر محلية.

ومن أجل تحقيق ذلك، يسعى برنامج الغذاء العالمي إلى توسيع برنامج الكوبون الإلكتروني الخاص به، وهو عبارة عن بطاقة نقدية تسمح للعائلات بالاختيار من بين 19 مادة غذائية في السوق المحلي بما في ذلك الثوم والخضار والبصل والفلفل. كما نخطط أيضا لتقديم برنامج للكوبون الإلكتروني للاجئين الجدد بحلول أوائل سنة 2018. إن هذه المبادرات ستمكّن اللاجئين من الاختيار والتسوق للحصول على أطعمة مغذية بشكل منتظم بينما يتم دعم الشركات المحلية.

إن محاربة سوء التغذية تعني كذلك التعامل مع الحقائق الاجتماعية لحياة المخيمات. علما أنه عادة يكون من الأسهل قياس سوء التغذية بين النساء والأطفال من خلال زيارتهم في ملاجئهم، وهذا ينطبق على وجه الخصوص على النساء بدون عائلاتهن الممتدة أو اللواتي لا يوافق أزواجهن على زيارتهن للمراكز الصحية لوحدهن. إن السير في المخيمات الموحلة ذات الإضاءة السيئة يمكن أن يكون خطيرا، ولكن بينما يتنقل موظفونا من كوخ لآخر من أجل مساعدة الناس على إيجاد مراكز توزيع الغذاء ودعم التغذية، نجد صعوبات في الوصول للجميع.

تضامن اجتماعي
عندما بدأ الناس بالوصول لكوكس بازار أواخر أغسطس/آب تزامنا مع عيد الأضحى، أظهر السكان سخاء هائلا، حيث سمع موظفونا قصصا لا تحصى عن سكان محليين يشاركون الطعام الخاص الذي قاموا بإعداده من أجل تلك المناسبة مع القادمين الجدد الجائعين. علما أن الناس المحليين هنا معتادون على الزوار. إن الشاطئ الطبيعي الساحر الذي يمتد لمسافة 120 كيلومترا يجتذب آلاف المصطافين سنويا، كما أن اللاجئين يأتون لهذه المنطقة منذ عقود عديدة هربا من موجات سابقة من العنف في ميانمار.

للأسف فإن العيد وأي طعام فائض هي ذكريات بعيدة اليوم، فالعديد من الناس المحليين هم من صيادي الأسماك أو مزارعي الأرز، ومواردهم بالكاد تكفي بسبب مشاركة أرضهم وأسواقهم وطرقهم مع هذا التدفق الضخم للاجئين.

حتى نقلل من إمكانية حصول توترات بين اللاجئين ومضيفيهم، فإن جهود المساعدات الدولية يجب أن تستهدف كلتا الجاليتين. فبالإضافة إلى تلبية الحاجات الأساسية للاجئين، يقوم برنامج الغذاء العالمي بتوسيع برامج طعام المدارس ونشاطات التغذية والمعيشة في المجتمعات المضيفة.

على الرغم من الظروف القاسية، فإن الناس الذين التقيت بهم في المخيمات يتمتعون بروح المقاومة والصلابة بشكل غير عادي، حيث يقوم الأطفال بصنع الألعاب من أي شيء يتوفر لديهم، كما تقوم النساء بمهارة بتحويل أعمدة البامبو إلى جدران لمنازلهم.  وفي كل مكان أجد الرجال والنساء والأطفال -على الرغم من حملهم اليومي من الطعام والحطب- يأخذون خطوات صغيرة لتحسين حياتهم.

إن هذا التصميم على جعل مستقبلهم أفضل من ماضيهم يجعلك تشعر بالتواضع، فدور برنامج الغذاء العالمي والمجتمع الدولي الذي يدعم السلطات البنغالية هو التخفيف من معاناة الروهينغا اليوم، ومحاولة إيجاد حلول لمساعدتهم في تحقيق طموحاتهم المستقبلية.
_______________________________________
*منسق الطوارئ لبرنامج الغذاء العالمي في كوكس بازار، بنغلاديش

المصدر : بروجيكت سينديكيت