تزايد جنوح الأحداث في جنوب العراق

Iraqi boys pose with toy guns during a family visit to the grave of a relative in a cemetery in Basra, 420 km (260 miles) south of Baghdad September 1, 2011. Picture taken September 1, 2011.
أطفال عراقيون يستعرضون لعبهم في إحدى المقابر بمدينة البصرة جنوب العراق مطلع سبتمبر/أيلول 2011 (رويترز)

عبد الله الرفاعي-البصرة

بحسب إحصائيات رسمية، تصاعدت بشكل كبير خلال العقد الماضي نسب جنوح الأحداث في جنوب العراق، حيث ارتفع مؤشر الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة استئناف ذي قار (جنوب العاصمة بغداد) إلى أكثر من 500% في نهاية عام 2014.

وأظهرت الإحصائيات أن محكمة الجنايات بالمحكمة أصدرت 48 حكما قضائيا فقط في عام 2004 بحق أحداث في شتى الجرائم من قتل وسطو واحتيال والإيذاء العمد، وكذلك القضايا الأخلاقية.

غير أن الإحصائيات الصادرة عام 2014 بينت أن المحكمة ذاتها أصدرت 246 حكما قضائيا، في مؤشر على نمو الجريمة في البلاد التي تعاني من مشاكل كبيرة وانتشار العنف بعد الغزو الأميركي عام 2003.

الإحصائيات التي حصلت عليها الجزيرة نت لعدد القضايا الجنائية التي تم حسمها تظهر تزايدا ملحوظا في نسبة الجريمة بعد 2004، وكذلك ارتفاعا في بعض الجرائم، فقد ارتفعت الأحكام القضائية الصادرة ضد الأحداث بجرائم السرقة من حكم واحد عام 2004 إلى 86 حكما مع نهاية عام 2014، فيما تظهر الإحصائيات أيضا ارتفاعا في جرائم القتل العمد ونسبة أكثر من 200% في نهاية 2014 مقارنة بعام 2004.

وسجلت المحاكم أيضا ارتفاعا في نسبة الجرائم الأخلاقية، فمع أن المحكمة ذاتها لم تسجل أي حكم في عام 2004 في أي جريمة أخلاقية معروضة أمامها فإنها سجلت 21 حكما قضائيا لأحداث أدينوا بارتكاب جرائم أخلاقية في نهاية عام 2014.

وبحسب رئيس منظمة التواصل والإخاء الإنسانية علي عبد الحسن، فإن هذه الإحصائيات تعكس "تصاعدا في الأداء القضائي"، و"حسم" هذه القضايا قانونيا أمام المحاكم.

‪علي العتابي: مناخ الأمية يدفع المراهقين إلى الجريمة‬ (الجزيرة)
‪علي العتابي: مناخ الأمية يدفع المراهقين إلى الجريمة‬ (الجزيرة)

تجربة مرة
وتمثل تجربة محمد -وهو الآن في الـ19 من عمره ويقضي حكما لمدة 15 عاما، حيث أدين بأكثر من جريمة سطو حين كان في الـ17 من العمر- واحدة من التجارب المهمة.

يقول محمد الذي تحدثنا له برفقة والده -الذي اصطحبنا لزيارته في سجنه- إنه يشعر بالندم على تلك الأفعال، ولم يكن يقدر نتائجها الوخيمة آنذاك فاندفع لارتكاب هذه الجرائم التي سيدفع من عمره ثمنا باهظا لها.

والد محمد -الذي طلب عدم ذكر اسمه- قال في حديث للجزيرة نت إن عائلته تعد من العوائل المحافظة اجتماعيا والملتزمة دينيا إلا أن سلوك ولده -وهو الثالث من بين أبنائه الأربعة- بدا شاذا منذ بدء فترة المراهقة، حيث بدأ بتصرفات غير مقبولة برفقة بعض الأصدقاء، ولم تفلح معه كل محاولات الإصلاح، ويضيف أنه اضطر إلى الإبلاغ عنه مع تزايد مشاكله والجرائم التي يرتكبها بحق الجيران، وها هو يدفع الآن ثمن أخطائه.

مناخ الجريمة
ويعلق الباحث والإعلامي علي العتابي في حديث للجزيرة نت على الموضوع بأن ثمة مناخات تدفع المراهقين إلى الجريمة، ولعل في طليعتها تفشي الأمية، وانتشار السلاح بشكل كبير بعد 2003، وأيضا فقدان الأمل في الحصول على وظيفة لائقة أو تأمين مستقبل واعد، وسط حروب متصاعدة، مضافا إلى هذا كله غياب الرؤية الحكومية في تبني برامج توعوية وتثقيفية للشباب الذين أصبحوا مادة خصبة لعصابات الجريمة، ومافيات المخدرات.

ويؤكد محمد العبودي -وهو ناشط حقوقي- أن هذه الأحكام لا تعكس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، ويضيف "هناك عالم سفلي للجريمة ونمو ملحوظ لعصابات إجرامية تستدرج الشباب -خصوصا المراهقين منهم- إليها عبر الإغراء، مستغلة ضعف الأجهزة الرقابية، ولذا فإن نسبة الأحكام تعكس الجهد الضئيل المبذول في هذا السياق، فيما يبقى الجزء الأكبر من المشكلة مخفيا "لأسباب طويلة لا مجال لذكرها".

المصدر : الجزيرة