استشهاد فؤاد حجازي

أحمد الجنابي

تتناول الحلقة الثامنة من سلسلة "بالهجري" حدثا من أحداث شهر محرم الجاري حسب التقويم الهجري، وهو استشهاد فؤاد حجازي الذي أعدمته سلطات الاحتلال البريطانية في فلسطين لمشاركته الفاعلة في ثورة البراق.

ولد فؤاد حجازي في صفد بفلسطين عام 1322 للهجرة، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، وانخرط في العمل الوطني ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين بعد إكمال دراسته في بيروت وعودته إلى بلاده.  

شارك مشاركة فاعلة في ثورة البراق، وكان ضمن عدد كبير من الفلسطينيين ألقي القبض عليهم من قبل قوات الاحتلال. 

أصدرت سلطات الاحتلال حكما بالإعدام على 25 عربيا فلسطينيا لمشاركتهم في الثورة، ثم تم تخفيف الحكم إلى المؤبد، لكن التخفيف استثنى حجازي ورفيقيه محمد جمجوم وعطا أحمد الزير، ونفذ فيهم حكم الإعدام يوم 19 المحرم 1394هـ. 

اندلعت الثورة إثر خلاف حول حائط البراق الذي يحد الحرم القدسي من جهة الغرب، وهو وقف إسلامي، بينما يدعي اليهود أنه جزء مما يسمى "الهيكل".  

حاول اليهود تغيير معالم المنطقة المحاذية بالحائط لخدمة مصالحهم، وتظاهر المهاجرون اليهود أمام حائط البراق يصيحون "الحائط لنا"، الأمر الذي استفز عرب القدس وفلسطين عموما، حيث اعتبروه خطوة في طموح لم يخف عليهم، وهو تخطيط اليهود للاستحواذ على القدس. 

وكان اليهود قد تشجعوا على الإقدام على هذه الخطوة نتيجة تغير جذري في خطة عمل الوكالة اليهودية المسؤولة عن نقل يهود العالم إلى فلسطين. وكانت الوكالة تقتصر على الصهاينة والمؤسسات الصهيونية، ولكن القائمين عليها اتفقوا على توسيع قاعدة عملها لتشمل كافة اليهود والمنظمات اليهودية غير الصهيونية المتعاطفة مع فكرة إقامة دولة يهودية على أرض فلسطين.  

وقد جاء هذا التطور بعد سبع سنين من الهدوء النسبي في فلسطين نتيجة لتحديد سلطات الاحتلال البريطاني لأعداد المهاجرين اليهود، إلا أن ذلك الهدوء العربي كان حذرا ويتسم بقدر عال من المراقبة الدقيقة للأوضاع. وما إن حاول اليهود اتخاذ خطوة في خطتهم للاستحواذ على القدس، حتى نزل الفلسطينيون إلى الشوارع في العديد من المدن الفلسطينية واشتبكوا مع المهاجرين اليهود والقوات البريطانية. وقد أسفرت الاشتباكات عن استشهاد أكثر من مائة فلسطيني، كما تمكن الثوار الفلسطينيون من قتل نحو 130 مهاجرا يهوديا. 

شكلت سلطات الاحتلال البريطاني لجنتين لدراسة الأحداث التي أدت إلى ثورة البراق: الأولى عرفت بلجنة "شو" نسبة إلى قائد لجنة التحقيق والتر شو، والثانية برئاسة جون هوب سيمبسون.

وقالت اللجنة الأولى في تقريرها إن العرب لا يرون في المهاجرين اليهود تهديدا للقمة عيشهم، بل يرونهم تهديدا لوطنهم. 

أما اللجنة فقد أقرت بأن المهاجرين الجدد من اليهود ابتلعوا معظم الأراضي الزراعية الفلسطينية، حتى لم يعد هناك أي أرض زراعية لإقامة المزيد من مستوطناتهم. 

ورغم أن هذين التقريرين أثارا مخاوف البريطانيين من احتمال تورطهم في خرق ميثاق عصبة الأمم (صارت فيما بعد الأمم المتحدة)، فإن تلك المخاوف لم ترق إلى درجة وضع حد لابتلاع اليهود لأرض فلسطين. واستمر المهاجرون اليهود في التدفق على فلسطين، وصعّدت المنظمات الإرهابية اليهودية من هجماتها على عرب فلسطين، حتى أعلن اليهود إقامة دولتهم عام 1367 للهجرة.

المصدر : الجزيرة