كورونا.. وفيات مرتفعة لمرضى أجهزة التنفس وغيوم في الرئة

أطباء ألمان يرصدون "غيوما غريبة" في الرئة لدى مرضى كورونا
الأطباء رصدوا "غيوما غريبة" في الرئة لدى مرضى كورونا (دويتشه فيلله)

د. أسامة أبو الرب

توصلت دراسة حديثة إلى نتائج صادمة، وهي أن أغلب مرضى فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 الذين وضعوا على أجهزة التنفس الصناعي قد ماتوا، في حين لاحظ أطباء آخرون غيوما غريبة في رئات المرضى.

وقالت الدراسة إن نحو 90% من مرضى فيروس كورونا المستجد الذين وضعوا على أجهزة التنفس الصناعي بين 1 مارس/آذار الماضي و4 أبريل/نيسان الجاري في المستشفيات داخل نورثويل هيلث (أكبر نظام صحي في نيويورك) قد توفوا.

وشملت الدراسة 5700 مريض، ونشرت في مجلة الجمعية الطبية الأميركية (JAMA).

ومن بين الذين كانوا على أجهزة التنفس الصناعي كان معدل وفيات أولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عاما 97.2%، و76.4% لمن تتراوح أعمارهم بين 18 و65 عاما، كما يوضح التقرير.

وتضيف هذه الدراسة الجديدة تساؤلات حول الطريقة الحالية التي يتم فيها علاج الحالات الحرجة من مرضى فيروس كورونا المستجد.

وجهاز التنفس الصناعي (Ventilator) آلة توفر تهوية ميكانيكية عن طريق نقل الهواء "المؤكسج" إلى الرئتين، ويمكن أن تنقذ حياة المريض عندما لا يستطيع الشخص التنفس بشكل صحيح، أو عندما لا يستطيع التنفس بمفرده على الإطلاق.

ليس علاجا
وجهاز التنفس الصناعي ليس علاجا لمرض، ولكنه يستخدم أثناء العلاج لتثبيت حالة المريض، فمثلا في حالة مرضى فيروس كورونا فإن جهاز التنفس الصناعي لا يعالج الفيروس، ولكنه يسمح للمريض الذي تراجعت قدرته التنفسية على البقاء على قيد الحياة، حتى يتعافى جسمه من الفيروس ويهزمه، أو عندما تعمل العلاجات الدوائية.

ويقوم جهاز التنفس الصناعي بإدخال الأكسجين إلى الرئتين وطرد ثاني أكسيد الكربون، ويشمل ذلك استخدام أنبوب يربط جهاز التنفس الصناعي بالمجاري الهوائية للرئة عن طريق الفم أو الأنف، وهذا ما يسمى "التنبيب" (intubation).

في بعض الحالات الخطيرة أو طويلة المدى، يتم توصيل أنبوب التنفس مباشرة بالقصبة الهوائية من خلال ثقب صغير في الرقبة يتم فتحه بعملية جراحية.

ويستخدم جهاز التنفس الصناعي الضغط لدفع الهواء "المؤكسج" في الرئتين. ويحتاج جهاز التنفس الصناعي إلى الكهرباء للتشغيل، ويمكن أن تعمل بعض الأنواع على البطارية.

ورغم أن جهاز التنفس الصناعي يمكن أن ينقذ حياة الشخص، فإنه يزيد خطر العدوى في الرئة، إذ يمكن أن يسمح أنبوب التنفس بدخول الجراثيم إلى الرئتين.

الفعالية
وقبل فترة طرح الطبيب كاميرون كايل سيدل من نيويورك -الذي شاهد مئات المرضى المصابين بفيروس كورونا ممددين على الأسرّة- تساؤلات حول فعالية استخدام أجهزة التنفس الصناعي، وهو يعتقد أنهم يموتون بسبب العلاج نفسه الذي كان من المفترض أن ينقذ حياتهم.

فقد حذر الطبيب كايل سيدل -في مقطع فيديو نشره على يوتيوب- من أن من الخطأ استخدام أجهزة التنفس الصناعي بالطريقة الشائعة.

مع ذلك، أكد الطبيب في الفيديو أننا بحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي، وأنه لا يقول إننا لا نحتاجها، بالعكس "نحن قطعا نحتاجها وهي الوسيلة الوحيدة حاليا لإيصال المزيد من الأكسجين للمرضى الذين نعالجهم".

وقال إننا يجب أن نستخدم أجهزة التنفس الصناعي ونحتاج لعدد كبير منها، ولكن علينا أن نستخدمها بطريقة أكثر أمانا.

ويحذر رئيس الأكاديمية الأميركية لطب الطوارئ ديفد فارسي من استخدام أجهزة التنفس الصناعي بشكل عشوائي. وقد نجح الدكتور فارسي في معالجة مرضاه باستخدام الأكسجين سريع التدفق الذي يتم ضخه إلى المريض عن طريق أنبوب أنفي أو قناع بسيط.

كما أنه يضع المرضى على الجانب الأيسر أو الأيمن، وهي عملية تسمى وضع الرقود، من شأنها أن تحسن أداء المرضى كما أنها ترفع على الفور مستويات الأكسجين في الدم.

تحد جديد
المعلومات المتاحة حاليا قد تشير إلى أننا نواجه شيئا جديدا، مما يتطلب مقاربات جديدة. ومن الملاحظات اللافتة أن الأطباء رصدوا "غيوما غريبة" في الرئة لدى مرضى كورونا.

ومن بين الأعراض غير العادية في معاناة بعض المصابين بكوفيد-19 نقص كبير في الأكسجين، رغم شعورهم بقدرتهم على التنفس بشكل طبيعي؛ والسبب عجز الرئتين عن العمل بالشكل الصحيح.

ونقلت يرين بيريس محررة الشؤون الطبية لدى "شبيغل أونلاين" عن مجلة "إنتنسيف كير ميديسن" الطبية المتخصصة؛ ملخصا لنقاش علمي بين مجموعة من الأطباء من الألمان والإيطاليين والبريطانيين من "غوتنغن وتورينو ولندن"، مفاده أن السبب في ذلك يعود لكون الرئة في حالة كوفيد-19 تتمطط بشكل غير عادي، على الرغم من بؤر الالتهاب فيها.

في حالات الالتهاب الرئوي الحاد العادي تتراكم السوائل بكميات كبيرة في الرئة، مما يجعل الأنسجة أثقل وأكثر صلابة، ويشعر المرضى بصعوبة في التنفس كأنهم يقاومون قوة قاهرة.

هذا ينطبق أيضا على مرضى كورونا، ولكن فقط في حالات الالتهاب الرئوي الحرج والمتقدم، الأمر الذي دعا رئيس قسم أمراض الرئة في مستشفى دوناوستوف الألماني ميشائيل بفايفر إلى القول إنه من "المحتمل جدا أن تتجمع كمية أقل بكثير من السوائل في الرئتين في المرحلة الأولى من فيروس كورونا المستجد، مقارنة بالالتهاب الرئوي الكلاسيكي".

وأضاف الدكتور بفايفر أن صور الأشعة المقطعية تظهر على شكل غيوم بيضاء ساطعة، مما يشير إلى احتباس السوائل في الرئة. وهي مناطق ليست كثيفة لدى مرضى كوفيد-19 كما هي الحال في الالتهاب الرئوي الكلاسيكي. وحتى في الحالات المتقدمة يمكن رؤية مناطق داكنة مليئة بالهواء.

المثير أيضا أن المناطق المضيئة توجد بشكل رئيسي على حافة الرئتين على شكل غيوم بيضاء.

بؤر الالتهاب
يفترض الدكتور بفايفر في تصريح لـ"شبيغل أونلاين" أن السبب الثاني وراء نقص الأوكسجين أن التنفس شبه الطبيعي لمرضى كوفيد-19 يعود لـ"بؤر الالتهاب المتعددة" التي تمتص كميات كبيرة من الدم بشكل غير عادي.

وفي الوقت نفسه، وبسبب تراكم السوائل، يستحيل انتقال الأكسجين من الهواء إلى الدم. كما أن الأجزاء السليمة في الرئة لا تحصل على الكمية الكافية من الدم، وبالتالي ليس بمقدورها تعويض الأوكسجين المفقود، ويكون رد فعل الجسم في هذه الحالة زيادة إيقاع التنفس، وهو من بين الأعراض التي يأخذ بها الأطباء حاليا لتشخيص وتقييم الحالات الحرجة.

عندها، يبقى الحل الوحيد هو "التنفس الاصطناعي الذي ينقذ الأرواح (…) ولكن إذا استعمل بعد فوات الأوان، يكون لذلك تأثير سلبي على تطور المرض. وفي الوقت نفسه، فإنه يعني إجهادا كبيرا للجسم.

ومن المهم تحديد اللحظة الصحيحة والمناسبة للجوء إلى التنفس الاصطناعي، على حد تعبير الدكتور بفايفر.

المصدر : الجزيرة + دويتشه فيله + مواقع إلكترونية + نيوزويك + وكالات