عندما يصبح "الرداء الأبيض" مكمن الداء

لباس أطباء، طبيب, رداء طبيب، المصدر بيكسابي
المعاطف البيضاء عادة ما تكون ملوثة بسلالات البكتيريا الضارة (بيكسابي)

هل يمكن أن يكون اللباس الذي يرمز لمهنة الطب مليئا بالبكتيريا الضارة ولا ينظف على النحو الذي يأمله المرضى؟

وقال الكاتب أوستن فراكت -في تقريره الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز- إن لباس العاملين في قطاع الصحة من شأنه أن يكون مأوى للبكتيريا ومسببات الأمراض الخطيرة.

وفي هذا السياق، أوردت المراجعة المنهجية لإحدى الدراسات أن المعاطف البيضاء عادة ما تكون ملوثة بسلالات البكتيريا الضارة وكذلك المقاومة للعقاقير والمسببة للعدوى المنتشرة داخل المستشفيات.

وعلى سبيل المثال، أكدت الفحوصات أن 16% من مجموع المعاطف البيضاء تحتوي على بكتيريا العنقوديات الذهبية، وقرابة 42% تحتوي على البكتيريا سلبية الغرام، وكلاهما قادر على أن يسبب مشاكل خطيرة، بما في ذلك التهابات الجلد ومجرى الدم، والتسمم والالتهاب الرئوي.

وقد وجدت المراجعة أنه بالإضافة إلى الزي، يمكن أن تتلوث السماعات والهواتف والأجهزة اللوحية أيضا بالبكتيريا الضارة. وكشفت الدراسة -التي أجريت على بعض جراحي العظام- وجود 45% من الأنواع ذاتها من البكتيريا الموجودة على الجروح التي عالجوها على أزيائهم الموحدة وتلك الخاصة بالممرضات أيضا.

ووفقا لإحدى الدراسات العشوائية، يتمثل أحد الحلول الممكنة في استعمال الأنسجة المضادة للميكروبات التي تستطيع أن تقلل من وجود بعض أنواع البكتيريا على الزي. كذلك، يمكن للغسل اليومي لملابس العاملين في مجال الرعاية الصحية أن يساعد إلى حد ما، على الرغم من أن الدراسات تثبت أن البكتيريا يمكن أن تلوثهم من جديد في غضون ساعات.

التنظيف
علاوة على ذلك، وجدت العديد من الدراسات التي أجراها الأطباء الأميركيون أن أغلبية العاملين في قطاع الصحة لا يغسلون أزياءهم لأكثر من أسبوع، بينما يترك قرابة 17% من العاملين أزياءهم ملوثة لأكثر من شهر. وكانت هذه النتائج شبيهة بما توصل إليه العديد من الدراسات التي تركز على مدينة لندن.

في هذا السياق، اختبرت تجربة عشوائية نشرت العام الماضي ما إذا كان ارتداء أزياء بيضاء بأكمام قصيرة أو طويلة قد يحدث فارقا في انتقال مسببات الأمراض.

ونظرا للتجارب السابقة، وجدت الدراسة أن الأكمام القصيرة أدت إلى انخفاض معدلات انتقال فيروس الحمض النووي الريبوزي.

في الحقيقة، قد يكون من الأسهل الحفاظ على نظافة اليدين والرسغين عندما لا تكون مغطاة بالأكمام. لهذا السبب، تشير جمعية الرعاية الصحية وعلم الأوبئة الأميركية إلى أن الأطباء يقترحون اعتماد قاعدة إبقاء "الأيدي عارية أسفل المرفقين".

وأوضح الكاتب أن استعمال مطهر الأيدي الذي يحتوي على الكحول غالبا ما يكون أنسب وأكثر فاعلية من الصابون والماء من أجل الحفاظ على نظافة الأيدي. في المقابل، لا يعد استعمال المطهر الذي يحتوي على الكحول مناسبا للعاملين في قطاع الصحة بما أنه لا يتوفر بكثرة داخل المستشفى نظرا لقابليته للاشتعال.

وغالبا ما يتم استخدام معقمات الأيدي في الأروقة، على الرغم من أن استخدامها في أماكن أقرب إلى المرضى قد يكون أكثر فعالية. وقد درس فريق من الباحثين ما يمكن أن يحدث في حال وضعت عبوات مطهر الأيدي بالقرب من أسرة المرضى، وكانت النتيجة أن أكثر من 50% من هذه العبوات قد استخدمت.

وعلى الرغم من نشوب بعض الحرائق في المستشفيات بسبب المطهرات التي تحتوي على الكحول، فإنها نادرة الحدوث. وقد وجدت إحدى الدراسات أن حوالي ثمانمئة منشأة رعاية صحية أميركية تستخدم معقم اليدين المعتمد على الكحول، دون مواجهة أي حرائق، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن خطر نشوب حرائق بسبب مطهر اليد "منخفض جدا".

التخلي
وأضاف الكاتب أن إحدى المقالات التي نشرت بصحيفة نيويورك تايمز قبل عشرة أعوام أفادت بأن الجمعية الطبية الأميركية -التي ينتابها القلق إزاء انتقال البكتيريا- كانت تدرس اقتراحا "يفرض على الأطباء التخلي عن معاطفهم المختبرية للأبد".

وربما يكمن أحد الأسباب وراء عدم تنفيذ هذه الفكرة العقد الماضي في تعليق لأحد الأطباء يقول "المعطف جزء من هويتي، وبالتالي، لا أستطيع مزاولة عملي دون ارتدائه".

فضلا عن ذلك، يعد الزي الأبيض رمزا هاما، ولكن ربما نستطيع تعديله عوضا عن التخلي عنه، إذ يمكن أن يساعد الجمع بين الزي الأبيض ذي الأكمام القصيرة وغسله بشكل متكرر -إلى جانب استخدام مطهرات الأيدي أكثر- في تقليل انتشار البكتيريا الضارة.

وقال الكاتب: حين اعتماد هذه الأفكار أو غيرها بالكامل يظل هناك أمر واحد يمكننا القيام به جميعا في الوقت الراهن وهو أن نطلب من أطبائنا أن يعقموا أيديهم قبل لمسنا (بما في ذلك المصافحة). وبالتالي، فإن القليل من الحذر والتذكير من شأنه أن يساعد كثيرا على الوقاية من الأمراض.

يُذكر أن إحدى الدراسات الحديثة -التي أجريت على مجموعة من المرضى في عشر مستشفيات بالولايات المتحدة- أشارت إلى أن معظم المرضى يفضلون رؤية أطبائهم مرتدين الزي الأبيض التقليدي. وينطبق الأمر ذاته على الأطباء لأنهم يعتبرون هذا الزي جزءا من مهنتهم.

المصدر : نيويورك تايمز