هل تفزعك استفسارات وأفكار طفلك الجنسية؟

صورة من بيكسابي تساؤلات الطفل الجنسية
الدراسات تشير إلى أن الناشئة لا يتلقون أي نوع من الإرشاد الجنسي من أهلهم (بيكسابي)

أمل غباين-إسطنبول

"عيب عليك، لا يجوز أن تسأل مثل هذا السؤال، عندما تكبر ستعرف بنفسك، إياك والخوض بهذا الحديث مرة أخرى" عبارات سريعة مغلفة بالرهبة والاستنكار غالبا وبالغضب أحيانا، هربا من استفسارات الطفل الجنسية الذي يدفعه فضوله لطرحها.

فالأسر العربية بشكل عام لا تحبذ الخوض في أحاديث تتعلق بثقافة وصحة الطفل الجنسية، حتى وإن وصل مرحلة البلوغ سواء كان ذكرا أو أنثى من منطلق أن هذا الجانب خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه.

مبدأ التربية المعتمد لدى كثير من العائلات الشرقية هو "كما تربينا نربيهم، نحن تربينا على البركة وتزوجنا ونحن لا ندرك شيئا وها نحن بخير" يرفضه الطبيب النفسي محمد الدندل رفضا مطلقا ويعتبره مجافيا للتربية العلمية خاصة مع تطور التكنولوجيا ووسائل الحصول على المعلومة.

وفي حديث حول استفسارات وميول الطفل الجنسية وكيفية التعامل معها، قال الدندل للجزيرة نت إن ترسبات الموروث الثقافي لدى الفئة الأكبر من الأسر العربية بهذا الجانب تضع الأطفال في دوامة نفسية من شأنها التطور لاحقا وتتحول لمعضلة يصعب التعامل معها.

الدندل شدد بحديثه على أن الأهل يتعاملون مع الطفل باعتباره ملكية خاصة، متجاهلين أنه كائن حي مسؤوليتهم تجاهه بالدرجة الأولى منحه الحب غير المشروط والأمان المطلق لحمايته لقطع أهم شوط في تربيته، مشيرا إلى أن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة أسرية قاسية تخلو من الحب هم الأكثر عرضة للدخول في متاهة الخلل الجنسي.

الدندل: سؤال الطفل قد يحمل رسالة تنبيه لما يتعرض له من أذى جنسي
الدندل: سؤال الطفل قد يحمل رسالة تنبيه لما يتعرض له من أذى جنسي

الفئة العمرية
وعن أكثر الأسئلة شيوعا لدى الأطفال، قال الدندل "كيف تم إنجابي؟" هو السؤال الجنسي الأول الذي يسأله الطفل، يليه الاستفسار حول اختلاف الأعضاء التناسلية لدى الذكر والأنثى.

وأشار إلى أن الإجابة يجب أن تكون وفقا للفئة العمرية، إذ يكتفي الوالدان بالإجابة السريعة دون توتر بطريقة سريعة وغير موسعة بالعمر ما بين ثلاث وخمس سنوات، بينما يجب التوسع بالإجابة بعد عمر تسع سنوات لحين وصول الطفل لسن البلوغ. هنا يجب على الوالدين الإجابة عن كافة الاستفسارات بصراحة مطلقة مهما كانت تسبب لهم تلك الأسئلة من حرج.

ومن أكثر ما يجب على الوالدين الانتباه له الاستماع الجيد للسؤال ومعرفة أسباب طرحه لأنه قد يكون مؤشرا لما هو أبعد من الفضول مثل تعرضه للتحرش على سبيل المثال، وهنا يكون السؤال رسالة يوصلها الطفل لوالديه بطريقة غير مباشرة.

كما شدد الدندل على وجوب تعزيز الأنوثة لدى الطفلة والذكورة لدى الطفل كي لا تضطرب هوية الطفل الجنسية (المثلية الجنسية) ناصحا الوالدين باللجوء مباشرة للأخصائيين في حال اكتشاف ميول مخالفة للطبيعة عند طفلهما والتي تبدأ بميول الذكر بالتشبه بالفتيات أو العكس، مبينا أن غالبية حالات اضطراب الهوية الجنسية أساسها طريقة التعامل مع الطفل أو تعرضه للتحرش الجنسي.

وقال طبيب الأطفال محمد الحلاق للجزيرة نت إن الدراسات العلمية تشير إلى أن الأطفال والناشئة بشكل عام لا يتلقون أي نوع من الإرشاد أو مصدر للتعلم الجنسي من أهلهم، وإن المصدر الأول لهم بهذا الجانب هو الأصدقاء، وهذا تطبيق تام للمثل "أعمى يقود أعمى" مضيفا أن الوعي في التعامل مع أفكار وميول الطفل الجنسية في المجتمع الشرقي تكاد تكون معدومة، ولهذا يجب عدم التعامل مع أي حالة قبل استشارة أصحاب الاختصاص.

وحول الكشف عن وجود ميول جنسية غير طبيعية، قال الحلاق إن طبيب الأسرة أو طبيب الأطفال يعد الملجأ الأول للأسرة باعتباره يعرف الطفل بشكل جيد خاصة من يتردد عليه منذ نعومة أظفاره.

ويبدأ دور الطبيب عندما يلاحظ تغيرات على الطفل الذي يتابع حالته الصحية، وهو ما يدفع الطبيب للاستفسار بشكل ودي من الوالدين ووضعهما في صورة ملاحظته، وهذه غالبا ما تكون مهمة صعبة للغاية وفقا للحلاق.

الحلاق أكد أن ثقافة الأهل الجنسية تكاد تكون معدومة 
الحلاق أكد أن ثقافة الأهل الجنسية تكاد تكون معدومة 
صدمة
ويضيف الحلاق "يكون الأهل بداية في حالة صدمة ورفض تام عندما أخبِرهم أن الطفل تبدو عليه علامات تشير إلى أن ميوله الجنسية غير طبيعية، وعليهم إجراء فحوصات مخبرية، أو عندما أخبرهم أن طفلهم قد يكون تعرض للتحرش الجنسي".

وضرب الطبيب مثالا على حالة لطفلة تبلغ من العمر تسع سنوات ظهرت عليها علامات اضطراب الهوية الجنسية، ولكنه تمكن من إقناع والديها بإجراء فحوصات للهرمونات وتم علاجها بفترة وجيزة.

وتابع الحلاق أنه يجب على الوالدين مسبقا وقبل الإنجاب القراءة المكثفة حيال التعامل مع سلوكيات الطفل الجنسية أو استشارة أخصائي وتأمين الحماية لأطفالهما.

وقال إن أكثر الحالات التي ترد إليه تتعلق بالتحرش الجنسي، والذي يمكن للوالدين كشفه مبكرا من خلال ملاحظة سلوكيات تظهر على الطفل مثل الميل للانطواء والتبول اللاإرادي والكوابيس والخوف من أماكن أو أشخاص بشكل مفاجئ، ولمس الطفل لأعضائه التناسلية أو أعضاء غيره، وظهور جروح أو كدمات أو طفح جلدي والبكاء العنيف دون سبب.

وترى المعالِجة النفسية هلا هلال أن المجتمع بشكل عام يلعب دورا أساسيا في توعية الطفل من الناحية الجنسية، إلا أن الحمل الأكبر يقع على الأهل الذين غالبا ما يعتقدون أن توعية الطفل يجب أن تبدأ بعد سن البلوغ.

وأضافت أن دور المدرسة لا يقل أهمية عن الأسرة حيث يجب على المعلمين الانتباه قدر الإمكان إلى سلوكيات الأطفال ووضع أولياء أمورهم بصورة أي سلوك أو فعل يرونه غير مناسب.

وتابعت الأخصائية -في حديثها للجزيرة نت- أن تحديد الهوية الجنسية للطفل تبدأ من عمر ثلاث سنوات، وطريقة تعامل والديه معه منذ هذه المرحلة العمرية فيما يتعلق بالاستفسارات والأفكار تحدد مساره بشكل تام.

وبينت أن سن الغريزة الجنسية للذكور غالبا تبدأ من عمر تسع سنوات بينما تبدأ للإناث من 13 سنة بالمعدل الطبيعي، إلا أنه في بعض الحالات تبدأ الغريزة تظهر بعمر أقل من ذلك لكلا الطرفين، وهذا ما يستوجب أن يتفهمه الوالدان.

وحول الأفكار والأسئلة التي يطرحها الطفل وكيفية التعامل معها، قالت الأخصائية النفسية إن الاجابات يجب أن تكون علمية وبشكل مختصر سريع أو من خلال سرد قصة، لكن إن كان السؤال لا يتناسب مع عمر الطفل وكان دقيقا أو غريبا فيجب التواصل مباشرة مع أخصائي نفسي.

وأشارت إلى أن وجود الطفل في بيئة يوجد بها أطفال أكبر منه في العمر تجعل منه عرضة لمعرفة بعض الأمور الجنسية بشكل وبتوقيت عمري خاطئين، وقد تجعله عرضة للتحرش خاصة أن أغلب تلك الحالات تأتي من أشخاص تثق بهم العائلة.

هلا أشارت إلى أهمية زرع القيم المجتمعية والدينية لدى الطفل منذ نعومة أظفاره 
هلا أشارت إلى أهمية زرع القيم المجتمعية والدينية لدى الطفل منذ نعومة أظفاره 

أساليب
وعن الأساليب العلمية للكشف عن ميول الطفل الجنسية وتصويب سلوكه، قالت المعالِجة النفسية إن الأسرة إن امتلكت الوعي والثقافة وكانت تتحلى بالصبر ستتمكن من تجاوز الأمر بسهولة، حيث يجب على الوالدين بداية عدم إعطاء الطفل الفرصة للتشبه بالجنس الآخر بمظهره وتصرفاته لأن المظهر العام هو ما يحدد هوية الطفل إن كان ذكرا أو أنثى وعدم السماح له باللعب بألعاب الجنس الآخر.

وأيضا يجب الابتعاد عن إطلاق أسماء دلع أنثوية على الذكر وذكورية على الأنثى، إضافة إلى الانتباه لما يتابع الطفل من أفلام كرتونية واتخاذ الاحتياطات المناسبة للحيلولة دون مشاهدة الطفل للعلاقة الحميمية لوالديه. ومن الضروري تعزيز ثقة الطفل بنفسه، ويسبق كل هذا غرس القيم الدينية والمجتمعية لدى الطفل.

وأضافت أن من الأساليب العملية المتبعة والتي أثبتت نجاحها رد السؤال إلى الطفل، كسؤاله مثلا وبشكل ودي "ما الذي تعرفه أنت عن هذا الموضوع؟" أو طرح مشكلة وهمية على الطفل تتضمن حالته بشكل مبطن والطلب منه إيجاد حل لها، إضافة إلى إمكانية الشرح للطفل عن بعض الاستفسارات أو التوصل إلى ما يعانيه من خلال الرسم واللعب.

وأكدت أن هناك حلولا علمية لكل ما يقلق الأهل بسبب سلوك أطفالهم أو استفساراتهم الجنسية مهما كانت صادمة، وعليهم عدم إعطاء الأمور أكبر من حجمها، وإن وجدوا أنفسهم غير قادرين على التعامل مع الطفل فيجب التوجه لأصحاب الاختصاص.

وأشارت المعالِجة النفسية إلى حالة طفل عمره ست سنوات عانت والدته لفترة طويلة بسبب لمس عضوه التناسلي بشكل مستمر، وكانت تعنفه فيزداد إصرارا، وبعد ذهابها إلى مركز المعالجة انتهت معاناتها بجلسة واحدة.

المصدر : الجزيرة