آخر فصول أزمة الدواء بالسودان: لا تخدير للأسنان

تفاقم أزمة الدواء في السودان تضع البلاد بين نيران الداء والدواء
تفاقم أزمة الدواء في السودان وضع البلاد بين نيران الداء والدواء (الجزيرة)
 
عاشت رماز (30 عاما) وعائلتها يوما عصيبا وهم يطرقون أبواب الصيدليات المنتشرة في العاصمة السودانية الخرطوم، بحثا عن جرعات داء الكَلَب لمداواة شقيقتها الصغرى التي عضها كلب منزلي.

وزاد قلق عائلتها بعد مرور 24 ساعة دون حصولهم على العلاج المناسب، خوفا من إصابة صغيرتهم بداء الكلَب وبالتالي موتها.

وتقول رماز للجزيرة نت "استنفرنا جميع أقربائنا ومعارفنا في الخرطوم بحثا عن جرعات داء الكلب دون جدوى، إلى أن حصلنا على الجرعات عبر أصدقاء وفروها من إحدى الصيدليات التي تعمل في تجارة الدواء عبر الشنطة (الحقيبة)، وهي ظاهرة درج المتعاملون فيها على جلب الدواء المعدوم من الخارج بطرق غير رسمية".

لم يكن حال آمنة أفضل من رماز، حيث ظلت في رحلة بحث طويلة عن دواء لوالدتها المريضة نفسيا.

تقول آمنة للجزيرة نت "عشنا أسبوعا سيئا تدهورت معه حالة والدتي النفسية والجسدية، حيث تعاني من مرض الفصام، وتأخر العلاج حرمها من النوم ليلا ونهارا، وفقدت شهيتها تماما إلى أن حصلنا على الدواء أخيرا".

معاناة رماز وآمنة جزء من أزمة حادة يعيشها السودانيون منذ قرار الحكومة في الخرطوم تحرير أسعار الدواء قبل عامين باستثناء أدوية معينة، وتفاقمت حاليا بارتفاع أسعار الدولار (الذي وصل سعره الرسمي إلى 47.5  جنيها، وإلى 52 بالسعر الموازي) مع ندرة في بعض الأدوية التي منها ما هو منقذ للحياة.

رفوف خالية
وكشفت جولة "للجزيرة نت" على نحو عشرين صيدلية في أنحاء متفرقة من الخرطوم، وجود نقص في نحو 17 صنفا دوائيا، بينها أدوية منقذة للحياة ولمرضى القلب والحديثي الولادة وغرف الإنعاش، فيما بدت رفوف بعض الصيدليات فارغة تماما من الأدوية.

وعبّر الصيدلي أحمد عن قلقه من فقدان زبائنه جراء تلك الأزمة، وقال للجزيرة نت "على مدار الأشهر الخمسة الفائتة، كنت أحرر فواتير لشراء أدوية بقيمة 250 ألف جنيها (5293 دولارا) ولا أحصل على ما يتجاوز مبلغ العشرين ألف جنيها (423 دولارا)"، مضيفا أن المخزون لديه تراجع بنسبة 30%.

undefined

أما الصيدلي يوسف فيؤكد أن أزمة الدواء جعلتهم في مواجهة مع المواطن، وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الأزمة أعاقت فئات تعتبر ضعيفة من تناول العلاج المناسب، وقال "من الوصفات التي تصلنا 40% منها يعجز أصحابها عن شراء الدواء لارتفاع أسعاره".

مبادرات للحل
وتتبادل الحكومة والشركات المستوردة للأدوية الاتهامات حيال التسبب في الأزمة، مع تأكيدات حكومية بتوفر جميع الأدوية في صيدليات هيئة الإمدادات الطبية (جهاز حكومي) وبأسعار أقل بنسبة 45% من السوق.

وحمّل الاتحاد العام للصيادلة الحكومة في الخرطوم مسؤولية الأزمة، وعزا أسبابها لانهيار العملة المحلية مقابل العملات الصعبة، وحذر من تفاقم الأزمة مع نفاد مخزون الأدوية بالشركات والصيدليات مع صعوبة الاستيراد بالسعر المعلن للدولار.

وطالب رئيس اتحاد الصيادلة صلاح إبراهيم الحكومة بدعم الدواء، وقال للجزيرة نت "إن الشركات المستوردة لن تخفض سعر الدواء وتتعرض للخسارة، ولا يمكن أن تستورده بسعر صرف 47.5 جنيها للدولار وتبيع وفق تسعيرة الصرف القديمة (30 جنيها للدولار)، وفق ما حدد المجلس القومي للأدوية والسموم (جهاز حكومي)".

وكشف إبراهيم عن حلول طرحها المستوردون للحكومة ينتظر البت فيها وتتصل بموافقة المستوردين على التنازل عن جزء من أرباحهم مقابل تحمل الدولة الجزء الآخر، ليقع العبء الأقل على المواطن.

 

اعتراف وزير
ورغم نفي وزير الصحة الاتحادي محمد أبو زيد -في تصريحات سابقة- وجود نقص في الأدوية، فقد اعترف وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة بوجود نقص في بعض الأدوية، منها أدوية قال إنها أساسية.

وقال حميدة في منتدى عقد بالخرطوم "هناك أدوية مهمة على مستوى الصيدليات والمستشفيات اختفت تماما، منها الهيدروكرتزون والمخدر النصفي، كما اختفت منذ فترة أدوية التخدير الخاصة بطب الأسنان مما يعني توقف تلك المهنة تماما".

وأكد استشاري الأمراض الصدرية الدكتور حاتم إلياس أن تغيير جرعات العلاج من صنف إلى آخر من شأنه أن يشكل خطرا على صحة المريض، وقال في منتدى عقد بالخرطوم لمناقشة الأزمة "إن كثيرا من المرضى يعودون إليه بسبب عدم توفر العلاج، مما جعله يحرر أكثر من وصفة بعلاجات بديلة".

المصدر : الجزيرة