مؤشر كتلة الجسم وخِفّته التي لا تطاق

مؤشر كتلة الجسم وخِفّته التي لا تطاق .الكاتب: مانفريد جيه. مولر

undefined

مانفريد جاي. مولر

الآن هو الوقت من العام الذي يخشى فيه أغلبنا الوقوف على الميزان في الحمام. ولكن في حين أن كل ولائم العطلات ربما أدت إلى زيادة قياس محيط الخصر، فكيف ينبغي لنا أن نفهم ماذا تعني زيادة وزن الجسم أو انخفاضه؟

كان مؤشر كتلة الجسم يستخدم لفترة طويلة في علم الأوبئة والطب وعلوم التغذية، ولكن قيمة هذا المؤشر أصبحت موضع تشكيك على نحو متزايد، وخاصة في مجال أبحاث السمنة، حيث بدأت قياسات تكوين الجسم تثبت كونها أوثق صلة بالأمر.

يتم حساب مؤشر كتلة الجسم بقسمة وزن جسم الشخص بالكيلوغرام على مربع طوله بالمتر (كيلوغرام/متر مربع). في البداية اكتسب هذا المؤشر اسم الفلكي وعالِم الرياضيات والإحصائي البلجيكي أدولف كويتيليت، والذي أظهر في عام 1835 كيف يزيد وزن البالغين عادة بما يتناسب مع مربع الطول. وقد زودنا هذا المؤشر بمقياس لوزن الجسم بصرف النظر عن قوامه، الأمر الذي سمح لنا بالمقارنة بين أوزان قِصار القامة وطِوالها.

مؤشر كتلة الجسم يحسب بقسمة وزن جسم الشخص بالكيلوغرام على مربع طوله بالمتر (كيلوغرام/متر مربع)

ارتباط بكتلة الدهون
وفي عام 1972، رأى العالم الأميركي أنسل كيز الذي كان يعمل في مجال التغذية البشرية والصحة العامة وعلم الأوبئة أن يسميه مؤشر كتلة الجسم، بعد أن اكتشف أن قيمته ترتبط أيضا بكتلة الدهون في الجسم والتي يمكن استنباطها من قياسات ثنايا الجلد أو كثافة الجسم.

غير أن اكتشافات حديثة ألقت بظلال من الشك على قيمة مؤشر كتلة الجسم. فعلى سبيل المثال، برغم ارتباط مؤشر كتلة الجسم بكتلة الدهون في الأشخاص البُدن، فإن هذا الارتباط يتضاءل أو ينعدم في الأفراد الطبيعيين أو الذين يعانون من نقص الوزن.

ففي أي درجة من مؤشر كتلة الجسم تتراوح كتلة الدهون على نطاق واسع، وتعمل متغيرات أخرى مثل الجنس أو السن على تشويه النتائج بدرجة أكبر، مع ملاحظة زيادات أكبر في كتلة الدهون عن كل وحدة من مؤشر كتلة الجسم في النساء وكبار السن.

ورغم أن مؤشر كتلة الجسم وسيلة غير علمية لوصف حالة الشخص الغذائية، فقد استُخدِم كمقياس لإجمالي كتلة الدهون في الجسم في الممارسة الطبية والدراسات الوبائية، وخاصة لسهوله حسابه وتوثيقه في السجلات الصحية الشخصية. فعادة، يستخدمه الأطباء لتصنيف المريض باعتباره "ناقص الوزن" (حيث قيمة مؤشر كتلة الجسم أقل من 18.5)، أو "طبيعي الوزن" (من 18.5 إلى 25)، أو "زائد الوزن" (من 25 إلى 30)، أو "بدين" (أكثر من 30).

ارتفاع الخطر
ويتم تحديد هذا النهج في التصنيف بالاستعانة ببيانات مستمدة من عامة السكان، واستنادا إلى افتراض مفاده أن خطر الإصابة بأمراض الأيض (التمثيل الغذائي) أو أمراض القلب والأوعية الدموية يرتفع عند الطرف الأعلى -وأحيانا الطرف الأدنى- من نطاق مؤشر كتلة الجسم.

بالرغم من الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم لا يزيد بالضرورة من خطر الموت، فإن الأطباء يعتبرون فئات مؤشر كتلة الجسم أساسا مفيدا للوقاية والعلاج

وبالرغم من الدراسات الحديثة التي تشير إلى أن ارتفاع مؤشر كتلة الجسم لا يزيد بالضرورة من خطر الموت، فإن الأطباء يعتبرون فئات مؤشر كتلة الجسم أساسا مفيدا للوقاية والعلاج.

بيد أن هذا الاستخدام لا يخلو من أوجه قصور خطيرة. فلأن المؤشر يُحسَب استنادًا إلى قياسين بيولوجيين وهما الوزن والطول، فإن النتيجة الناجمة عنه لا تحمل قيمة بيولوجية في حد ذاتها. وبالتالي فإن دراسات البدانة من الناحية الوراثية والتي تستند إلى العلاقة بين علامات وراثية بعينها ومؤشر كتلة الجسم تصبح أيضا بلا قيمة.

والواقع أن استخدام مؤشر كتلة الجسم من المرجح أن يشوش فهمنا للتأثيرات الوراثية على وزن الجسم. وهذا لأن وزن الجسم يشكل مجموع أجهزته وأنسجته، وكل عضو أو جزء في الجسم له أساس تنظيمي خاص وبالتالي أساس وراثي بشكل جزئي فقط.

كل مكون على حدة
وبوسعنا أن نفهم المزيد عن كتلة الأعضاء والأنسجة على سبيل المثال، أو تغلغل الدهون في الأعضاء الفردية مثل الكبد والبنكرياس، من خلال التركيز على طبيعة كل مكون من مكونات الجسم وليس الاعتماد على مجموع الجسم في العموم.

والواقع أن تنظيم وزن الجسم الكلي يتحدد من خلال جمع نتائج تنظيمية محددة تؤثر على مكونات الجسم الفردية. ولأن مكونات الجسم الفردية مترابطة فيما بينها، فيبدو أن التحكم في وزن الجسم يحدث في العلاقات بين الأنسجة والأعضاء وليس داخل المكونات الفردية.

ومن المرجح أيضا أن يسفر ضبط الوزن استنادا إلى مربع الطول عن نتائج مختلفة تبعا لاختلاف أعضاء الجسم وأجهزته. فبالرغم من أن العديد من مكونات الجسم تتناسب مع "أس" الطول بما يقرب من اثنين، فإن مكونات أخرى لا تنطبق عليها هذه القاعدة.

فالمخ والعظام وكتلة المعادن تتناسب مع أس الطول بأكثر من اثنين، في حين تتناسب كتلة الدهون مع أس الطول بما يتراوح بين 1.8 إلى 2.6، اعتمادا على المجموعة الخاضعة للدراسة من السكان ووسائل القياس المستخدمة.

قد يختلف تكوين الجسم بين قصار القامة وطوال القامة على نفس درجة مؤشر كتلة الجسم من نفس المجموعة السكانية

باختصار، قد لا يتناسب وزن الجسم ودهون الجسم مع الطول بنفس "الأس". فقد يتباين هذا الأس بين مجموعة سكانية وأخرى، وقد يختلف تكوين الجسم بين قصار القامة وطوال القامة على نفس درجة مؤشر كتلة الجسم من نفس المجموعة السكانية.

وبوسعنا أن نجد المزيد من الأدلة التي تدعم استخدام تحليل تكوين الجسم بدلا من مؤشر كتلة الجسم في عدم التجانس الأيضي الملحوظ بين أفراد كل فئة من فئات مؤشر كتلة الجسم. فعلى سبيل المثال، قد نجد لدى أفراد مجموعة فرعية من أصحاب الأوزان الطبيعية الخاضعين للدراسة كتلة دهون منخفضة تحت الجلد ولكن كتلة دهون حشوية عالية "أي نحافة في الخارج ودهون في الداخل".

وبالرغم من أن مؤشر كتلة الجسم لديهم طبيعية، فإن الأفراد البُدن بسبب اضطرابات التمثيل الغذائي -وهي الفئة التي قد تضم نحو 24% من السكان من ذوي الوزن الطبيعي- قد تكون أجسامهم مقاومة للإنسولين، وقد يعانون من زيادة مخاطر أمراض القلب والتمثيل الغذائي.

تمثيل غذائي مُرض
وعلى نحو مماثل، يبدو أن نصف الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، ونحو 15% إلى 45% من أولئك الذين يعانون من السِمنة، يتمتعون بتمثيل غذائي مُرضٍ (أي أنهم لا يعانون من تعقيدات متعلقة بالتمثيل الغذائي أو التهابات أو دهون الدم أو ارتفاع ضغط الدم).

نصف الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن، ونحو 15% إلى 45% من أولئك الذين يعانون من السِمنة، يتمتعون بتمثيل غذائي مُرضٍ

وعند مؤشر كتلة الجسم أعلى من 30 فإن هؤلاء الأفراد يصنفون باعتبارهم "سِمانا أصحاء من حيث التمثيل الغذائي". ومثلهم كمثل المرضى السمان المعرضين لمخاطر أمراض القلب والتمثيل الغذائي "غير الأصحاء من حيث التمثيل الغذائي"، فإنهم يتسمون بارتفاع كتلة الدهون الحشوية وتحت الجلدية، ولو أن السمان الأصحاء من حيث التمثيل الغذائي يتسمون في بعض الأحيان بدهون جسم مفرطة ولكن نسبة منخفضة من تغلغل الدهون في الكبد والعضلات الهيكلية.

ولكن الفوارق بين السمان الأصحاء من حيث التمثيل الغذائي والسمان غير الأصحاء من حيث التمثيل الغذائي متباينة. ورغم أن عوامل مثل العمر والجنس والعِرق ومحيط الخصر والنشاط البدني والتدخين وتعاطي الخمر ترتبط بالأنماط الظاهرية المتعلقة بالتمثيل الغذائي، فإن مؤشر كتلة الجسم غير قادر على التمييز بين المجموعتين.

ومن الظلم أن نقول إن مؤشر كتلة الجسم بلا قيمة سريرية، فهو يصلح كمؤشر مفيد للصحة الغذائية لدى المرضى، وقد يساعد الأطباء في اتخاذ القرارات اليومية بشأن المرضى الذين يعالجونهم. ولكن يتعين علينا أن نلجأ إلى قياسات تكوين الجسم عندما نتعامل مع أي دراسة جادة تتناول البدانة أو السمنة من حيث ارتباطها بالمرض أو مسبباته.
—————
* أستاذ علم وظائف الأعضاء في جامعة كريستيان ألبريخت في كيل، ألمانيا

المصدر : بروجيكت سينديكيت