بعد ملاحقتها وشطبها.. هل استحوذ الجيش على صيدليات رشدي بمصر؟

صيدليات 19011 المملوكة للجيش تواصل التمدد واحتكار سوق الدواء في مصر
صيدليات 19011 المملوكة للجيش تواصل التمدد واحتكار سوق الدواء (الإعلام المصري)

خاص الجزيرة نت-القاهرة

أثار استحواذ مجموعة صيدليات 19011 على 100% من أسهم مجموعة صيدليات رشدي (95 صيدلية) -بعد ملاحقتها قضائيا وشطب مالكها نقابيا- اللغط مجددا بشأن هوية المالك وتوسعه في السوق المصري بشكل سريع ومريب، فضلا عن احتكار تجارة الأدوية من جهة، ورسم صورة سلبية عن أجواء الاستثمار من جهة أخرى.

وتعد هذه الصفقة -التي بلغت قيمتها 362.04 مليون جنيه- الثانية بعد استحواذ صيدليات 19011 على مجموعة "إيمدج" المالكة لـ 17 صيدلية مقابل ثمانين مليون جنيه (الدولار يبلغ 15.7 جنيها) لترفع المجموعة الجديدة عدد فروعها إلى أكثر من مئتي صيدلية بهدف امتلاك أكبر فروع على مستوى الجمهورية، وفق موقع البورصة المحلي.

العام الماضي، واجهت مجموعة صيدليات رشدي والعزبي (الأكثر انتشارا في البلاد) متاعب قضائية ونقابية، حيث قررت وزارة الصحة شطب الدكتور حاتم رشدي والدكتور أحمد العزبي من سجلات الصيادلة بالوزارة.

وجاء القرار بعد تأييد محكمة استئناف القاهرة قرار هيئة تأديب نقابة الصيادلة بإسقاط عضوية العزبي ورشدي أصحاب سلاسل الصيدليات الشهيرة، وتخفيف عقوبة إسقاط العضوية بحق 25 صيدليا آخرين، إلى وقفهم عن مزاولة المهنة لمدة سنة بدعوى مخالفتهما القانون بامتلاك أكثر من صيدلية.

وتعد ظاهرة سلاسل الصيدليات التي انتشرت في البلاد العقد الأخير مخالفة للقانون لأنها تتحايل على القانون الذي يجرم امتلاك سلاسل الصيدليات، ويحظر على الصيدلي امتلاك أو المشاركة في أكثر من صيدليتين وألا يدير إلا واحدة، وفق نقابة الصيادلة.

دخل الجيش بقوة في سوق الدواء والرعاية الطبية عام 2016  (رويترز)
دخل الجيش بقوة في سوق الدواء والرعاية الطبية عام 2016  (رويترز)

سيطرة الجيش
وبعد عملية الاستحواذ ثار اللغط مجددا حول المالك الحقيقي لسلسلة صيدليات 19011، لاسيما وأن الدولة تحارب جميع سلاسل الصيدليات بينما تسمح لها بالعمل بحرية في مختلف المحفظات وإطلاق حملات إعلانية، مما جعل البعض يشير إلى الجيش بالبنان بالتزامن مع توسعه في جميع النشاطات الاقتصادية، وهو ما نفاه المتحدث الرسمي للقوات المسلحة.

وما عزز هذه الشكوك تبني مجموعة من الصيادلة الشبان منتصف العام الماضي تأسيس تلك العلامة التجارية التي تضم هذا العدد الضخم من الصيدليات في زمن قياسي (ثلاث سنوات) الأمر الذي يتطلب ثروة كبيرة من المال لا تتاح لسبعة من الصيادلة الشبان.

واستدعى رواد مواقع التواصل صورة من صحيفة الحالة الجنائية لمؤسسي العلامة التجارية، بعد حضورهما حلقة ببرنامج الإعلامي عمرو أديب في سبتمبر/أيلول الماضي، موجهة لمجلس الدفاع الوطني (الجيش) مما يعني أنه الجهة المالكة للعلامة التجارية.

مصدر مطلع أكد للجزيرة نت أن سلسلة الصيدليات تتبع الجيش، وتحديدا جهاز المخابرات العامة، وربما يشير اسمها (19011) إلى تاريخ ميلاد الرئيس عبد الفتاح السيسي 19 نوفمبر/تشرين الثاني.

احتكار الدواء
وعن أهمية قطاع تجارة الأدوية، يقول الدكتور مراد علي الرئيس السابق لإحدى شركات صناعة الدواء  "ما يميز هذا القطاع توفير السيوبة النقدية، فالصيدلية تشتري أدويتها بالأجل (الدفع لاحقا) وتتحصل على ثمنها نقديا".

وأضاف في حديثه للجزيرة نت "لذلك فإن التوسع في هذا المجال يتيح الحصول على حسومات عالية وميزات ائتمانية من شركات الأدوية" وبالتالي تتوفر لها سيولة كثيرة، ولكنها تعزز سياسة الاحتكار.

وإذا ما كان سينعكس ذلك بالإيجاب على المستهلك، أكد علي أن "الجهة الوحيدة المستفيدة من هذا التوسع والاحتكار هي الشركة المالكة للعلامة التجارية لأن سعر الدواء واحد بالنسبة للمواطن أيا كانت الصيدلية التي سيشتري منها".

على الصعيد الاقتصادي، حذر الدكتور حسام الشاذلي أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الإستراتيجي الزائر بجامعة كامبردج من مغبة سيطرة شركة واحدة على قطاع الدواء، قائلا "لا شك أن هذه الإجراءات تمثل منعطفا متطرفا يمس سوق الدواء بصورة مباشرة والاستثمار المحلي بصورة عامة".

وأشار الشاذلي في تصريحات للجزيرة نت إلى أن هذه الخطوة رسالة واضحة بأن مصر ليست دولة للسوق الحر ولا للمنافسة المفتوحة التي تمثل عصب تطور أي سوق، فقد تحول السوق المصري إلى سوق احتكاري يتحكم فيه الجيش.

من جانبه، أعرب المحلل المالي والاقتصادي حسن هيكل -عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر- عن انزعاجه من عملية الاستحواذ، ووصفها "بالانقلاب الناعم" في سوق الدوا لأنه ينبئ بميلاد احتكارات وتحكمات قادمة.

وزارة "الدفاع والمنافع"
ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي صيف 2013 عندما كان وزيرا للدفاع، توسع نشاط الجيش عبر ثلاث جهات رئيسية: وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على عشرين شركة، ووزارة الدفاع ممثلة بالهيئة الهندسية، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة والمسؤولة عن 12 شركة.

وتنوعت الأنشطة الجديدة للجيش بين قطاعات المقاولات والبنية التحتية والإسكان ومصانع الحديد والصلب والأسمنت والمصانع الكيميائية والأسمدة، بالإضافة إلى الأنشطة الزراعية والسمكية ومجال السياحة والفندقة ومحطات الوقود، ومنافذ توزيع السلع الغذائية واللحوم وغيرها.

وانتبه الجيش للمنافع التي يمكن أن يحصدها من القطاع الصحي، حيث حصل عام 2016 على امتياز توريد المستلزمات الطبية للمستشفيات الحكومية، من خلال إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة والمجلس الأعلى للجامعات، كما حصل على رخصة تأسيس الشركة المصرية الوطنية للمستحضرات الدوائية في وقت لاحق عام 2017.

وبحسب موقع وزارة الدفاع فإن الخدمات الطبية هي إحدى الإدارات التابعة لهيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة وتشرف على زهاء خمسين مستشفى ومركزا طبيا مما يجعلها ثاني أكبر مقدّم للرعاية الصحية في البلاد بعد وزارة الصحة، وفق مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة