بجانب العقوبات.. الضغوط الاقتصادية تشتد على إيران بسبب كورونا

أحد عمال النظافة يعقم المجمع التجاري برش مواد التنظيف على الكراسي و مسكات الأبواب.
ضعف الحركة الشرائية في السوق الإيرانية يشد الخناق على الطبقة المتوسطة من الناس (الجزيرة)

محمد رحمن بور-طهران

يرفع الشاب محسن لافتة على إحدى الطرق الرئيسية في وسط مدينة شيراز السياحية جنوب إيران، يعلن فيها عن بيوت للإيجار وشقق سكنية، لعله يجد سائحا يبحث عن مكان للمبيت.

اقتربنا من محسن نسأله عن عدد السياح بعد انتشار فيروس كورونا في إيران ليجيبنا بنبرة ملؤها الحسرة "انقرض السياح".

ويستمر محسن في حديثه للجزيرة نت "أقف هنا منذ خمس ساعات، ولم أجد زبونا حتى الآن، وهذا لا يحدث عادة لأننا في الموسم السنوي لبدء الرحلات واقتراب رأس السنة الجديدة في إيران".

إلغاء الحجوزات
على مسافة بضعة أمتار دخلنا إلى فندق يورد للسؤال عن الحجوزات، استقبلنا مسؤول الفندق ويدعى إسكندري، ليجيبنا بأن نسبة الحجوزات والمسافرين قد انخفضت بنسبة 75% تقريبا، في حين وصل عدد السياح الأجانب في الفندق إلى الصفر.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المطاعم والمحال التجارية، أشار غالبيتهم إلى انخفاض ملحوظ في الحركة الشرائية، مقارنة بالسنة الماضية بحدود 50% إلى 70% تقريبا.

عدد السياح في إيران تراجع بشكل كبير إثر انتشار فيروس كورونا (الجزيرة)
عدد السياح في إيران تراجع بشكل كبير إثر انتشار فيروس كورونا (الجزيرة)

تدهور اقتصادي
تدهور الاقتصاد الإيراني بعد فرض العقوبات الأميركية التي تسببت بانخفاض كبير بالصادرات النفطية، وكذلك إدراج إيران ضمن القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي الدولي لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال في 21 فبراير/شباط.

واشتدت الضغوطات الاقتصادية على إيران بعد أزمة انتشار فيروس كورونا وانخفاض الحركة الشرائية في الداخل، وكذلك إغلاق الحدود مع دول الجوار وتوقف صادراتها غير النفطية، التي تعتبر من أهم الشرايين الاقتصادية للبلد.

ويقول الاقتصادي وخبير الشؤون الدولية الدكتور صباح زنكنه في حديثه للجزيرة نت إن الاقتصاد الإيراني سيتأثر بالطبع مع تفشي هذا الفيروس، تماما كما تضررت الكثير من الدول والشركات العالمية الكبرى وتراجعت بورصة الدول الاقتصادية مثل الصين واليابان والولايات المتحدة.

وأضاف زنكنه أن ثمة علاقات متشابكة بين اقتصاد إيران ودول المنطقة، ومسألة إغلاق حدود الدول المجاورة مع إيران بسبب انتشار الفيروس، سيكون مؤقتا ولن يستمر طويلا، لتضرر تلك الدول أيضا من هذا الأمر.

وأشار إلى أن استمرار هذا الحال سيجعل عشرات الآلاف من العمال يخسرون أعمالهم وستعلن العديد من الشركات إفلاسها.

في ظل استمرار التراجع الاقتصادي سيخسر عشرات الآلاف من العمال أعمالهم وستعلن العديد من الشركات إفلاسها (الجزيرة)
في ظل استمرار التراجع الاقتصادي سيخسر عشرات الآلاف من العمال أعمالهم وستعلن العديد من الشركات إفلاسها (الجزيرة)

رقمنة الاقتصاد
وأضاف زنكنه أن الاقتصاد الإيراني متجه نحو الرقمنة، مما سيساعد الحركة الاقتصادية في البلد دون الحاجة للحضور الشخصي في الشوارع، وكذلك مع نسبة الأمطار الجيدة هذه السنة، يتوقع انتعاشا زراعيا، يعوض بعض الخسائر الاقتصادية بسبب كورونا.

ووصل حجم صادرات النفط الإيراني بحسب مراقبين إلى 300 ألف برميل يوميا تحت وطأة العقوبات، في حين وصل حجم الصادرات غير النفطية إلى أربعين مليار دولار في السنة الماضية، كما وصلت العائدات السياحية قرابة 12 مليار دولار في العام نفسه.

وفي ظل انتشار فيروس كورونا وعدم إمكانية التصدير في الوضع الراهن، وكذلك إلغاء الحجوزات وضعف الحركة الشرائية في السوق الإيرانية، يشتد الخناق على الاقتصاد لا سيما عند الطبقة المتوسطة من الناس وخصوصا عمال السوق.

تراجع حركة السوق
يقول بوريا ملكي، المدير التنفيذي للمجمع التجاري مهستان في شيراز في حديثه للجزيرة نت، إنه مع ارتفاع الأسعار منذ بداية السنة اتجه المواطنون نحو شراء السلع الأساسية فقط.

وبعد الاحتجاجات الأخيرة في البلاد بسبب ارتفاع سعر البنزين وكذلك التوتر بين إيران والولايات المتحدة، تراجعت حركة السوق، ليستمر أمل الباعة إلى قبل العيد (رأس السنة في إيران)، ولكن مع انتشار الفيروس، انخفضت نسبة الزبائن إلى 90% وأصبحت الأوضاع الاقتصادية للباعة صعبة جدا في هذه السنة.

‪المواطنون يتجهون لشراء السلع الأساسية فقط مما جعل الأسواق التجارية تخلو من الزبائن‬ (الجزيرة)
‪المواطنون يتجهون لشراء السلع الأساسية فقط مما جعل الأسواق التجارية تخلو من الزبائن‬ (الجزيرة)

النمو الاقتصادي والتضخم
انكمش معدل النمو الاقتصادي بإيران في الأشهر التسعة الأخيرة إلى 7.6-%، في حين وصلت نسبة التضخم إلى 37% بحسب مركز الإحصاء الإيراني.

ويقول الدكتور جمشيد بجويان، الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي في حديثه للجزيرة نت، إن أحد أسباب التضخم المرتفع في البلاد يعود إلى انخفاض قيمة العملة المحلية في إيران وتصدير السلع إلى دول الجوار.

وأشار بجويان إلى أن عدم تصدير إيران لمنتوجاتها غير النفطية سيزيدها خسارة، لكن في المقابل ستعود كل هذه السلع إلى السوق المحلية وتساعد بانخفاض التضخم المرتفع.

وبالنظر إلى جميع المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها إيران مثل عدم وجود سياسات اقتصادية مناسبة وكذلك العقوبات الأميركية ووضعها على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي وارتفاع التضخم، بلغت الأزمة أشدها على الإطلاق مع انتشار فيروس كورونا في البلاد، لتضع الاقتصاد الإيراني تحت مطرقة الضغوطات في الوقت الراهن.

المصدر : الجزيرة