تهوين وتهويل ومغالطات.. كيف يتلاعب المسؤولون بالأرقام لخداع المصريين؟

الصفحة الرسمية للسيسي
النظام أنفق نحو 8 مليارات دولار على مشروع قناة السويس دون تحقيق أي منافع ملموسة (مواقع التواصل)
عبد الرحمن أحمد-القاهرة 
"كل الهدايا اللي جات لي (تلقيتها) قد الأرقام دي (تعادلها) ألف مرة" بهذا التصريح حاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التهوين من الحديث عن إهدار المليارات في بناء القصور والمنشآت التي كشفها المقاول والممثل المصري محمد علي خلال الأسابيع الماضية.

البعض نظر إلى تصريح السيسي الذي أطلقه في مؤتمر الشباب الأخير الأسبوع الماضي باعتباره نوعا من المبالغات غير المقصودة، لكن مراجعة تصريحات السيسي ومسؤوليه المتكررة تكشف عن سياسة متبعة لخداع الشعب تعتمد على التلاعب بالأرقام.

وبعملية حسابية بسيطة، فإن حديث السيسي عن ألف ضعف الأرقام المتداولة والتي كان أقلها 2.3 مليون جنيه لمقبرة والدته ووصلت إلى المليارات في المشاريع الأخرى فإننا نكون أمام "هدايا" تتجاوز قيمتها ملياري جنيه وفق أقل الأرقام لتصل إلى تريليونات عدة، وهي أرقام مستحيلة منطقيا.

وفيما كان القول السائد قديما أن الأرقام لا تكذب فإن المتلاعبين بالأرقام جعلوا منها وسيلة للكذب والخداع وتمرير المعلومات المغلوطة، بتهوينها مرة وتهويلها أخرى.

مراجعة تصريحات السيسي ومسؤوليه تكشف عن سياسة متبعة لخداع الشعب بالتلاعب بالأرقام (مواقع التواصل)
مراجعة تصريحات السيسي ومسؤوليه تكشف عن سياسة متبعة لخداع الشعب بالتلاعب بالأرقام (مواقع التواصل)

مشاريع وشائعات
في يناير/كانون الثاني 2018 وأثناء كلمته في مؤتمر "حكاية وطن"، أعلن السيسي أن نظامه أنجز خلال أقل من 4 سنوات ما يقارب 11 ألف مشروع "بمعدل ثلاثة مشروعات في اليوم الواحد"، بتكلفة تبلغ نحو تريليوني جنيه، داعيا المصريين إلى عدم التعجب من تلك الأرقام لأن "كتير من اللي بيتعمل إنتوا مابتشوفوهوش" على حد تعبيره.

ورغم ما بدا واضحا من التهويل في حجم المشروعات فإنه حمل مغالطة حسابية فجة، فمعدل الثلاثة مشروعات اليومية يعني أنه لا يمكن إنجاز أكثر من 4380 مشروعا في أربع سنوات، في حين أن تنفيذ 11 ألف مشروع في المدة نفسها يتطلب إنجاز ما يقارب سبعة مشروعات ونصف مشروع يوميا.

وبعد ثلاثة أشهر خرج وزير القوى العاملة محمد سعفان ليقول في كلمة رسمية ألقاها نيابة عن السيسي بمؤتمر العمل العربي الـ45 في أبريل/نيسان 2018 إن الفترة ما بين عامي 2014 و2018 شهدت "11 ألف مشروع بتكلفة ثلاثة تريليونات جنيه"، بزيادة قدرها تريليون جنيه عن تصريح السيسي السابق.

وعادت أرقام المشروعات وتكلفتها لتنخفض على لسان رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي هذه المرة الذي صرح في مارس/آذار 2019 بأنه تم إنفاق أكثر من تريليوني جنيه في نحو 9039 مشروعا حتى ديسمبر/كانون الأول 2018، أي بعد سنة كاملة من تصريحات السيسي وبانخفاض يصل إلى ألفي مشروع.

رقم آخر ألقاه السيسي خلال كلمته بحفل لتخريج طلبة كليات عسكرية في يوليو/تموز 2018 قال فيه إن نظامه واجه 21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر.

وأثارت كلمة السيسي ردود أفعال ساخرة لعدم منطقية هذا الرقم الذي يعني أن هناك 233 شائعة يوميا بمتوسط يقترب من عشر شائعات تطلق كل ساعة، أو شائعة كل ست دقائق.

الاحتياطي والديون
دأب النظام وإعلامه على الاحتفاء بارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والذي تجاوز 45 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب الماضي، وفق تصريحات محافظ البنك المركزي طارق عامر، لكن في المقابل لا يتم الإشارة إلى دور الديون الخارجية في هذا الارتفاع، والتي وصلت وفق البنك المركزي والبنك الدولي إلى 106 مليارات دولار بنهاية مارس/آذار الماضي.

ألاعيب التفريعة
أنفق النظام نحو ثمانية مليارات دولار على مشروع تفريعة قناة السويس التي أطلق عليها "قناة السويس الجديدة" دون أن تحقق أي منافع اقتصادية ملموسة، ولم يجد القائمون عليها إلا اللجوء إلى التلاعب بالأرقام لخداع الشعب وتبرير النفقات المهدرة.

وفي عام 2015 توقع رئيس الهيئة العامة لقناة السويس وقتها الفريق مهاب مميش أن يصل دخل قناة السويس بعد التوسعة الجديدة إلى ثمانية مليارات دولار سنويا في أول عامين (حتى 2017)، ثم يرتفع إلى 13.4 مليار دولار بحلول عام 2023، بعدما كان الحديث في بداية المشروع عن عائدات تبلغ 100 مليار دولار سنويا.

وبينما كانت التقارير الرسمية تشير إلى انخفاض إيرادات القناة بحوالي 240 مليون دولار خلال السنة الأولى لافتتاح التفريعة الجديدة (2016/2015) لجأ مميش إلى التلاعب بالأرقام، وأعلن إيرادات القناة بالجنيه المصري بدلا من الدولار، زاعما تحقيق رقم قياسي للإيرادات.

واستغل مميش تعويم العملة المحلية وانخفاضها الكبير أمام الدولار منذ 2016 لإعلان المزيد من أرقامه القياسية للإيرادات بالجنيه رغم مزيد من الانخفاض في الإيرادات عام 2017/2016 (بلغت 5 مليارات فقط بدلا من 5.1 مليارات في العام السابق).

يمكن كشف التلاعب بالأرقام بعمل بعض العمليات الحسابية البسيطة (الجزيرة)
يمكن كشف التلاعب بالأرقام بعمل بعض العمليات الحسابية البسيطة (الجزيرة)

ولم تشهد أرقام الإيرادات بالدولار في العامين الماليين 2018/2017 و2019/2018 إلا تطورا طفيفا مقارنة بإيرادات أعوام سبقت مشروع التفريعة (بلغت الإيرادات 5.6 و5.9 مليارات دولار العامين الأخيرين مقارنة بـ5.5 مليارات دولار عامي 2010 و2014).

وفي خلط واضح، قال مميش إنه خلال أقل من عام تم استرداد المبالغ التي صرفت على "القناة الجديدة"، دون توضيح أن هذه العوائد تأتي من القناة الأصلية بالفعل ولم يكن للمشروع الجديد أي تأثير يذكر على عوائد القناة.

وفي آخر تصريحات مميش قبل مغادرة منصبه في أغسطس/آب الماضي، تحدث عن الفوائد المزعومة للتفريعة مشيرا إلى عبور 70 ألفا و679 سفينة منذ افتتاح المشروع، مما يعني متوسط 48 سفينة يوميا، وهو نفس المعدل الطبيعي لحركة المرور في القناة قبل التفريعة، بل يقل عن بعض السنوات السابقة (متوسط 59 سفينة يوميا عام 2008، و56 سفينة عام 2007، و48.8 عام 2011).

إسراف المصريين!
نوع آخر من التلاعب بالأرقام لتحميل المصريين مسؤولية الأزمات الاقتصادية واتهامهم بالإسراف والتبذير، يظهر خاصة في حديث إعلاميي النظام المتكرر عما يصفونه بإهدار الطعام على سفرة رمضان.

وتتحدث صحف وبرامج النظام عن فاتورة طعام لأكثر من 100 مليون مصري في شهر رمضان تتراوح بين 30 و50 مليار جنيه.

حسابيا يعني ذلك أن متوسط نصيب الفرد من الإنفاق على الطعام يوميا في رمضان يتراوح بين 10 و16 جنيها فقط، وهو رقم ضئيل ربما لا يكفي لسد حاجة الفرد من الغذاء في ظل ازدياد الفقر والارتفاع الباهظ في أسعار السلع الغذائية، إلا أنه يعد إسرافا وتبذيرا عند المتلاعبين بالأرقام.

المصدر : الجزيرة