لماذا تتأخر الحكومة المصرية في تسليم وحدات الإسكان الاجتماعي؟

الاف الوحدات السكنية مغلقة في وجوه شباب تنتظر الاستلام منذ سنوات. (تصوير خاص ـ وحدات الاسكان الاجتماعي بمدينة اكتوبر الجديدة ـ القاهرة يوليو 2019).
عدد الذين استلموا وحدات سكنية منذ بداية مشروع الإسكان الاجتماعي عام 2014 وحتى الآن، بلغ 242 ألفا (الجزيرة)
عبد الله حامد-القاهرة
سنوات أربع قضاها هاني -وهو محاسب- انتظارا لاستلام شقته ضمن الإعلان الثامن لمشروع الإسكان الاجتماعي، رغم تسديده كامل الدفعات، لكن صبر هاني على الحكومة لاستلام شقته لم يقابله صبر من خطيبته ففارقته، ولم يعد لانتظاره الآن معنى.
 
يقول هاني للجزيرة نت "أسعى الآن لاسترداد ما دفعته بخسارة بعد ما انخفض الجنيه لثلث قيمته عقب التعويم"، حيث سدد دفعة حجز بنحو تسعة آلاف جنيه، ثم دفعات ربع سنوية كل منها بأربعة آلاف جنيه، ليصل المجموع لنحو 25 ألف جنيه (الدولار أقل من 17 جنيها).
 
أما صبري -وهو فني سيارات بإحدى شركات الصيانة بأبي رواش غرب القاهرة- فقد بات ليلته قلقا رغم أنه استلم شقته في مدينة أكتوبر الجديدة بعد انتظار أربع سنوات، إذ رأى -وهو في طريق عودته من إجراءات الاستلام- عمارة منهارة رغم أنها مبنية منذ شهور فقط، وعلم أن المقاول غش في الأساسات الخرسانية.
 
وقال شادي -وهو اسم مستعار لسائق نقل عمل بسيارته ضمن مشروع الإسكان في أكتوبر- إنه فوجئ بمقاول يطلب منه أن يقوم سرا بإعادة تحميل ونقل الرمال المستخرجة من عمليات الحفر عقب إلقائها بعيدا في الصحراء، لاستخدامها مجددا في البناء، وهو أمر مخالف يلجأ إليه بعض المقاولين توفيرا للنفقات وتعظيما للأرباح.
 
ويقول شادي للجزيرة نت إن المقاولين يشترون أردأ الخامات من الإسمنت والحديد، وننقلها لمواقع العمل بعد أن يقوموا بوضع ملصقات عليها تخص علامات تجارية معروفة ومحددة في كراسة شروط المناقصات، وذلك لتعويض الفرق.
 
وكان وزير الإسكان أعلن في وقت سابق تسليم وحدات أكتوبر الجديدة التي يتم تنفيذها حاليا على ثلاث دفعات بنهاية سبتمبر/أيلول 2019، وهو وعد مؤجل التنفيذ منذ تقدم الحاجزون، إذ أُبلغوا -بحسب حاجزين- بأنهم سيستلمون خلال عام من تاريخ الحجز، فصار العام أعواما.
 
ومدينة أكتوبر الجديدة المنفصلة حديثا عن شقيقتها مدينة 6 أكتوبر، تضم أكبر عدد من وحدات مشروع الإسكان الاجتماعي، بإجمالي 77,480 وحدة مقسمة على أربع مراحل.
 

أسباب التأخير

في المقابل نفى علاء -وهو اسم مستعار لمهندس يعمل بالمشروع مدينة أكتوبر- أن يكون الغش وصل لدرجة الشيوع في كل العمارات.
 
واستدرك مؤكدا أن تعويم الجنيه (تحرير سعر الصرف) وارتفاع تكاليف الإنشاءات فجأة، دفع بعض المقاولين بالفعل لمحاولة تقليل النفقات قدر الإمكان، في ظل إصرار الحكومة على الاستلام دون زيادة كبيرة في المقابل المادي.
 
ويضيف علاء أن سرّ التأخر في تسليم الحاجزين أنهم -كمهندسين مفوضين من الحكومة للاستلام من الشركات- يرفضون الاستلام إلا إذا كان البناء مطابقا للمواصفات، في ظل محاولات المقاولين التلاعب تقليلا للنفقات بعد تضاعفها، وهذا ما يؤدي إلى تأخر استلام حاجزي الشقق.
 
واعترف رئيس جهاز أكتوبر الجديدة مجدي يوسف بأن شركات المقاولات تأخرت في الانتهاء من المشروعات في المواعيد المحددة، غير أنه أرجع الأمر لعدم استكمال المرافق للمشروع من كهرباء وتنسيق عام.
 
ومضى في تصريحات صحفية بالتأكيد على أن الجهاز يواصل الضغط على الشركات لتوصيل الكهرباء للوحدات، إلى جانب استكمال رصف الطرق وعمليات التشجير لتسريع التسليم. 
 
وليست مدينة أكتوبر استثناء في تأخير التسليم، إذ تشهد كافة المدن الجديدة التي تتوزع عليها وحدات المشروع نفس أزمة عدم تسلم معظم الحاجزين لوحداتهم فيها لنفس الأسباب.
 
ومن أبرز الأمثلة على تأخير التسليم، المرحلة الثامنة بمشروع الإسكان الاجتماعي في مدينة 15 مايو جنوب القاهرة، حيث أعلن نائب الرئيس التنفيذي لصندوق الإسكان الاجتماعي صلاح حسن -في بيان صحفي- أن تسليم وحدات مايو لن يكون قبل عامين، ومن يرد الاستلام المبكر فعليه تغيير رغبته إلى مدينتي أكتوبر أو بدر.
 
انخفاض التمويل
بدورها، قالت رئيسة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري مي عبد الحميد إن عدد العملاء الذين استلموا وحدات سكنية منذ بداية الصندوق عام 2014 وحتى الآن بلغ 242 ألف مواطن، بينما بلغ عدد من تم تخصيص شقق لهم 270 ألفا.
 
ولفتت رئيسة الصندوق -في تصريحات صحفية- إلى أن إجمالي التمويل الممنوح للإسكان الاجتماعي 23 مليارا و200 مليون جنيه، مؤكدة أن إجمالي مبالغ الدعم التي وجهت لمحدودي الدخل حتى الآن بلغت أربعة مليارات جنيه.
 
ويمكن تقدير جملة المبالغ التي دفعها الحاجزون بنحو ستة مليارات وسبعمئة وخمسين مليون جنيه، إذ يدفع المتقدم الواحد للحجز نحو 25 ألف جنيه، ويسدد مستلم الوحدة قسطا شهريا يصل لنحو ألف جنيه.
 
وتعهدت الحكومة بإنفاق 136.5 مليار جنيه على الإسكان الاجتماعي، بحسب ما سجله مرصد العمران -مؤسسة بحثية مختصة بالشؤون العمرانية في مصر- عبر متابعة الموازنات المعتمدة للسنوات المالية.
 
لكن الإنفاق الفعلي -بحسب الحسابات الختامية للموازنات- كان أﻗل ﻤﻥ المبلغ المعلن عنه بنسبة 57%، حيث ﺒﻠﻎ ﻤﺘﻭﺴﻁ ﺍﻹﻨﻔﺎﻕ ﺍﻟﻔﻌﻠﻲ 8.3 ﻤﻠﻴﺎﺭات ﺠﻨﻴﻪ ﺴﻨﻭيا. 
 
ويمثل انخفاض الإنفاق عن المخطط له علامة على ضعف التخطيط للإسكان الاجتماعي، وهو ما قد يشير -وفق المرصد- إلى عدد من أوجه القصور بما فيها ضعف الإمكانيات، والتعقيد الإداري، وتحويل الأموال إلى مشروعات أخرى، بالإضافة إلى عدم وجود طلب.
 
وتبلغ مساحة الوحدة ضمن المشروع تسعين مترا (3 غرف وصالة)، بإجمالي 184 ألف جنيه، على أن تكون هذه الأسعار قابلة للزيادة بحد أقصى في حدود 10%، قبل أن يُغرق التعويم اقتصاد البلاد، وتصبح الزيادة بلا قيمة.
 
وأولوية استحقاق الوحدة تبدأ بالمتزوج الذي يعول الأصغر سنا، ثم الأرملة التي تعول، ثم المطلقة التي تعول، وفي حال تساوي السن تكون الأولوية للأسرة الأكبر عددا ثم الأعزب، كما توجد نسبة 5% لذوي الاحتياجات الخاصة.
 
ويتم بيع غالبية الوحدات للمستفيدين من خلال قروض التمويل العقاري المدعوم من الدولة، بفائدة أقل من سعر السوق.
المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة