إعلان وظيفة يكشف حجم مأساة البطالة بغزة

فلسطين/ قطاع غزة/ مدينة غزة/ حي الدرج/ سوق غزة القديم (صورة مقترحة للتقرير)
خصم السلطة 50% من رواتب موظفي قطاع غزة أضر بالقدرة الشرائية وخفض من المبيعات (الجزيرة)

أيمن الجرجاوي-غزة

لم يتخيّل صاحب أحد المخابز في مدينة غزة أن يتقدم لوظيفة أعلن عنها ثلاثة آلاف شاب خلال 24 ساعة فقط، لكن المفاجأة لم تقف عند ذلك، بل تعدّت إلى تقديم حملة شهادات عليا أوراقهم لشغل وظيفة لا تحتاج إلى مؤهل علمي.

"مطلوب عامل للعمل في المعرض، وعلى الراغبين إرسال المعلومات المطلوبة برسالة أو تعليق على صفحة المخبز"، كان ذلك نص الإعلان عن الوظيفة عبر صفحة المخبز على موقع فيسبوك، فقدّم آلاف الشبان أوراقهم حتى دون معرفة طبيعة العمل الذي سيقومون به.

ورغم أن تلك أرقام صادمة، فإنها تبدو طبيعية إذا ما عُلم أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 53.7% بواقع 283 ألف معطّل عن العمل، وفق آخر أرقام الجهاز المركزي للإحصاء، وهي النسبة الأعلى في المنطقة، وتزيد عن الضفة الغربية بكثير حيث تبلغ نحو 19%.

بعد 24 ساعة من الإعلان، اضطر المخبز للإعلان عن وقف التسجيل للوظيفة، لكن الطلبات تواصلت في التدفق لنحو أسبوع بعد ذلك، كما يقول الإداري فيه محمد عدنان للجزيرة نت، إن ذلك يكشف "تعطّش" الشبان للعمل في أي فرصة يمكن أن تُتاح لهم.

كان من بين المتقدمين إلى الوظيفة جامعيون أنهوا دراسة البكالوريوس في تكنولوجيا المعلومات، والهندسة، والصحافة، والتعليم الأساسي، والعلوم المصرفية، والتمريض، والعلوم الأمنية، والمحاسبة، وعلم النفس، وبالإضافة إلى هؤلاء تقدّم الشاب أحمد نصّار الذي يحمل درجة الماجستير في الدراسات التربوية.

‪علاء النملة قال إنه لم يجد عملا مناسبا في تخصصه‬ (الجزيرة)
‪علاء النملة قال إنه لم يجد عملا مناسبا في تخصصه‬ (الجزيرة)

إحباط ويأس
الحاجة الشديدة إلى أي مصدر دخل كان الدافع الرئيسي للشاب نصّار (30 عاما) لتقديم أوراقه لشغل الوظيفة، فهو متزوج وله طفلتان تحتاجان الكثير من المتطلبات التي لا يستطيع توفيرها.

ودأب حامل درجة الماجستير على تقديم أوراقه لأي فرصة، إذ لا يترك إعلانا للعمل في محل تجاري أو مخبز أو معرض إلا تقدم إليه، بعدما فقد الأمل في العمل بشهادته حتى لو بأجر زهيد.

يقول نصّار للجزيرة نت "درست الماجستير لأزيد من فرص إيجاد عمل وأُحسّن من مستواي العلمي والاجتماعي، لكن لم يحدث ذلك إطلاقا، ودخلت في حالة إحباط ويأس واعتلال في الحالة النفسية".

لم يحصل نصّار على فرصة عمل -ولو مؤقتة- في الحكومة، أو في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أورنوا) كونه أحد اللاجئين، وفق تأكيده.

وانخفض عدد العاملين في السوق المحلي بغزة بنحو 19 ألف عامل ما بين الربع الأول والثاني من عام 2018، كما تُظهر أرقام جهاز الإحصاء، وهي أرقام تشير إلى حجم التدهور السريع في اقتصاد القطاع المنهك أصلا، يوما بعد آخر.

"العُمر بيجري وأنا بمكاني"، هكذا يقول علاء النملة الحاصل على شهادة البكالوريوس في الرياضيات بعدما تقدم إلى الوظيفة، في محاولة لتوفير دخل قد يساعده على تأمين بعض متطلبات حياته.

علاء (24 عاما) قال للجزيرة نت إنه اضطر للتقدم إلى الوظيفة لأنه لم يجد عملا مناسبا في تخصصه، بعدما عانى كثيرا أثناء عمله السابق في أحد المراكز التعليمية مقابل أجر زهيد لا يزيد عن 80 دولارا في الشهر.

منذ تخرّج الشاب من الجامعة قبل سنتين لم يُعقد أي امتحان توظيف في الحكومة أو وكالة الأورنوا، ويرى أن ذلك يرجع لأسباب سياسية، بالإضافة إلى الحصار الإسرائيلي المستمر على القطاع منذ 12 عامًا.

‪الطباع: إنهاء الحصار ضروري لتعافي اقتصاد غزة‬ (الجزيرة)
‪الطباع: إنهاء الحصار ضروري لتعافي اقتصاد غزة‬ (الجزيرة)

تسريح العمال
الأوضاع الاقتصادية المتردية رفعت معدل الفقر بين الأفراد في قطاع عزة إلى 53%، منهم 33% يعانون من الفقر المدقع، بحسب أرقام رسمية، ويأتي ذلك في ظل تلقي نحو مليون شخص (نصف السكان) مساعدات من وكالة الأونروا.

ويرجع ارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى ثلاثة أسباب رئيسية، هي الحصار، والحروب الإسرائيلية، والإجراءات التي تفرضها السلطة الفلسطينية على غزة، وفق الخبير الاقتصادي ماهر الطبّاع.

وأدى الحصار والسياسات الإسرائيلية المتعلقة بحرية السفر والبضائع إلى انخفاض الإنتاجية في كافة الأنشطة الاقتصادية بنسبة 50%، وهو ما تسبب في تسريح عدد كبير من العمال، كما يقول الطبّاع للجزيرة نت.

واستهدفت إسرائيل خلال حروبها الثلاث على القطاع أكثر من سبعة آلاف منشأة اقتصادية لم تستطع بعضها إعادة بناء نفسها، في ظل عدم صرف تعويضات لأصحابها بعد عدوان 2014.

وبالإضافة إلى ممارسات الاحتلال، وجهت الإجراءات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على القطاع -في إطار الخلاف السياسي مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ضربة قوية للاقتصاد- ولا سيما بعد خصم 50% من رواتب الموظفين.

ويقول الخبير الاقتصادي إن "خصم الرواتب أعدم القدرة الشرائية للمواطنين، مما تسبب في انخفاض المبيعات والإنتاجية، وسُحب نحو 240 مليون دولار خلال عام من الأسواق".

وفرضت السلطة الفلسطينية إجراءات على غزة في أبريل/نيسان من العام الماضي لإجبار حماس على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة القطاع، وشملت خصم 30% من رواتب الموظفين، وتقليص التحويلات الطبية، ودعم الكهرباء (تراجعت عنه)، وإحالة أكثر من 20 ألف موظف للتقاعد الإجباري المبكر.

وعلى أثر محادثات سابقة في القاهرة في سبتمبر/أيلول 2017، أعلنت حماس عن حل اللجنة، لكن الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة تواصلت وزادت في أبريل/نيسان الماضي لتصل نسبة الخصم من رواتب الموظفين إلى 50%.

وفي نظر الطبّاع، فإنه لا حلول إسعافية للوضع الاقتصادي في غزة، والحل الوحيد هو إنهاء الحصار وإجراءات السلطة ليبدأ الاقتصاد بالتعافي تدريجيا.

المصدر : الجزيرة