ساحل العاج.. تعافٍ اقتصادي وتنامٍ للاستثمار العربي

Buildings in the business district Plateau are seen behind the village of Attiekoube in Abidjan, Ivory Coast February 23, 2017. Picture taken February 23, 2017. REUTERS/Luc Gnago
منظر عام للعاصمة أبيدجان (رويترز)
الهيبة الشيخ سيداتي-أبيدجان

بدأ الاقتصاد العاجي يستعيد عافيته مع تقدم الولاية الثانية للرئيس الحسن وتارا، وأعادت سنوات الاستقرار السياسي لبلد "الكاكاو" فاعليته الاقتصادية، فانعكس ذلك في تدفق الاستثمارات الخارجية -خاصة العربية- مع بداية ما يسميه العاجيون "الإقلاع الاقتصادي الثاني" بعد سنوات من الجمر كادت تقضي على مقدرات البلد الزراعي الأول في الغرب الأفريقي.

وفضلا عن مواردها الزراعية المتنوعة، تستفيد ساحل العاج من موقعها الجغرافي، حيث تشكل منفذا بحريا لدولتين من جيرانها هما بوركينا فاسو ومالي، فضلا عن دور موانئها في التجارة الدولية، حيث تمتلك ثاني أكبر ميناء في أفريقيا، كما لديها أكبر ميناء لتصدير الكاكاو، وهي المصدر الأول له عالميا.

ويرجع الازدهار الذي عرفه الاقتصاد العاجي خلال السنوات الخمس الماضية، وظهرت نتيجته في ضخ الحكومة لأكثر من 25 مليار دولار، إلى خطة إستراتيجية خمسية أعلن عنها رئيس البلاد وتارا مع بداية رئاسته الأولى.

وأكد المدير العام لمركز ترقية الاستثمار في ساحل العاج (هيئة رسمية) أسيل أسمل أمنويل للجزيرة نت أنه "لا يمكن ذكر الاستثمار في ساحل العاج دون الحديث عن الجهود العربية، وخاصة من المغرب، حيث حل المغرب في المرتبة الاستثمارية الأولى عام 2015 متقدما على فرنسا".

ويلمح أمنويل إلى ما يصفه بالنقص الحاصل في الاستثمارات التي تقدمها دول الخليج، إذ لا تتجاوز نسبتها 4%، أغلبها استثمارات عمومية.

أمنويل قال إنه لا يمكن ذكر الاستثمار في ساحل العاج دون الحديث عن الجهود العربية (الجزيرة نت)
أمنويل قال إنه لا يمكن ذكر الاستثمار في ساحل العاج دون الحديث عن الجهود العربية (الجزيرة نت)

كسر احتكار
أما الصحفي العاجي المختص في الاقتصاد بودليير أمييه فيتحدث عن كسر رئيس البلاد لاحتكار الدول الغربية للاستثمارات في ساحل العاج وسيطرتها عليها، متحدثا عن جهد رسمي كبير "لتنويع الاستثمار والتوجه به شمالا نحو الدول العربية"، وعن النجاح في استقطاب المغرب كأكبر مستثمر عربي في البلاد.

وفضلا عن المغرب، تشكل الجالية اللبنانية في ساحل العاج إحدى أنشط الجاليات العربية اقتصاديا، حيث يتولون إدارة أكبر الشركات الوطنية العاجية، كما مكنتهم إقامتهم الطويلة في البلاد من الحصول على الجنسية العاجية، وهو ما يجعل منهم مستثمرين وطنيين.

ويرجع المستثمر اللبناني محمد جابر -وهو مدير فرعي لإحدى شركات التوزيع والتصدير- أسباب توجه اللبنانيين إلى ساحل العاج واستثمارهم فيها؛ إلى الأزمة التي واجهها لبنان إبان اجتياح إسرائيل لها عام 1982، مشيرا إلى أن الرئيس العاجي حينها فيليكس هوفويت رحب بهم وقدم لهم من التسهيلات ما لم يجدوه في أي بلد آخر، حتى في البلدان العربية.

تنوع الاستثمار
وتتنوع الاستثمارات العربية في ساحل العاج، ويتصدر قطاع الخدمات بشكل عام مجالات الاستثمار الخارجي، يليه المجال المصرفي، حيث تمثل المصارف المغربية المجموعة البنكية الأولى في البلاد، ضمن تكتل يضم ثلاثة بنوك.

كما تمثل الصيدلة مجالا جاذبا للاستثمارات الخارجية، وبدأت الحكومة العاجية مؤخرا إجراءات إنشاء مصنع للمواد الطبية والمنتجات الصيدلية بتمويل تونسي مغربي، هذا بالإضافة إلى الاستثمار في مجال النقل البحري والجسور.

وللاستثمارات العربية حضورها في مجال الاتصالات حيث تملك شركة اتصالات المغرب إحدى شركات الاتصال المحلية، وكذا البنية التحتية، فضلا عن الطاقة التي تعزز الاستثمار فيها بإنتاج البلاد 1800 ميغاواط تصدر منها إلى دول الجوار حوالي 40%، وتسعى الحكومة لرفع الإنتاج إلى 4000 ميغاواط في 2021.

جابر بيّن أن توجهه للاستثمار في ساحل العاج بسبب التسهيلات الحكومية التي لم يجدها في بلد آخر (الجزيرة نت)
جابر بيّن أن توجهه للاستثمار في ساحل العاج بسبب التسهيلات الحكومية التي لم يجدها في بلد آخر (الجزيرة نت)

فرص ومخاطر
ويعيد خبراء اقتصاديون في ساحل العاج استعادة اقتصادها لعافيته إلى المناخ الاستثماري الذي عملت الحكومة عليه خلال خطتها الإستراتيجية، حيث تضمن محفزات من بينها حرية نقل الأموال، وحرية الشراكة، إضافة إلى جملة من الضمانات تتكفل بموجبها الحكومة بتعويض الأضرار الناجمة عن الأزمات والاضطرابات التي قد تشهدها المنطقة.

وقد دفعت هذه المحفزات ببعض الصناديق العربية إلى الاستثمار في ساحل العاج، ومن بينها البنك الإسلامي للتنمية الذي أنشأ مشروعا أطلق عليه اسم "صكوك تمويل"، ويسعى من خلاله لضخ 300 مليار فرنك أفريقي (503 ملايين دولار) في أفق 2021.

ورغم أن الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا ما تزال ضعيفة حيث لا تتجاوز 54 مليار دولار فقط من أصل 1800 مليار دولار للاستثمارات في العالم، فإن ساحل العاج استطاعت جذب 480 مليون دولار خلال إستراتيجية (2011-2015).

وتراهن الحكومة على زيادة نسبة الاستثمارات العربية، واستقطاب المزيد منها ضمن خطتها الخمسية الجديدة (2016-2021) التي تسعى لاستجلاب 64 مليار دولار، على أن يمثل القطاع الخاص نسبة 60% منها.

المصدر : الجزيرة