عجز مالي مزمن في البحرين

صباح نعوش: البحرين تخصص مبالغ طائلة للإنفاق العسكري مقارنة بقدرتها الاقتصادية وإمكانياتها المالية

صباح نعوش

 
لا يتأتى عجز الميزانية العامة في البحرين من هبوط إيرادات النفط والغاز الطبيعي فحسب، بل كذلك من تصاعد الإنفاق العسكري والأمني، وتزايد فوائد الديون العامة، وفشل السياسة المالية المتبعة.

ارتفاع العجز المالي
ارتفع عجز الميزانية العامة في البحرين من 455.1 مليون دينار بحريني (الدينار البحريني يعادل 2.65 دولار) أي 3.5% الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 1517.3 مليون دينار، أي 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015. ثم استمر بالارتفاع إلى 1634.5 مليون دينار، أي 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016.

ورغم التفاؤل غير المبرر بتحسن إيرادات النفط والغاز الطبيعي للعام الجاري سيبقى العجز المالي مرتفعا وسيشكل خطرا على جميع المؤشرات الاقتصادية.

تعتمد إيرادات البحرين بالدرجة الأولى على عوائد النفط، وقد استندت تقديرات هذه العوائد في الميزانية الحالية على سعر قدره 55 دولارا للبرميل، في حين أن توازن هذه الميزانية يستوجب أن يصل السعر إلى 119 دولارا.

وتدل المؤشرات على استقرار أسعار النفط خلال السنوات القادمة في حدود الخمسين دولاراً.

كما أنه لا علاقة لهذه الأسعار بالسياسة المالية بل بأحوال السوق العالمية.

وبالتالي لا يمكن إعادة التوازن إلى الميزانية العامة من زاوية الإيرادات إلا عن طريق التأثير على الإيرادات غير النفطية والغازية.

وبالفعل ارتفعت هذه الإيرادات التي تتأتى من الرسوم الجمركية على الواردات والرسوم الإدارية، كتلك المفروضة على السيارات وجوازات السفر، لكن هذا الارتفاع لا يرقى إلى ضخامة العجز المالي.

بسبب عدم كفاية الإيرادات العامة بات من اللازم تقليص الإنفاق العام لتحقيق التوازن.

وتحتل المرتبات المرتبة الأولى في نفقات الدولة، تليها المصروفات التحويلية ثم مستحقات فوائد الديون فالإعانات الاجتماعية.

وفي مناسبات عديدة صرح المسؤولون بعدم رغبتهم في تقليص مرتبات المواطنين، لذلك لم تنخفض هذه المصروفات، في حين تقلصت النفقات التحويلية.

ارتفعت الإيرادات التي تتأتى من الرسوم الجمركية على الواردات والرسوم الإدارية كتلك المفروضة على السيارات وجوازات السفر، لكن هذا الارتفاع لا يرقى إلى ضخامة العجز المالي

وعلى سبيل المثال انخفض الدعم المقرر للحوم والبنزين، غير أن الارتفاع المستمر لفوائد الديون العامة امتص هذا الانخفاض.

بالنتيجة النهائية باتت النفقات العامة الكلية ترتفع سنويا بدلا من أن يحدث العكس.

ويبدو واضحا أن السياسة المالية البحرينية تفضل الاقتراض، وبالتالي المديونية بدلا من تقليص الإنفاق العام الذي يثير نقمة الشعب.

عند العودة إلى الميزانية الحالية نجد أنها نظمت بعجز يقل بكثير عن العام المنصرم. ترى كيف توصلت السلطات العامة إلى هذه النتيجة؟

يتوقف حجم العجز المالي على صحة التقديرات خاصة أسعار النفط.

إن كل دولار في سعر النفط يقود إلى ارتفاع أو انخفاض العجز المالي البحريني بمبلغ 31.3 مليون دينار في السنة. أي كلما هبط السعر الفعلي مقارنة بالسعر التقديري ازدادت المديونية، وهذا ما يحدث فعلا في البحرين.

نلاحظ اختلافا في التقديرات بين البحرين والكثير من البلدان النفطية، فقد قدر سعر البرميل في البحرين للعام الجاري بمبلغ 55 دولارا، مقابل 53 دولارا في السعودية و50 دولارا في الجزائر و45 دولارا في الكويت و42 دولارا في العراق.

هنالك إذاً مبالغة في تقدير أسعار النفط في البحرين، وهذا ما يفسر الاختلاف الكبير بين أرقام التقديرات والأرقام الفعلية. وقد يصل الخطأ في التقدير إلى أكثر من 18%، وهي نسبة عالية.

ففي عام 2016 قدرت عوائد النفط والغاز الطبيعي بمبلغ 1757.7 مليون دينار، في حين تبين أن العوائد الفعلية 1436.4 مليون دينار.

وهنالك خطأ آخر في العام السابق وبنفس الاتجاه ولكن بنسبة أقل، وعلى هذا الأساس وبالنظر لتزايد المصروفات العسكرية والأمنية سوف يتجه العجز المالي نحو الارتفاع للعام الجاري فترتفع الديون مجددا.

إن أي خفض للإنفاق العسكري والأمني حتى وإن كان ضئيلا يقود بالضرورة إلى نتائج مالية وتجارية إيجابية، لكن تقليص هذا الإنفاق غير ممكن مع الصراعات الداخلية والاعتبارات الإقليمية

زيادة الإنفاق العسكري
تخصص البحرين مبالغ طائلة للإنفاق العسكري مقارنة بقدرتها الاقتصادية وإمكانياتها المالية، وارتفاع هذا الإنفاق ليس جديدا. ففي عام 1988 بلغ حجم الإنفاق العسكري 299 مليون دولار أي 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي و 21.3% من الإنفاق العام.

ثم ارتفع ليصل إلى 1386 مليون دولار في عام 2016 أي 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي و14.6% من الإنفاق العام، وهذه النسبة تعادل تقريبا ضعف المعدل العالمي.

لكن هذه المبالغ التي ينشرها معهد أستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تقتصر على وزارة الدفاع.

في حين أن هنالك نفقات أخرى ذات طبيعة عسكرية وأمنية، وعلى هذا الأساس ينبغي إضافة نفقات وزارة الداخلية (أو على الأقل القسط الأكبر منها) وكذلك مصروفات جهاز الأمن الوطني ومخصصات الحرس الوطني.

وبالتالي يصبح مجموع الإنفاق العسكري والأمني في البحرين 2451 مليون دولار أي 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي و26.1% من الإنفاق العام.

إن تقليص المخصصات العسكرية والأمنية إلى النصف أمر ضروري ويحقق مكاسب مالية جمة، إذ ستتوقف الدولة عن الاقتراض، وأيضا ستستطيع سداد فوائد الديون الداخلية والخارجية من المبلغ المقتصد.

إن أي خفض للإنفاق العسكري والأمني حتى وإن كان ضئيلا يقود بالضرورة إلى نتائج مالية وتجارية إيجابية، لكن تقليص هذا الإنفاق غير ممكن مع الصراعات الداخلية والاعتبارات الإقليمية.

قدر سعر البرميل في البحرين للعام الجاري بمبلغ 55 دولارا مقابل 53 دولارا في السعودية (أسوشيتد برس-أرشيف)
قدر سعر البرميل في البحرين للعام الجاري بمبلغ 55 دولارا مقابل 53 دولارا في السعودية (أسوشيتد برس-أرشيف)

نتيجة العجز المالي وكذلك اختلال الميزان الجاري بما فيه الميزان التجاري سجلت الديون العامة الداخلية والخارجية ارتفاعا كبيرا وسريعا، وأدى ذلك إلى تزايد الفوائد المترتبة عليها.

ففي عام 2010 بلغ حجم الديون 2872 مليون دينار أي 29.7% من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي نهاية العام الجاري ستصل الديون إلى 9886 مليون دينار أي 90.0% من الناتج المحلي الإجمالي.

وخلال هذه الفترة انتقلت فوائد الديون من 91 مليون دينار أي 3.4% من النفقات العامة إلى 477 مليون دينار أي 35.7% من النفقات العامة.

وأفضى هذا الوضع إلى نتائج اقتصادية وخيمة، فقد هبط الاحتياطي النقدي، وارتفعت أسعار الفائدة على القروض المحلية، وتراجع النمو، وخفضت الوكالات المتخصصة التصنيف الائتماني للبحرين. أما الجهود الحكومية للتصدي لهذه اللازمة فلا تزال ضعيفة.

إن عدم فاعلية الإجراءات المتخذة لمعالجة العجز المالي ناجم عن غياب الإرادة السياسية في تقليص الإنفاق العسكري والأمني، وفي رفض أي مساهمة حقيقية للمواطنين في تحمل الأعباء المالية للبلاد

برنامج غير مناسب
لمعالجة عجز الميزانية العامة ارتكز "برنامج عمل الحكومة 2015-2018" الصادر عن رئاسة الوزراء على ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: إدراج أرباح شركة ممتلكات القابضة، فمنذ تأسيس هذه الشركة (صندوق سيادي بحريني) في عام 2006 وحتى العام المنصرم لم تستفد الميزانية العامة من أرباحها لأنها كانت تغطي خسائر بعض المؤسسات الحكومية والتابعة لممتلكات كشركة طيران الخليج.

واعتبارا من السنة المالية الحالية دمجت أرباح ممتلكات في الميزانية العامة. وتفيد بيانات مجلس النواب أن الأرباح المدرجة في الميزانية العامة الحالية تبلغ عشرة ملايين دينار، ولا يغطي هذا المبلغ سوى 0.7% من العجز المالي.

النقطة الثانية: تخفيض المصروفات المتكررة للوزارات، في حين لم يحدث هذا التخفيض إطلاقا.

وستصل هذه النفقات إلى 3249.9 مليون دينار في عام 2017 أي بزيادة قدرها 128.2 مليون دينار مقارنة بالعام السابق، وسترتفع في العام القادم بمبلغ 107.5 ملايين دينار.

النقطة الثالثة: تحسين حصيلة الرسوم، وينص البرنامج على ما يلي "تعديل الرسوم لبعض الخدمات الحكومية بما لا يؤثر على القدرة التنافسية لمملكة البحرين لجذب الاستثمارات على ألا يتحمل المواطن أية أعباء جراء هذه التعديلات". هذا إجراء غير منطقي.

فكيف يمكن زيادة الحصيلة من دون أن يتحملها المواطن أو المستثمر الأجنبي. اللهم إلا إذا تحمل الأجانب هذه الزيادة، وهذا توزيع غير عادل للأعباء العامة.

وعلى الصعيد العملي بلغت حصيلة الرسوم والضرائب 237.5 مليون دينار في عام 2016، وهي ترتفع سنويا، لكن هذه الحصيلة لا تمثل سوى 12.5% من إيرادات الدولة.

إن عدم فاعلية الإجراءات المتخذة لمعالجة العجز المالي ناجم عن غياب الإرادة السياسية في تقليص الإنفاق العسكري والأمني، وفي رفض أي مساهمة حقيقية للمواطنين في تحمل الأعباء المالية للبلاد.

لقد أصبح واضحا ضرورة مساهمة جميع المواطنين والشركات في تقليص العجز المالي عن طريق الضرائب على الدخول.
———————————-
باحث عراقي

المصدر : الجزيرة