فرص حصاد الطاقة الشمسية في مصر

تصميم لقضايا اقتصادية للكاتب عبد الناصر عبد العال

عبد الناصر عبد العال

مزايا الطاقة الشمسية
ثراء العالم العربي بالطاقة الشمسية
تنمية الطاقة الشمسية في مصر

لقد تزايد إقبال دول العالم على مصادر الطاقة الشمسية بسبب مزاياها النسبية وانخفاض تكلفة إنتاجها وكارثة فوكوشيما النووية وقرب نضوب النفط. وتفصيلا، بدأت كثرة من الدول -مثل ألمانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا– التخلي عن مصادر الطاقة النووية بعد كارثة المفاعلات النووية في اليابان. أضف إلى ذلك زيادة الطلب العالمي على مصادر الطاقة بكافة أشكالها بفضل النهضة الصناعية في دول العالم، ولا سيما الصين والهند وتركيا والبرازيل وغيرها. فمثلا، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل استهلاك الصين من الطاقة إلى ضعف استهلاك الولايات المتحدة بحلول عام 2040.

مزايا الطاقة الشمسية
تقدم الطاقة الشمسية مزايا جمة مقارنة بمصادر الطاقة التقليدية وبقية المصادر المتجددة. أهم هذه المزايا أن تكلفة حصاد الطاقة الشمسية في انخفاض مستمر، إذ يوضح موقع إنرجي إنوفيشن أن تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية انخفضت من 359 دولارا لكل ميغاواط/ساعة عام 2009 إلى 79 دولارا عام 2014، أي بنسبة 78% في خمس سنوات فقط. كما أنها من أنظف مصادر الطاقة. فمثلا، يتوقع أن تقلل محطة الطاقة الشمسية التي تبنى حاليا في موريتانيا انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 21 طنا سنويا.

علاوة على ذلك، تعتمد الطاقة الشمسية على مصدر محلي متوفر بصورة مجانية في جميع أرجاء البلاد، وهو أشعة الشمس. وهذا يعزز الاكتفاء الذاتي ويمنع التبعية للدول المصدرة للنفط أو التكنولوجيا النووية. فأشعة الشمس التي تغطي البيت تكفي لسد نصف حاجته الاستهلاكية من الطاقة. أما محطات الطاقة التقليدية فتتطلب نقل الوقود إلى محطات التوليد من ناحية ثم نقل الكهرباء المتولدة لمناطق الاستهلاك من ناحية أخرى.

تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية انخفضت من 359 دولارا لكل ميغاواط/ساعة عام 2009 إلى 79 دولارا عام 2014

بمعنى آخر، يمكن إنتاج الطاقة الشمسية محليا عن طريق محطات بأحجام مختلفة في المناطق النائية والجبلية التي يصعب نقل الوقود إليها أو مد شبكة الكهرباء فيها. وهذه الخاصية مفيدة للعالم العربي الذي يتميز بقلة الكثافة السكانية في معظم أجزائه، وتناثر القرى والواحات والتجمعات السكانية في أماكن متباعدة في الصحراء مما يزيد من كلفة البنية التحتية اللازمة لإيصال الطاقة الكهربائية لها بواسطة الشبكة الكهربائية. كما أن محطات الطاقة المركزية تعاني من كمية الفاقد في الكهرباء في خطوط النقل والتوزيع وانخفاض الجهد الكهربائي على طول خطوط النقل.

على صعيد آخر، هناك استخدامات مباشرة أخرى كثيرة للطاقة الشمسية مثل تحلية مياه البحر وتدفئة البيوت وإنارتها وطهي الطعام. فعلى سبيل المثال، يقدر عدد الخلايا الشمسية فوق أسطح المنازل والمطاعم في أستراليا بنحو 1.4 مليون خلية تنتج طاقه قيمتها 1.7 مليار دولار سنويا. كما تقوم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ببناء محطة لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية في مدينة الخفجي، بطاقة إنتاجية تبلغ ستين ألف متر مكعب يوميا.

ثراء العالم العربي بالطاقة الشمسية
تعتمد الطاقة الكهربائية المتولدة على ساعات الصحو وشدة سطوع الشمس والمساحة التي تغطيها الخلايا الشمسية. ولحسن الحظ، يقع العالم العربي في نطاق الحزام الشمسي للأرض، كما تتوفر فيه المساحات الصحراوية المسطحة المناسبة لاحتضان مشروعات الطاقة الشمسية. وتحديدا، يبلغ متوسط معدل سطوع الشمس في السماء العربية نحو 3300 ساعة في السنة، بينما يقل عن ألف ساعة في بريطانيا على سبيل المثال. أضف إلى ذلك أن أوقات الذروة ومواسم زيادة الطلب على الطاقة في الدول العربية تكون في الصيف وأوقات الظهيرة، حيث اشتداد حرارة الشمس وارتفاع درجة سطوعها. هذا بينما يزداد استهلاك الأوروبيين للطاقة في الشتاء ووقت الليل بسبب برودة الجو والحاجة إلى التدفئة. بمعنى آخر، تتمتع الدول العربية بمزايا تنافسية كبيرة بالمقارنة مع أوروبا في مجال الطاقة الشمسية، مما جعل دولا مثل المغرب تفكر في بناء مشروعات عملاقة تصدر الفائض إلى أوروبا.

يبلغ متوسط معدل سطوع الشمس في السماء العربية نحو 3300 ساعة في السنة، بينما يقل عن ألف ساعة في بريطانيا على سبيل المثال

لقد نالت الطاقة الشمسية مؤخرا اهتمام بعض الدول العربية. فعلى سبيل المثال، افتتحت المغرب مؤخرا المرحلة الأولى من مشروع "نور" العملاق للطاقة الشمسية في مدينة ورزازات بطاقة إنتاجية تبلغ 1600 ميغاواط. وينافس هذا المشروع في الحجم مشروع وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) الموجود في صحراء موهافي الأميركية. ومن مزايا المشروع أن الطاقة المتولدة لا تتأثر باختفاء الشمس بسبب السحب أو حلول الليل، حيث يعمل بمعدل عشرين ساعة يوميا، أي يمتد عمله عدة ساعات بعد غروب الشمس بفضل استخدام تقنيات تحتفظ بالحرارة اللازمة لتشغيل التوربينات لفترة أطول.

كما افتتح الأردن محطة للطاقة الشمسية في إربد بطاقة توليد تبلغ عشرة ميغاواطات وبتكلفة مقدارها 22 مليون دولار. وفي أبريل/نيسان 2013، افتتحت موريتانيا محطة للطاقة الشمسية طاقتها 15 ميغاواطا بتمويل إماراتي مقداره 32 مليون دولار. كما تقوم سلطنة عُمان حاليا ببناء محطة بطاقة تبلغ 1021 ميغاواطا في جنوب البلاد. وتسعى قطر إلى توفير 16% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية بحلول عام 2018.

تنمية الطاقة الشمسية في مصر
وعليه، تعتبر الطاقة الشمسية أفضل البدائل لمصر نظرا لتناقص تكاليفها ونظافتها ووفرتها محليا وإمكانية استخدامها مباشرة في الطهي والتدفئة وتحلية مياه البحر، فضلا عن تمتع مصر بمساحات شاسعة من الصحاري. وقد افتتحت مصر في مارس/آذار الماضي محطة للطاقة الشمسية في واحة سيوة بطاقة عشرة ميغاواطات بتمويل إماراتي. لكنه مشروع متواضع مقارنة بمشروعات المغرب وسلطنة عُمان. يجب التفكير في مشروعات أكبر مثل مشروع الرئيس المعزول محمد مرسي لبناء مدن للطاقة الشمسية في صعيد مصر. كان من أهداف هذا المشروع تصدير الفائض لأوروبا.

يجب التفكير مجددا في وضع سياسات ترغم المصريين على النوم مبكرا، فمعظم المصريين ينشطون بالليل وينامون بالنهار

كما يجب تطوير تصاميم ونماذج لبيوت خضراء تعتمد على طاقة الشمس في الإضاءة وعلى الرياح في التهوية. فمن أسباب تفاقم أزمة الطاقة أن المصريين استبدلوا بيوت أجدادهم الخضراء ببيوت غير صديقة للبيئة. فقديما، كانت البيوت مبنية من طمي النيل وبوصه وتعتمد على الشمس في الإضاءة وعلى الرياح في التهوية. أما بيوت الوقت الحالي فقد بنيت من مواد تمتص حرارة الشمس ولا تتوفر فيها منافذ جيدة للإضاءة.

ومن الضروري إصلاح منظومة دعم الطاقة والضرائب لصالح الطاقة الشمسية وطبقة الكادحين والمحرومين. فدعم الطاقة للجميع دون تمييز شجع على زيادة استعمال المصابيح الكهربائية حتى في النهار. كما أن النسبة العظمى من دعم الطاقة تذهب إلى ذوي الدخول المرتفعة وأصحاب السيارات والمطاعم والمصانع والمحلات وغيرهم. ونقترح إعطاء أصحاب المطاعم والفنادق والمصانع والمستشفيات مزايا ضريبية وإعفاءات جمركية خاصة إذا استخدمت المواقد والسخانات الشمسية.

كما يجب التفكير مجددا في وضع سياسات ترغم المصريين على النوم مبكرا. فمعظم المصريين ينشطون بالليل وينامون بالنهار، مما يزيد استهلاك الكهرباء ويهدر طاقة الشمس المتجددة. ومن هذه السياسات تطبيق مواعيد مبكرة للعمل. كما يجب إعادة محاولة إلزام المحلات غلق أبوابها في الثامنة مساء، كما هو شائع في أوروبا وأميركا، غير أن نجاح هذا الطرح يتطلب التوافق العام وتوقف المواصلات العامة وإطفاء أعمدة إنارة الشوارع في الساعة الثامنة وغيرها من السياسات المشابهة. ولا ننسى أهمية الاهتمام بالبحث العلمي والمبتكرين.


أكاديمي في اقتصاد الشبكات

المصدر : الجزيرة