ارتفاع معدلات الفقر في مصر.. وجع بلا دواء

صورة2 الحكومة المصرية مستمرة في إجراءات رفع الدعم دون الإلتفات للفقراء. مسموح باستخدامها. تصوير زميل مصور صحفي. مصدر الصورة:دعاء عبد اللطيف- القاهرة
إجراءات تخفيض الدعم الحكومي تترك آثارا عميقة في حياة الفقراء (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

"لا أدري، لكن الظروف تدفعنا للانتحار أو أن نصبح لصوصا". هكذا أجاب حمدي (ثلاثون سنة) عن سؤال بشأن كيفية تلبية متطلبات أسرته براتبه الذي لا يتجاوز تسعمئة جنيه شهريا (نحو خمسين دولارا).

ويواجه حمدي مع عشرات الملايين من المصريين ارتفاعا كبيرا في أسعار جميع السلع، خاصة الأساسية منها كالسكر والأرز والزيت، فضلا عن رفع الحكومة الدعم جزئيا عن الوقود وبدء تحرير أسعار الكهرباء منذ أغسطس/آب الماضي.

وكما استقبلت مصر العام الحالي بانتحار ثلاثة مواطنين في يناير/كانون الثاني الماضي بسبب الاحتياج المالي تودعه بتقرير صدر عن وزارة المالية هذا الأسبوع، ويظهر ارتفاع أعداد غير القادرين على الحصول على احتياجاتهم الأساسية في مصر إلى نحو 21.7 مليون مواطن، وأن 3.6 ملايين مواطن عاجزون عن سد احتياجاتهم الغذائية.

ورصد التقرير الرسمي ارتفاع معدلات الفقر في مصر إلى 17.6٪ في الحضر، و32.4٪ في المناطق الريفية، بينما وصلت نسبة الفقر بين قاطني المناطق العشوائية إلى 42٪.

وأشار التقرير إلى إطلاق الحكومة برنامج "تكافل وكرامة" في عام 2015 لتقديم الدعم النقدي المشروط الذي يستهدف 166 ألف أسرة.

حياة قاسية
ومؤخرا تخلى حمدي -الذي يعمل بمتجر لبيع مستلزمات البناء- عن موقفه الرافض لعمل زوجته. ويقول للجزيرة نت إنها "تعمل منذ ستة أشهر عاملة نظافة في مركز تسوق للمساعدة في الإنفاق على البيت وتربية طفليه".

ملايين المصريين عاجزون عن سد احتياجاتهم الغذائية حسب البيانات الرسمية (رويترز)
ملايين المصريين عاجزون عن سد احتياجاتهم الغذائية حسب البيانات الرسمية (رويترز)

وأضاف بسخرية مرة أن "أكبر اقتصادي في العالم لا يمكنه أن يفهم كيف أنفق على بيتي"، لافتا إلى أنه لم يتخل عن احتياجات زائدة لمواجهة الغلاء، إذ يقول "لم نكن نكفي احتياجاتنا الأساسية أصلا". وأبدى تخوفه من عدم إمكانية إلحاق ابنه الأكبر ذي الخمس سنوات بالمدرسة لصعوبة تغطية نفقاتها.

وباتت أسعار السلع ترتفع كل ساعة دون مبالغة، حسب قول المصرية صديقة أحمد التي تذكر أن أجرة المواصلات ارتفعت الضعف قبل أسبوعين.

وقالت السيدة الخمسينية إن ابنها يعمل بائعا متجولا -يبيع ملابس مستعملة- ويتكفل بالإنفاق عليها. وأردفت "نعيش في غرفة واحدة بحي بولاق الدكرور (في القاهرة الكبرى) ولا توجد لدينا أجهزة كهربائية سوى ثلاجة ومع ذلك جاءتنا فاتورة الكهرباء بثلاثين جنيها".

وعلى الرغم من عدم قدرة صديقة على توفير ثمن دواء مرض السكري وعجز ابنها عن ادخار مال يمكنه من الزواج فإنها لا تلوم أحدا على معيشتها القاسية، وتابعت برضا "ربنا كريم وحده قادر على إصلاح كل شيء".

الفقراء الجدد
وكان رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر قد أعلن في يوليو/تموز الماضي أن معدل الفقر في عموم مصر قد ارتفع من 26.3% خلال عامي 2012 و2013 إلى 27.8% من مجموع السكان في 2015.

ويبدو أن دائرة الفقر تتوسع في مصر لتشمل فئات جديدة، فقد صرح عضو مجلس النواب طلعت خليل أمس الأربعاء بأنه يعيش تحت خط الفقر ويسكن في شقة بالإيجار.

وقال خليل -في تصريح صحفي- إن دخله بالكامل بعد 25 عاما من العمل في القطاع الحكومي يضعه تحت خط الفقر حاليا، مشيرا إلى أنه لا يستطيع التنازل عن بطاقة التموين.

دوابة: تعويم الجنيه أدى إلى تآكل جديد في دخل المصريين (الجزيرة)
دوابة: تعويم الجنيه أدى إلى تآكل جديد في دخل المصريين (الجزيرة)

وقد أعلنت وزارة التموين أنها ستقوم ابتداء من اليوم الخميس بحذف ملايين المصريين من نظام بطاقات الحصص التموينية -التي توزع من خلاله السلع التموينية المدعمة- لأنهم غير مستحقين للدعم، حسب قولها.

من جهته، أرجع الخبير الاقتصادي الدكتور أشرف دوابة ارتفاع معدلات الفقر في مصر إلى تكدس ثروات البلاد في يد القيادات العسكرية وعدد من رجال الأعمال المقربين للسلطة، وكذلك إلى القرارات الحكومية الخاصة برفع الدعم وتوجيه الأموال لزيادة مرتبات القضاة ورجال الشرطة والجيش دون الالتفات إلى الفئات الفقيرة.

وأضاف للجزيرة نت أن قرار تعويم الجنيه -الذي اتخذته الحكومة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016- أدى إلى تآكل جديد في قيمة دخول المصريين وزيادة فقرهم دون رؤية حكومية لتعويض هذا التآكل.

ورجح دوابة ارتفاع نسب الفقر بين المصريين لتصل إلى 70%، وأردف قائلا "من يتقاضى 1200 جنيه راتبا (نحو 67 دولارا) أصبح الآن تحت خط الفقر"، محذرا من التداعيات المستقبلية.

المصدر : الجزيرة