الخبير أنطونيو جوستوزي يحلل تجربة حركة طالبان الحربية بين عامي 2001 و2018

كتاب "طالبان في الحرب ما بين 2001 و2018" صدر عن جامعة أكسفورد عام 2019 (الجزيرة)

في عام 2001 انهزمت الحركة التي أطلقت على نفسها اسم طالبان بعد تأسيسها عام 1996 بسهولة نسبية من قبل تحالف قادته القوات الأميركية والعديد من الجماعات الأفغانية المناهضة للحركة. في ذلك الوقت لم يتنبأ أحد بأن طالبان يمكنها أن تعود للوجود، رغم ظهور مؤشرات في عام 2003 على عودتها.

كان من الصعب تخيّل أن طالبان ستكون قادرة على مواجهة القوات العسكرية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها، ولكن الواقع أثبت أن طالبان كانت رقما صعبا أحرج الولايات المتحدة وحلفاءها.

وفي هذا السياق، تظهر أهمية كتاب "طالبان في الحرب ما بين 2001 و2018" (The Taliban at War 2001–2018) الصادر عن جامعة أكسفورد (The University of Oxford) سنة 2019، والذي ألّفه الأكاديمي أنطونيو جوستوزي الأستاذ الزائر في كينجز كوليدج لندن العريقة، والحاصل على درجة الدكتوراه من كلية لندن للاقتصاد. كتب وحرّر جوستوزي 11 كتابا، ويتمحور عمله حول الجماعات الإسلامية بمنطقة غربي آسيا عامة وطالبان خاصة.

قامت الدراسة التي اشتغل عليها جوستوزي والتي نحن بصدد تقديمها، بتحديد مصادر الدعم الخارجية لطالبان، وهو ما أثر على الحملات العسكرية لحركة طالبان وسياساتها الداخلية. كما تكمن أهمية هذا الكتاب في كونه دراسة كاملة عن طالبان، تناقش بالتفصيل الطابع متعدد المركزية للحركة، ليس فقط "مجلس شورى كويتا"، ولكن أيضا شبكة حقاني ومراكز قوة طالبان الأخرى.

استند الكتاب لبحث ميداني مكثف، شمل مئات المقابلات مع أعضاء طالبان على جميع مستويات التنظيم، كما استخدم خبير الشؤون الأفغانية دراسات راكمها حول الموضوع خلال 20 عاما التي قضاها في دراسة طالبان وخاصة تطور آليتها العسكرية.

وانطلاقا مما سبق، تحاول المقابلة التي أجرتها الجزيرة نت مع المؤلف والأكاديمي أنطونيو جوستوزي، تفكيك مسألة قوة طالبان التنظيمية، وكيف تحوّلت من حركة تعبئة بسيطة إلى جماعة تتسم بالمهنية العسكرية، وكذلك كيف تطور نظامها القيادي، وأثر مصادر التمويل على اشتغالها، وأهم التحديثات العسكرية التي شهدتها الحركة.

الأكاديمي أنطونيو جوستوزي الأستاذ الزائر في كينجز كوليدج لندن العريقة (مواقع التواصل)

من التعبئة الأيديولوجية للمهنية العسكرية

يرى أنطونيو جوستوزي أن المضايقات والاضطهاد من قبل الجماعات الموالية للحكومة والقوات الأميركية كانت عاملاً رئيسيا في التعبئة لتمرد طالبان. اضطهاد الأفراد المرتبطين سابقا بحركة طالبان كان سببا رئيسيا لتطور التمرد لفئة مهمة حاورها الباحث في بحثه الميداني، سواء كانوا ناشطين ميدانيين في طالبان أو من شيوخ القرى. ويرى الأكاديمي أن الانتهاكات التي ارتكبتها الشرطة والقوات الأجنبية ضد السكان كانت سببا رئيسيا لانضمام السكان إلى حركة طالبان.

يرى الكاتب أنه في السنوات الأولى لم يكن مقاتلو طالبان وقادتها يتقاضون رواتب منتظمة. حيث كانت اللجان العسكرية تقدم دعما محدودا قادما من الممولين، وكذا من الضرائب أو التبرعات، أو من خلال ما كانوا ينظرون له على أنها غنيمة.

بدأت مجالس الشورى دعمها بإرسال أحذية وملابس مرفقة بالأسلحة. حسب جوستوزي، فقد تم إدخال الرواتب تدريجيا بمساعدة حاسمة من مجالس الشورى في باكستان. بحلول عام 2007، كان من الشائع أن تدفع مجالس شورى طالبان الرئيسية رواتب لمقاتليها بشكل شهريٍ، وهي رواتب قابلة للنمو. وبحلول عام 2014، كانت رواتب طالبان تتماشى تقريبًا مع ما تدفعه الحكومة الأفغانية.

وفق أنطونيو جوستوزي، فإن طالبان تميل إلى الإشارة إلى أن الأفغان كانوا ينضمون إلى التمرد في المقام الأول للتعبير عن معارضتهم للوجود الغربي في البلاد، وكذلك لتأسيس "حكومة إسلامية حقيقية" في أفغانستان، وفي بعض الحالات لمحاربة "الهيمنة الغربية".

تحوّلت طالبان من حركة تمرد محافظة إلى تمرد محترف، لم يكن الدافع "الأيديولوجي" لمجندي طالبان بالضرورة نابعا من وعيهِم بنصوص العقيدة، بل في كثيرٍ من الأحيان كان المحرك هو سعي الشباب لتلقي راتب ثابت. الدافع الأيديولوجي كان عاملاً مهما في دفع التعبئة في صفوف طالبان، لكن التطور التدريجي لروح "المهنية العسكرية" قلّل من الدور الأيديولوجي، وفي هذا الصدد واجه المجندون بيئة مختلفة وتم دمجهم اجتماعيا بالكامل في تنظيم طالبان.

المركزية والتعددية في التنظيم

يرى الكتاب أنه من الناحية العملية، تغير نظام طالبان بعد عام 2009، وإدارة التعددية المركزية شهدت تحسينا كبيرًا، بدلاً من استبدالها. وكانت النتيجة النموذجية لذلك إنشاء لجنة التنسيق في نهاية عام 2014. ولكن هذا التغيير كان له تأثير محدود فقط. ومن الأمثلة الأخرى الأقل نجاحًا إنشاء اللجنة العسكرية المركزية في نهاية عام 2013. وركزت المحادثات المتعلقة بإعادة توحيد طالبان في نظام هرمي بقيادة واحدة بعد عام 2010، على فرض درجة محدودة من السيطرة على مختلف مجالس شورى العالية المستوى، وعدم إلغاء تعددية المراكز.

سعت طالبان إلى إنشاء مجموعة من المؤسسات التي من شأنها تنظيم تعدد المراكز على مستويات مختلفة. استخدمت اللجان المختلفة التمويل والإمدادات لفرض الالتزام ببعض القواعد والأنظمة من قبل طالبان، وهو ما يظهر لماذا كانت غير قادرة أو غير راغبة في إنشاء نظام هرمي قيادي موحد، وأنشأت طالبان تدريجيا هياكل جديدة شبه مستقلة كان لها على الأقل سلسلة قيادة داخلية أقوى، مثل لجنة كويتا العسكرية.

تعايشت هذه الهياكل الجديدة مع الهياكل القديمة. كما ألغت طالبان أو علقت التعددية في أقسام محددة من هيكلها العسكري، لا سيما عندما تم إنشاء هذه الأقسام من جديد. لكن بالنسبة للقيادة العليا، لم يتم تحدي التعددية المركزية بشكل جدي، ليس فقط فيما يتعلق بالمجالس المختلفة، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالهياكل المختلفة لمجلس شورى كويتا.

تطور الآلة العسكرية

كان ظهور "القوات الخاصة" هو الابتكار العسكري الرئيسي لطالبان في السنوات الأخيرة. وحدات هذه النخبة تضم القادة والمقاتلين المتمرسين في المعارك، والذين أعيد تدريبهم ونشرهم بأفضل المعدات التي يمكن أن توفرها طالبان، بما في ذلك نظارات الرؤية الليلية.

وبعد أن أظهرت الاختبارات المبكرة أن الوحدات الجديدة وتكتيكاتها كانت ناجحة للغاية، قررت القيادة العسكرية لطالبان توسيع حجم ودور هذه الوحدات تدريجيا، أصبحت "ساري كيتا" حجر الزاوية في إستراتيجية طالبان.

بدأت المليشيات المحلية التي عانت من الحرب ضد قوة المساعدة الأمنية الدولية، تهمل ويتقلص حجمها، بينما تم التركيز بشكل متزايد داخل قوات طالبان المتنقلة على تشكيلات النخبة. يبدو أن الكثير من معدل الخسائر المتزايد في صفوف قوات الأمن الأفغانية كان بسبب هذا التحول في حركة طالبان نحو مزيد من الاحتراف العسكري.

في عام 2018 أرسلت طالبان بعضًا من أفضل رجالها إلى لبنان لتلقي التدريب من قبل حزب الله، وذلك بفضل رعاية الحرس الثوري الإيراني. كما اقتنت طالبان معدات عسكرية مفيدة لها مثل النظارات الليلية، وسعت للحصول على الصواريخ المضادة للطائرات.

اعتبارًا من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ألمحت طالبان إلى أنها حصلت على عدد قليل من قاذفات الصواريخ واستخدمتها لاستهداف مروحيات القوات الجوية الأفغانية.

من أبرز ما يميز "القوات الخاصة" لطالبان أن إنشاءها وتوسيعها التدريجي أزال جزئيًا على الأقل الحاجة إلى نظام القيادة والتحكم الموحد والمركزي.

المصدر : الجزيرة