لوموند: مخاوف بشأن التراث الثقافي الأفغاني

من بين العجائب الأثرية التي لم يبق منها سوى أطلال، مدينة باختر القديمة وسماها الإغريق باكتريا وهي الآن في مدينة بلخ الشهيرة التي دمرها جنكيز خان ويطلق عليها اسم "أم المدن"، حيث التقى الإسكندر بالجميلة روكسان. وهي عبارة عن واحة مساحتها 16 ألف كيلومتر مربع فيها قلعة محمية بحصن يبلغ طوله 11 كيلومترًا.

لوحة فنية توضح مدينة غزنة خلال الحرب الأفغانية البريطانية الأولى التي بدأت عام 1838 (غيتي)

تعتبر أفغانستان موطنا لمئات المواقع الأثرية، حيث كشفت الحفريات عن التأثيرات الشرقية والغربية في العمارة والسلع، وأثار صعود طالبان إلى السلطة مخاوف بشأن الآثار في أفغانستان.

وفي تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، قالت الكاتبة فلورونس إيفان إن أفغانستان تقع على مفترق طريق الحرير الذي يربط بين الصين والهند وإيران وآسيا الوسطى والإمبراطورية الروسية السابقة، وهذا البلد معروف بتضاريسه المميزة.

وقد تسببت عقود من النزاعات المسلحة في حجب ما تزخر به البلاد من تراث ومعالم أثرية تمثّل شاهدًا على تلاقح الحضارات والمعتقدات على مدى 5 آلاف عام.

وينقسم تراث هذا البلد إلى تراث ثقافي مادي حساس وآخر لامادي يعتبر "أقل وضوحًا، مثل العزف على الربابة التي تشبه في شكلها العود والتي حُظر صنعها منذ نحو 20 عامًا، بالإضافة إلى ما يصاحبها من قصائد الغزل والغناء"، وذلك حسب ما أفاد عالم الآثار المتخصص في التراث الثقافي في مناطق الصراع، الباحث باستيان فاروتسيكوس.

تراث أفغانستان

وتساءلت الكاتبة: هل ستختار طالبان -التي باتت على رأس السلطة الآن- الحفاظ على هذا التراث بعد تدمير تماثيل بوذا في باميان بالديناميت عام 2001؟

وأشارت الكاتبة إلى أن "الخطوات الأولى التي اتخذتها طالبان قد توهمنا (بأنهم) قد أغلقوا متحف كابل الوطني من أجل حمايته من النهب"، وفق تعبيرها.

وينتشر في البلاد 5 آلاف موقع أثري تم التنقيب عن بعضها من الفرق الفرنسية الأفغانية التابعة للمندوبية الأثرية الفرنسية في أفغانستان، التي أنشأتها فرنسا عام 1922 بناءً على طلب الملك الأفغاني أمان الله (1892-1960).

وقد عُين جوزيف هاكين (1886-1941) لرئاسة المندوبية الأثرية الفرنسية في أفغانستان. ومن 1924 حتى 1940، كثّف حملات التنقيب مع زوجته ريا (1905-1941)، التي صورت الكنوز المكتشفة عند سفوح سلسلة جبال هندوكوش مثل كنز بيغرام الشهير الذي يضمّ مئات القطع من الزجاج والعاج القادمة من مصر وسوريا. وتقع هذه المنطقة على بعد 100 كيلومتر شمال شرق كابل، وتعد واحدة من بين عشرات المدن التي أسسها الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد.

أهم المعالم الأثرية

من بين العجائب الأثرية الأخرى التي لم يبق منها سوى أطلال، مدينة باختر القديمة -وسماها الإغريق باكتريا وهي الآن في مدينة بلخ الشهيرة- التي دمرها جنكيز خان ويطلق عليها اسم "أم المدن"، حيث التقى الإسكندر بالجميلة روكسان.

وهي عبارة عن واحة مساحتها 16 ألف كيلومتر مربع فيها قلعة محمية بحصن يبلغ طوله 11 كيلومترا، محاطة بأسوار يبلغ طولها 8 كيلومترات، وبجدار يبلغ ارتفاعه 25 مترا وعرضه 100 متر مدعوم بـ18 برجا دائريا.

يتألف هذا المعلم الأثري من العديد من الأعمدة والعناصر الزخرفية، وهو من أهم المعالم في أفغانستان المهددة بالنهب والتوسع الحضري والاحتباس الحراري.

إن هذه المدينة مسقط رأس الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي (1207-1273)، وكذلك تعتبر مدينة زرادشت مؤسس الديانة الزرادشتية.

وعُثر على مخطوطات تعود للمدرسة الأفلاطونية الحديثة (القرن الثالث قبل الميلاد) في المدينة اليونانية آي خانوم ("أميرة القمر")، التي تحتوي على معالم أثرية رائعة (مسرح وترسانة ومعابد ومباني إدارية محمية بأسوار قوية) بنتها المجتمعات اليهودية. وفي القلعة القديمة في كابل، بنيت كنيسة أرمنية أرثوذكسية في القرن السادس عشر.

في مدينة هرات الأفغانية التي تأسست في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، والتي أعاد المهندس الإيطالي أندريا برونو ترميم قلعتها، نلاحظ هيمنة اللون الأزرق على بلاط سمرقند. وفي شرق المدينة، توجد مئذنة جام التي يبلغ ارتفاعها 65 مترا، وهي معرضة لخطر الانهيار بسبب السيول النهرية التي من شأنها إضعاف أساساتها.

وتقع في الجنوب العاصمة السابقة لاشكاري بازار التي تمثل موطن قصور السلاطين العظماء من سلالة الغزنويين والغوريون. وفي الوقت الحالي، لا يزال من الصعب الوصول إلى هذا الموقع لأنه تتمركز فيه عصابات المافيا التي استقرت في هذه المنطقة لإنتاج الأفيون، حسب الصحيفة الفرنسية.

الثروة المعدنية والآثار

تتمتع أفغانستان بثروة هائلة من المعادن مثل اللازورد والذهب والزمرد والأتربة النادرة والنحاس، وهو ما جعلها تثير مطامع القوى الكبرى ماضيا وحاضرا. فعلى سبيل المثال، كان منجم آيناك ثاني أكبر منجم نحاس على هذا الكوكب تحت سيطرة الرهبان البوذيين في القرون الأولى بعد الميلاد.

ويقع هذا المنجم على ارتفاع 2300 متر جنوب كابل، وقد اشترته الصين عام 2007 مقابل 8 مليارات دولار (6.8 مليارات يورو)، وفق الصحيفة.

وفي 27 يوليو/تموز الماضي، تم التوصل إلى اتفاق مع مجتمع منجم آيناك ينص على إخلاء التحف الأثرية التي لا تزال موجودة من الموقع البوذي لحمايتها وترميمها.

المصدر : لوموند