لقب بـ"جواهري القصيدة الحديثة".. العراقي أجود مجبل يصدر ديوان "كأنه"

ديوان شعر أجود مجبل
ديوان "كأنه" للشاعر العراقي أجود مجبل يقدم طرحا عميقا للأسئلة الوجودية الكبرى على منصة الشعر (الجزيرة)

لقبه بعض النقاد بـ"جواهري القصيدة العمودية الحديثة"، وفي مجموعته الأخيرة التي حملت عنوانا غريبا "كأنه" -وهي المجموعة الخامسة التي أصدرها في مسيرته الأدبية- أثار الشاعر العراقي أجود مجبل الكثير من الأسئلة في الوسيط الشعري العراقي الغارق بالعديد من المواهب الشعرية التي تفوق أغلب البلدان بعدد الشعراء.

دخل مجبل من باب الشكل والتجديد في القصيدة التي يعد كتابتها عبارة عن مخاضات دائمة واستدعاء مستمرا للأشياء الغريبة التي تحدث خارج اللغة ومرافقتها إلى حيث براءة اللغة وفردانيتها، وهو يكتب قصائده مليئة بالحدث والمعاناة اليومية.

الولادة والجنوب

الشاعر من مواليد سوق الشيوخ بمحافظة ذي قار (جنوبي العراق) عام 1958، وحاصل على شهادة بكالوريوس تربية، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وعضو اتحاد الكتاب العرب، فاز بالعديد من الجوائز الشعرية، منها الجائزة الأولى للمهرجان القُطري للشعراء الشباب الذي أقيم في الجامعة المستنصرية عام 1993.

وفاز بجائزة الجمهورية للشعر عام 1994، كما فاز بالجائزة الأولى في مسابقة سحر البيان عام 2005، والجائزة الأولى في مسابقة الأمل الإبداعية عام 2011، وفاز أيضا بجائزة الإبداع العراقي لفئة الشعر عام 2019، وكتب عنه العديد من النقاد العراقيين والعرب.

القصيدة واشتراطات الكتابة

أصدر أجود مجبل ديوانه الشعري الأول "رحلة الولد السومري" عام 2000، ثم أتبعه بديوان ثان "محتشد بالوطن القليل" عام 2009.

ويقول عن ديوانه الجديد "كأنه" إنه "خلاصة تجربتي الكتابية التي مرت بمراحل نضج وتطور طبيعي مع اتساع الرؤية والاقتراب أكثر من قضايا الإنسان المقهور والمستلب".

ويشير إلى أن ديوانه يقدم "طرحا عميقا للأسئلة الوجودية الكبرى على منصة الشعر، واشتغالات جمالية تتخذ من اللغة وعاء لها".

وعن اشتغاله بكتابة القصيدة العمودية، قال مجبل للجزيرة نت إن" قصيدة العمود أو قصيدة الشطرين هي التصميم الأول للقصيدة العربية، وهي لها اشتراطاتها الخاصة بها، وستظل شكلا رئيسيا من أشكال المدونة الشعرية العربية".

اجود مجبل-تجاور الأشكال الشعرية هو في صالح الشعر في نهاية الأمر
أجود مجبل: تجاور الأشكال الشعرية هو في صالح الشعر في نهاية الأمر (الجزيرة)

ويوضح أن هذه القصيدة وعبر قرون من الزمن "تعرضت إلى انتهاكات كثيرة على يد النظّامين الذين لا يفقهون من الشعر سوى الوزن والقافية، وفي نفس الوقت ظهر شعراء حقيقيون حاولوا أن يصلحوا ما أتلفه أشباه الشعراء"، ولهذا فإنه حاول مع آخرين ضخ أفكار جديدة وسياقات لغوية غير مستهلكة.

لكن مجبل يستدرك "أرى أن تجاور الأشكال الشعرية هو في صالح الشعر في نهاية الأمر، الشيء الأهم هو منسوب الشعر في النص وليس شكله".

وعن وصفه بـ"الجواهري الجديد"، قال "الجواهري شاعر عراقي كبير وشخصية استثنائية، فهو شاعر وصحفي وناشط سياسي وذو كاريزما نادرة، وامتد به العمر طويلا على امتداد القرن الـ20 تقريبا، ومن الصعوبة أن تجد شاعرا يشبهه".

ويضيف "لا أظنه ينطبق على أحد، كما أن الشعر ليس فيه خلافة، كل شاعر له منجزه وظروفه وعصره الذي عاش فيه، الشعر إنجاز فردي وغير قابل للتوريث".

الحواس والوطن

أصدر أجود مجبل ديوانه الشعري الثالث "يا أبي أيها الماء" عام 2012، ثم أتبعه بديوان رابع "كأس لانقراض ساعي البريد" عام 2919 قبل أن يصدر ديوانه الخامس "كأنه" عام 2021.

ويقول أستاذ الدراسات النقدية والبلاغية في كلية التربية بجامعة القادسية الدكتور رحمن غركان -الذي ألف كتابا عن الديوان حمل عنوان "حواس القصيدة في كأنه"- إن في هذا الديوان "ثمة 4 حواس تأخذ 4 اتجاهات انقاد إلى كشفها شعريا حسيا ظاهرا يحضر الخيال فيه متحركا وهو يمسك بتلابيب الحواس".

ولفت إلى أنه يتناول في قصائده "العالم الحسي المتحرك في خلال ناسه، عالم الحواس الغالب في شؤون البلاد بوصفها عبادا، وفي شؤون الغناء على أنه فرط إحساس بما غاب أو ما تتوق للإحاطة به".

ويقول غركان إن الشاعر يستعيد المكان بصريا ولفظيا في أخيلته، مضيفا أن "الشاعر في كل قصائده يلتمس حواس الوطن/ البلاد كأنه يستعيدها، متوصلا إلى أن قصائد (كأنه) في عمقها الإبداعي المتصل بالإنسان الشاعر حواس يشعر في خلالها وبها بالأشياء والمعاني، وهو جعلها حواس الشعور بـ(البلاد) أو كأنها حواس الانتماء للآخر كله أو كأنه، والمشبه هو هذه البلاد، والمشبه به هو هذه الحواس".

د. رحمن غركان- والشاعر في كل قصائده يلتمس حواس الوطن
رحمن غركان: الشاعر في كل قصائده يلتمس حواس الوطن (الجزيرة)

نص جديد وهاجس القصيدة

بدوره، يقول الباحث والناقد الدكتور علي المرهج إن" الشاعر يكتب قصائده من التماع الذاكرة المكتنزة بمفردات شعر العرب في صوره ومبانيه ومعانيه".

ويضيف أن" هاجس القصيدة عنده هو الحدث والمعاناة اليومية، فهو لا يكتب الشعر من أجل الشعر إنما تكتبه القصيدة ليكون هو مبدعها ومتلقيها"، مستدركا أن "بناء القصيدة عنده يكتمل في عمودها الشعري العربي، لينتج لنا محاكاة من نوع آخر".

ويشرح المرهج طريقة التدوين بأن "فيها عودة للماضي العريق السومري وحبا للماضي العربي بكل نضجه الشعري وإبداعه عند كبار الشعراء".

ويشير إلى أن ما يميز الشاعر أنه "يبدع في تجربته الشعرية الخاصة وسط كل هذه الثقافات التي تارة تمنحه اتساع الرؤية في إبداع نص جديد وأخرى يتصارع معها، تلك التي تمكن من تخطيها هو وبعض معاصريه كي لا يوصف بأنه يعيد إنتاج صور شعرية لشاعر ما".

ويضيف في تأكيد تجربة مجبل أنه "مبدع لنص جديد بروحية مستقاة من موازين الشعر العربي"، مشيرا إلى أن "من وصفه بـ"خليفة الجواهري" أو "جواهري الشعر العمودي" ربما يكون مقتربا إلى درجة كبيرة، فما يكتبه يعبر كثيرا عن تجربة واعية"

ويؤكد المرهج أن "ديوان مجبل الأخير يأتي وكأنه يقول إن الشعر العمودي له القدرة على الصمود و(كأنه) تشبيه لكل مخاضات الشعر العربي من قديمه إلى جديده".

ومن قصيدة للشاعر كتبها عن زيارة بابا الفاتيكان فرانشيسكو إلى أور في مارس/آذار 2021

"البابا في أور"

كُهّان أور النبيذيون أجمعهم

عادوا إليها برغم الموت أسرابا

لم يعرفوا سببا للصحو يقنعهم

لكنهم عرفوا للسُّكر أسبابا

لذاك هم شيدوا للوعي عاصمة

ولم يصيروا بباب الله حُجّابا

تَضَلَّعوا بلغات الماء مذ ولدوا

وطالما حفظوا للطين أنسابا

صلَّوا إلى قمر الأعماق فالتمعوا

مِن بعدما اتخذوا الإنسان محرابا

وصادقوا الأرض في أقسى الفصول كما

يصادق الشجرُ المجنونُ حطّابا

قالوا لزائرهم والنورُ يملؤه:

كم كان في أور طعم الموت خلابا

وحدثوه كثيرا عن ملاحمهم

وغابة الأرز والشرير (خمبابا)

وكلما صعدوا الزقورة التفتوا

فلم يروا حولهم أهلا وأحبابا

وشاهدوا أوجه المستوطنين فقط

مَن وزعوا الوطن القدِّيس أحزابا

المصدر : الجزيرة