رواية "ثغيب" صرخة عراقية للقاص والروائي شوقي كريم حسن

يرى الروائي العراقي شوقي كريم حسن أن الواقع القاسي الذي يعيشه العراق في مرحلة ما بعد عام 2003 هو الذي حتم عليه استخدام المفردات الشعبية مثلما حتم عليه أن تكون كتاباته صرخة لعلها تصل إلى الجمهور والساسة.

رواية "ثغيب" للقاص والروائي العراقي شوقي كريم حسن صدرت حديثا عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق (الجزيرة)

يعود الروائي والسيناريست والقاص العراقي شوقي كريم حسن إلى اللعب على المفردة الشعبية من جديد في واحدة من أحدث رواياته (ثغيب) التي صدرت ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق قبل أسابيع، إذ اعتمد على المفردة الشعبية واللهجة العراقية التي يعتقد كما يصرّح كثيرا أن لها جذورا سومرية وأنها ليست لهجة شعبية، بل "لغة عراقية" حسب قوله، وهي رواية تتناول الواقع العراقي بكل مآسيه.

عناوين روائية ولهجة عراقية

عرف حسن بروايته (هتلية) التي تعني "الشتيمة" في اللهجة العراقية وتُوجّه إلى أناس في قاع المجتمع ممن يشبهون الخارجين عن القانون، ثم روايته ( قنزة ونزة) وتعني الإنفلونزا بأصلها السومري التي كانت تعالج بصبغ الوجه بالقرمز (حبيبات تنتجها حشرات شجرة البلوط)، وتغطية المصاب باللون الأحمر لكنها في الرواية تحولت إلى الواقع السياسي المصاب بالإنفلونزا.

وبعد روايته (الهباشون) وهم الطبقة الفقيرة التي تعمل بأعمال صعبة لا يقبلها أي إنسان وكذلك رواية (الشروكية) التي ترمز إلى فئة اجتماعية كانوا يسكنون في الصرائف والأكواخ الطينية العشوائية، ويطلق عليهم أيضا اسم (المعدان)، فضلا عن روايته (خوشية) التي تطلق على بعض من الشبان الذين يستعرضون العضلات ويشكلون ما يشبه العصابات، تأتي روايته الأخيرة (ثغيب) التي تعني الصراخ العالي الموجوع المحتج.

وشوقي يعدّ واحدا من الأدباء العراقيين المبدعين ممن بدأت رحلتهم منذ السبعينيات والثمانينيات، وأصدر العديد من القصص والروايات والمسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية زادت على (250) مادة، وهو من مواليد 1956 بمدينة الغراف شمال محافظة ذي قار، وحاز جوائز عدة منها جائزة (الدولة) مرتين و جائزة (عيون) مرتين، وترجمت بعض أعماله إلى أكثر من لغة أجنبية.

القاص والروائي الذي يستخدم المفردة الشعبية العراقية شوقي كريم حسن أصدر 15 رواية وحاز عددا من الجوائز  (مواقع التواصل)

يقول عن غزارة الإنتاج إن الواقع هو الذي يفرض عملية تناول الأدب بطريقة أخرى وهو ما يعنيه بقوله "أنا كاتب غزير الإنتاج بصورة لافتة للنظر كوني اعتمدت منذ بداياتي السبعينية على أن لا أضع وقتي بين فكّي حوت، اللهو والتجوال غير المجدي"، لذا هو يعدّ نفسه "موظف كتابة" فيقول "أجلس إلى مكتبي وأكون قد أعددت لكل شيء وحسبت حساب ما أكتبه، من البداية المنتجة حتى الوقت المحدد.. أستريح لأمارس الكتابة ثانية".

ثغيب وملفات كبيرة

وروايته التي تحمل رقم 15 في إصدار الروايات يعدّها شوقي "نقلة سردية في مجمل ما كتبت من روايات كونها عمدت هذه المرة إلى الهبوط عميقا إلى تحتانيات القاع"، وهو في داخل الرواية يستخدم (المفردات الشعبية) التي تعد ربما أمثالا فيها مفردات خادشة لها علاقة بالوجود من الولادة إلى القبر.

الرواية في توصيف حكايتها تتناول قصة امرأة اسمها شكرية، ومنذ موت زوجها وهي تبحث عمن يعينها على دفنه لكن الجميع يهرب لأن عمليات الدفن تحتاج إلى مبالغ طائلة، لذا تضطر بمساعدة معوق حرب إلى دفنه داخل حجرة طينية في "بيت تجاوز" خارج القانون لا تتوفر فيه غير حجرتين من طين.

وبيت التجاوز مفردة تطلق على أحياء سكنية بناها المواطنون بعد عام 2003 بطريقة بدائية جدا، خارج الأطر القانونية والبلدية تبين فقر الحال لمئات الآلاف من المواطنين الذين ليس بإمكانهم بناء بيت أو استئجار بيت، وهنا تكون المعالجة المرتبكة بالعنوان، فما إن يجن الليل حتى ترى شكرية العجب إذ تدخل الغرفة مركبات تحمل ملفات كبيرة وصغيرة، وسيارات عسكرية تحمل أوراقا، وبهدوء تبدأ لعبة المحاكمة حيث تتحول الغرفة إلى قاعة فارهة يقف فيها جبر صامتا مبهورا لا تجيد حنجرته إلا الصراخ أو الاحتجاج وهو ما يعني رفع الصوت بطريقة من يثغب".

ثغيب وقواميس اللغة

ومعنى ثغيب في قواميس اللغة أنه ما بقي من الماء في بطن الوادي، وقيل هو بقية الماء العذب في الأرض، وقيل هو أخدود تحتفره المسايل من عل، وقيل إن الثغب الغدير يكون في ظل جبل لا تصيبه الشمس، فيبرد ماؤه، والجمع ثغبان، إلا أن الثغيب في اللهجة العراقية الدارجة الشعبية يعني الصوت العالي الموجوع المحتج المعارض المبتلى بالشجن واليأس أو صهوة صوت المذبوح في الواقع وهو بالمحصلة الصراخ بأعلى طبقات الصوت.

ولكن شوقي يتفرد بين ساردي العراق بهذه الاختيارات في العناوين وليس في المتن الروائي والحوارات بين الشخوص كما هو متعارف عليه، ويعبّر شوقي -في حديثه للجزيرة نت- عن أسباب اختياره لعناوين كهذه بكونها أقصر الطرق لتوصيل الاحتجاج نصرة لقاع المجتمع فضلا عن كونها "هوية الفعل داخل المتن الحكائي، فكل شخوص رواياتي وقصصي من قاع أعرف أعماقه ولا يمكن أن تتحمل عناوين غريبة عن وجودها".

ويزيد عليها سببا آخر أهم هو القصدية لكون كل تلك المداخل للعتبات النصية "عراقية دهرية استحوذنا عليها واستحوذت علينا منذ بداية صناعة الكلمة وتاريخها"، وهو يؤكد -حسب قوله- "ببساطة ووضوح أن (ثغيب) فعل يصدر من أعماق أرواح الفقراء ولا يجيده أحد غيرهم".

الواقع القاسي

ويعتقد شوقي أن الواقع القاسي الذي نعيشه في مرحلة ما بعد عام 2003 هو الذي حتم عليه استخدام المفردات الشعبية مثلما حتم عليه أن تكون كتاباته صرخة بأعلى معاني المفردات التي تصل إلى الجمهور والساسة.

ويقول عن الرواية إنها "احتجاج على لسان أحد العراقيين الذين عاشوا إهانات وحروبا وهربا من أجل البحث عن لقمة خبز، لتتحول إلى عملية قتل متعمد، وإشاعة للفوضى وامتناع عن شكر أولي النعم، في محاولات من الساسة لدفع الناس إلى الجنة بتفقيرهم باعتبارهم جنات الخلد".

ويشير إلى أنها تدعو كذلك إلى "تقشير الواقع السياسي لأنه سبب في محاكمة الفقراء بوجود كثير من الشهود القتلة"، ويعود سبب (الثغيب) إلى أن المحاكمة في أحد مشاهد الرواية تشهد صراخا وسؤالا قد يبدو ميتافيزيقيا لأن" الأمر يصل إلى لحظة نطق الحكم، فينتفض البطل جبر، أول مرة، ليسأل الكاهن الأكبر السؤال الذي أثار لغط القاعة وارتباكها، هل ما عشته وأحاكم عليه اليوم هو مني وبإرادتي أم تراه مقررا ومكتوبا؟".

نقاد وآراء

الرواية حققت حضورا لافتا خلال أسابيع من صدورها، ويقول الناقد الكبير ورئيس اتحاد الأدباء السابق فاضل ثامر إن روايات شوقي بوجه عام "مغامرة في الكتابة السردية تحاول أن تصنع شكلا خاصا بها، تزاوج بين البنية السردية والبنية الشعرية، وبنية الملحمة الرافدينية".

رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب العراقي فاضل ثامر
رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب العراقي فاضل ثامر يعدّ رواية "ثغيب" مغامرة في الكتابة السردية (الجزيرة)

ويذهب الناقد العراقي في توصيفه لسرديات شوقي بأنها "تقيم تعالقا بين الحاضر والماضي في لعبة سردية ماكرة توهم القارئ وتدفعه إلى التأمل والمراجعة لاكتشاف لعبة الإيهام، لذا فروايته بحاجة إلى قارئ من نوع خاص، يمتلك معرفة بتاريخ الحضارات العراقية القديمة". وعن العنوان يقول إنه "يدخل من باب اللعبة وأسرارها كونه يضع نصب عينيه أسرار عملية التلقي وصراخ الواقع".

في حين يقول الناقد حمدي العطار عن فكرة الرواية وربطها بالعنوان إنه "يسرد لنا حكاية (موت) البطل (جبر) (الواضح) و(ثغيب) زوجته (شكرية) التي كان يطلق عليها (شكرلمة)"، وهي أكلة شعبية عراقية مكونة من الدقيق والسكر.

ويضيف معنى آخر ثغيب الزوجة وقد "شقت زيق (ياقة) نفنوفها الممتلئ برائحة الباذنجان وزفرة السمك البائت، وسط طشت صدئ حائل، ودورانها غير المحسوب الخطوات بين الحوش، والغرف الطينية، التي تعرف أنها فارغة لا تحوي غير وجع الذين أغرتهم الفرارات إلى جهات لا تدري أين"، إنها رواية الموت والاحتجاج والصوت وكلها ترتبط بخاصية العنوان.

وحسب الناقد العطار فإن في ثغيب "معاني عميقة، وحزنا نبيلا، وسخرية قاسية، وإيقاعا سرديًّا يشبه الأشعار ويتفوق عليها، وفلسفة لا تنتمي إلى النظريات بل تنبع من الحضارة السومرية لتعانق الحداثة وما بعد الحداثة التي ترفض الأطر النظرية المخادعة"، ولذا فإنه يعتقد أن العنوان محرك أساس وهو وحده الذي "باستطاعته أن يؤلف مع الحكاية قواما سرديا، فإلى جانب الثغيب ثمة (سخرية) تجبرك على الضحك على نفسك لأنه يجر المتلقي بعنف ليتبع ما يقول".

المصدر : الجزيرة