استدعاء الآثار القديمة لمحو ذكرى معاصرة.. لماذا نُقلت تماثيل فرعونية من الأقصر لميدان التحرير؟

Karnack Temple Complex comprises a vast mix of decayed temples, chapels, pylons that began during Senusret Middle Kingdom, Luxor, Egypt. (Photo by: Visions of America/Universal Images Group via Getty Images)
يحتوي معبد الكرنك على آثار وتماثيل شيّدت خلال حكم ملوك الدولة الوسطى قبل قرابة 3 آلاف سنة (غيتي)

قال علماء مصريات وأكاديميون إن نقل أربعة تماثيل فرعونية من مكانها بمعبد الأقصر إلى ميدان التحرير بوسط القاهرة سيعرضها للحرارة الشديدة وتلوث الهواء، وقد يعتبر نقلها محاولة لمحو تاريخ مصر الحديث.

ونقلت السلطات المصرية بالفعل التماثيل من جنوب مصر إلى الميدان الشهير الذي ارتبط برمزية ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إلى جانب مسلة فرعونية من الغرانيت الوردي تعود للملك رمسيس الثاني، وجرى ترميمها ونصبها وسط الميدان على قاعدة مرتفعة، وكانت قد نقلت في وقت سابق -على عدة أجزاء- من منطقة صان الحجر الأثرية بمحافظة الشرقية.

وجرى تخزين التماثيل الأربعة (لها رأس كبش وجسم أسد) من معبد الكرنك إلى ميدان التحرير المزدحم، ووضعت في صناديق خشبية حتى حفل الافتتاح الذي لم يتحدد موعده بعد، غير أن كثيرا من خبراء الآثار وعلماء المصريات اعترضوا على الخطوة، ووقعت عالمة المصريات مونيكا حنا مع مجموعة من المهتمين بالآثار المصرية على التماس يناشد السلطات المصرية عدم نقل التماثيل من مكانها الأصلي.

وقال البيان إن قرار النقل يعد مخالفة للأعراف الدولية المنظمة، إذ ينص البند السابع من ميثاق البندقية المنظم لأعمال الحفاظ على المواقع والمباني الأثرية -الذي يعد المرجع الأساسي لوثيقة التراث العالمي باليونسكو التي وقعت عليها مصر والصادرة عام 1974- أن "الأثر ملازم للتاريخ، فهو شاهد عليه وكذلك النسيج العمراني الذي هو جزء منه وغير مسموح إطلاقا بتحريك الأثر أو أي جزء منه إلا إذا اقتضت وقاية الأثر ذلك، ويتم البت في هذا في حالة وجود مصلحة عالمية أو محلية على أعلى قدر من الأهمية".

واعتبر البيان أن "اجتزاء جزء أثري أصيل من موقعه يؤدي إلى رسالة زائفة مرفوضة من المجتمع الدولي والمتخصصين في هذا المجال، وتلك الأفعال كانت تتم في الماضي قبل صدور تشريع دولي يحرم ذلك الأمر، والتي يمكن تداركها بعمل مستنسخات دقيقة لتلك الكباش وللمسلة المراد نقلها لميدان التحرير".

وعارض المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي، وهو جزء من منظمة اليونسكو، نقل القطع الأثرية، واعتبر أن إزالتها من الموقع الأصلي يتعارض مع التزام مصر بالحفاظ على التراث، في حين رفعت مجموعة من المصريين بينها نائب برلماني دعوى قضائية ضد رئيس الوزراء ووزير الآثار لوقف النقل.

 

 

وكان وزير الآثار خالد العناني قد صرّح لصحيفة الأهرام الحكومية بأن العواصم الأوروبية مثل روما وباريس ولندن وأيضا واشنطن تستخدم المسلات المصرية لتزيين ساحاتها الرئيسية، وأضاف "لماذا لا نفعل الشيء نفسه؟".

مسرح أحداث الثورة
وفي تغطيتها لنقل القطع الأثرية، نقلت صحيفة غارديان البريطانية عن منتقدي الخطوة قولهم إن وضع الآثار في الميدان سيمحو تاريخها الحديث كنقطة محورية للاحتجاجات السياسية، وأضافت "في السنوات التي تلت 2013، عندما جلب انقلاب عسكري الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، احتفظت الساحة برموزها، رغم حملة القمع واسعة النطاق ضد المعارضة وحظر فعلي للاحتجاجات".

ونقلت الصحيفة البريطانية عن أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة رباب المهدي قولها إن النصب يمثل مساعي السلطات لمحو التاريخ المعاصر، وتابعت "إنها تغطية للذاكرة الحديثة التي تعيش في أذهان الكثيرين بشيء تاريخي ليس له دلالات أو أهمية سياسية".

وبحسب غارديان سيتوج النصب الجديد سنوات من الجهود الحكومية لإزالة آثار انتفاضة 2011 وسط القاهرة، وتم محو الجداريات السياسية ورسوم الغرافيتي والكتابة على الجدران، كما تم بناء موقف للسيارات (جراج) بحيث يغطي مدخله منعطف ميدان التحرير.

وتابعت المهدي أن وضع التماثيل في الميدان يعبّر عن عدم احترام الأحياء الذين شاهدوا ثورة 25 يناير ويرون أنها جزء من التاريخ المعاصر، وأردفت كذلك "لا احترام للموتى، بما في ذلك الآثار".

ردود فعل
وتبني الحكومة المصرية متحفا جديدا بالقرب من أهرامات الجيزة لعرض تراثها الفرعوني، بحسب وكالة أسوتشيتد برس، ويتوقع أن يضم المتحف الجديد تمثال رمسيس الثاني (تم اكتشافه 1820)  الذي يعود تاريخه لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وجرى عام 2006 نقله من ميدان رمسيس (على بعد 2.5 كيلومتر من ميدان تحرير) بسبب الخوف من الازدحام والتلوث في قلب القاهرة، وتم نصب نسخة طبق الأصل من تمثال رمسيس الثاني في حي مصر الجديدة بالقاهرة.

وأثار نقل التماثيل من الأقصر إلى ميدان التحرير ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسخر الروائي وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية عز الدين فشير متسائلا: لماذا لا تشيد الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تماثيل جديدة أكبر تناسب الميدان الجديد وتترك القديمة في مكانها للمهتمين بالآثار؟

وقال الأثري زياد مرسي إن الآثاريين في العالم ينادون بإنهاء الاستعمار الثقافي وعودة الآثار لأماكنها الأصلية، لكن في الوقت ذاته وزارة الآثار المصرية تحذو حذو الدول المستعمرة وتضع الآثار القديمة في الميادين العامة.

وكانت صفحة الموقف المصري قد نشرت في وقت سابق تساؤلات عن نقل الآثار للميدان، وأشادت بالخطوات التي اتخذت لمنع نقل "الكباش"، كما نشرت مناشدات علماء آثار ومركز حقوقي، وعرضت بدائل بينها استنساخ التماثيل أو حتى قطع آثرية منفصلة عن محيطها العمراني بدلا من التماثيل التي تعد جزءا أصليا من المعبد الواقع جنوبي البلاد.

 

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي + وكالات