مخاوف من تأثر الخطاب الديني بإغلاق المساجد في سلطنة عُمان

الخطاب الديني في عُمان في زمن الجائحة كومبو ناصر الصوافي و بدر العبري و أحمد النوفلي
الدعاة العمانيون: بدر العبري (يمين) وأحمد النوفلي (وسط) وناصر الصوافي (الصحافة العمانية)

سمية اليعقوبي-مسقط

أقرت السلطات العمانية منذ أبريل/نيسان الماضي تمديد إغلاق المساجد في البلاد حتى إشعار آخر، إضافة إلى حظر كافة أشكال التجمعات الرمضانية بما فيها جلسات المساجد وحلقات التدريس الدينية والتجمعات المختلفة، تزامنا مع إجراءات البلاد للحد من انتشار فيروس كورونا، بينما اقتصر دور المساجد على رفع الأذان عبر مكبرات الصوت فقط.

وجاءت هذه القرارات التي أقرتها اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع تطورات انتشار جائحة كورونا في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الإصابات لقرابة 3000 آلاف إصابة في مختلف مناطق عُمان.

قلق الدعاة
ويخشى عدد من الوعاظ والباحثين المهتمين بالعلوم الدينية أن يؤثر هذا الإغلاق على الخطاب الديني، لاسيما الوعظي في البلاد، خصوصا مع الدور الذي كانت تؤديه المساجد في توسيع هذا الخطاب وتعدده في شهر رمضان، واهتمام الناس المستمر بالبقاء في المساجد، لا سيما قبيل موعد الإفطار.

ويعتبر الواعظ ناصر الصوافي أن الوباء خلق واقعا مغايرا عن الذي اعتاد ممارسته من نشاط دعوي في المساجد وحلقات دينية، حيث يشكل الاجتماع بالناس أهمية كبيرة بالنسبة له.

ويقول الواعظ أحمد النوفلي إن "التواصل كان كبيرا ومعتادا في المساجد، لا سيما في حلقات العلم وقراءة القرآن والدروس الدينية، وقد أثر إغلاق المساجد على استمرار هذه النشاطات".

ويضيف النوفلي للجزيرة نت أن هناك بعض الممارسات الوعظية المنتشرة في عمان اليوم والتي تجد صداها بين المهتمين من الناس، بينها إرسال الوعاظ لرسائل الواتساب بين المجموعات والأفراد، وكذلك تسجيل بعض المقاطع الصوتية أو مقاطع الفيديو التي تحتوي على الآيات القرآنية والفتاوى والمواعظ والنصائح.

الباحث في الشؤون الإسلامية بدر العبري يعتبر أن الإغلاق أثر على الخطاب الدعوي بشكل كبير (الجزيرة)
الباحث في الشؤون الإسلامية بدر العبري يعتبر أن الإغلاق أثر على الخطاب الدعوي بشكل كبير (الجزيرة)

تأثير التكنولوجيا
ويعتبر النوفلي أن التكنولوجيا ساهمت في إحداث تغيير ملحوظ، حيث ينتشر الخطاب الوعظي اليوم في عمان بلغات متعددة بينها الإنجليزية والأوردية الملائمة للمقيمين في البلاد، إضافة إلى الاهتمام بالبرامج التلفزيونية والإذاعية الدينية.

وفي هذا الجانب يقول الباحث في الشؤون الإسلامية بدر العبري إنه بلا شك فقدت المساجد قيمة وعظية هامة بسبب الغلق وتوقف التجمعات، خاصة أن هذه التجمعات استخدمت أسلوب الخطب المباشرة.

ويضيف العبري في حديثه للجزيرة نت أنه "لهذا اتجه عدد من الوعاظ بجهودهم الفردية إلى التواصل الافتراضي مثل استغلال اليوتيوب والواتساب وبرامج محادثات الفيديو المختلفة".

أما النوفلي فيلحظ أن اهتمامات الناس فيما يتصل بالفتاوى والتساؤلات لم يتغير كثيرا عما قبل الوباء، فهم يهتمون بالصلاة التي تأثرت بفعل إغلاق المساجد، وبات الكثير من الناس يسألون عن حكم قراءة الأدعية عبر مكبرات الصوت أو صلاة التراويح جماعة في المنازل، وصلاة الجماعة مع الزوجة، أو السؤال عن مقادير الزكاة في ظل إغلاق المحلات المتخصصة.

بدوره، يقول الصوافي في حديثه للجزيرة نت إن "النشاط الوعظي يعتمد على أساليب الإلقاء والتأثير في الجمهور والتنوع في المواضيع المطروحة، وهو ما لا يتوفر في منصات التواصل الاجتماعي مهما حاولنا اللجوء إليها.. بالنسبة لي ألمس الجانب الاجتماعي والتواصل الحر مع الجمهور في عملي، والواقع اليوم يحتم علينا التعايش مع أسلوب جديد، رغم أنني لا أعاني من أية حواجز إزاء استخدام الوسائل الحديثة في نشر الوعي والتعليم".

المؤسسات الدعوية
ويشير العبري إلى ضعف أداء المؤسسات الدعوية في رمضان هذا العام، ويبرر الأمر بأن نشاط الوعظ في عمان جهد يتصل بالوظيفة، ومع وجود الحجر الصحي قد يرى الواعظ أن من حقه كسائر الموظفين الراحة والهدوء وعدم ممارسة العمل، ولا يستمر في هذا النشاط الوعظي عادة إلا من يرى في الأمر رسالة أو بديلا عن المنبر المباشر.

أما النوفلي فيرى أن "العمل الوعظي قد ينقطع، لكن الدعوة والممارسة الاجتماعية بين البشر والحاجة للوعظ مستمرة، والشبكات الاجتماعية اليوم لها دور مهم في الانتقال بنا إلى مرحلة جديدة من الوعظ".

وحول اتصال الخطاب الديني والوعظي بمستجدات الوباء، يقول العبري "إن ما حدث في الصين منذ الأيام الأولى لانتشار وباء كورونا شكل قضية مثارة بين الوعاظ والعلماء، فالترويج بين المسلمين أن الوباء هو عذاب من الله في بداية انتشاره في الصين كان مثار اختلاف كبير، حتى انتقل هذا الوباء إلى بلاد المسلمين فأغلقت المساجد والمدارس، ليتغير مضمون الخطاب ويصبح بين العذاب والابتلاء الذي يستوجب الصبر والدعاء".

ويضيف "لقد تعلم الجميع درسا هاما وأدركوا أنها سنة الله وحده في شيوع هذا الوباء وأثره على الجميع، مما يدفع إلى مراجعات عميقة في الخطاب الشائع".

وحول المنافع التي تحققت مع الوباء فيما يتصل بالممارسة الدعوية في عمان، يقول الصوافي "لقد ولدت لنا فرص جديدة للتفاعل والتواصل عبر استخدام شبكات التواصل الاجتماعية، وهناك أدوات البث عبر الإنترنت التي تسهل الوصول إلى الناس من كل البقاع".

ولم تحدد اللجنة المختصة لإدارة وباء كورونا موعدا لإعلان فتح المساجد، خصوصا في الوقت الذي تتزايد فيه حالات الإصابة بالمرض ووصول عدد الوفيات إلى 13 وفاة. ويقدر عدد المساجد المنتشرة في سلطنة عمان بأكثر من 16 ألف مسجد وجامع، وفق إحصائيات نشرتها الحكومة عام 2018.

 
المصدر : الجزيرة