فيلسوف أوروبي: شيوعية جديدة تنبت من كورونا وحياتنا لن تعود كما كانت

epa07087612 Slovenian philosopher Slavoj Zizek speaks at the authors' forum 'Blue Sofa' during the book fair 'Frankfurter Buchmesse 2018', in Frankfurt am Main, Germany, 12 October 2018. The 70th edition of the international Frankfurt Book Fair, described as the 'world's most important fair for the print and digital content business' runs from 10 to 14 October and gathers authors, writers and celebrities from all over the world. This year's Guest of Honour country is Georgia. EPA-EFE/HAYOUNG JEON
الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك يخشى النوم بسبب تشاؤمه بالمستقبل بعد جائحة كورونا (الأوروبية)

أوقف أغلب بلدان العالم مؤسسات التعليم والعمل، وحظرت الدول السفر مع تزايد الإجراءات المتخذة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد، وبدت أزمة الجائحة كاختبار للفلسفات المعاصرة والسائدة، بينما تعيش المجتمعات التي اجتاحها كورونا حالة من الصدمة والخوف بأن يقضي الفيروس على شعوبها.

وتوقع الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك أن تجلب الطوارئ معها حالة استبدادية جديدة، حتى وإن عزّزت الروابط المجتمعية، بحسب تعبيره.

وعبر جيجيك عن اعتقاده بأن هذه الأزمة ستعطي معنى جديدا للمجتمع، وسينبت منها فكر شيوعي جديد بعيد كل البعد عن تلك الشيوعية التاريخية، وفق ما ذكر في حوار مع الصحفية الإيطالية آنا لومباردي من صحيفة "لاريبوبليكا".

ويعتقد الفيلسوف السلوفيني أن الحاجة للتعاون والتضامن العالمي للتغلب على الأزمة الصحية بمثابة "اكتشاف مُبتذل" لكنه ثوري في الوقت ذاته، مضيفا "نحن نعيد اكتشاف حاجتنا لبعضنا بعضا، أشخاصا وشعوبا، ومع ذلك، لطالما كرّرت منظمة الصحة العالمية ذلك مرارا دون جدوى، إذ لم يكن هناك تجاوب حتى داخل الاتحاد الأوروبي".

وأثناء الحوار الهاتفي الذي أجراه من منزله في العاصمة السلوفينية ليوبليانا، ظهر الفيلسوف وعالم الاجتماع السلوفيني، الذي يبلغ من العمر 71 عاما، وهو يسعل مرارًا وتكرارًا، وأفاد بأن لديه كل أعراض جائحة كورونا لكن نتائج تحليله سلبية، معتبرا أنه كان مرهقا -على الدوام- لعدة أعوام.

كيف تغير الجائحة حياتنا؟

ولعل هذا ما دفع الفيلسوف للسؤال عن كيفية تغيير الجائحة لحياتنا، في سلسلة من مقالاته التي جُمعت في كتاب إلكتروني بعنوان "الفيروس، في الواقع" من قبل دار النشر الإيطالية "بونتي ألي غراتسيي".  

وتعليقا على مقولته "إنّي أخشى النوم لأن كوابيس عن الواقع الذي ينتظرنا تجتاحني"، قال الفيلسوف إن الواقع قد تغير فعلا، وأضاف "إننا نرى حكومات محافظة تضع تدابير كان من الممكن أن نطلق عليها "اشتراكية" في وقت ما، ومثال ذلك حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تفرض على القطاع الخاص الصناعي نوعية المنتجات التي ينبغي عليهم تصنيعها، بينما تؤمم حكومة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون السكك الحديدية مؤقتا". 

وأفاد جيجيك بأننا نعيش جميعا بطريقة لم نتوقعها مطلقا قبل بضعة أشهر مضت، وتابع "هناك من الحكومات من تفكر في الاستفادة من الأزمة الصحية لتتمكن من السيطرة على عالم ما بعد الوباء، وهو أمر محتمل حقا".

وعبّر في هذا السياق عن عدم إيمانه بأن هناك "شمولية جديدة"، لأن الحكومات هي التي تشعر بالذعر اليوم، وهي غير قادرة على السيطرة على الوضع.

وفسّر جيجيك فكرته بالقول إن أكبر مخاوفه تتجسّد في انعدام الثقة في المؤسسات، ومن هنا، ينبغي أن نجد طريقة لإعادة بناء تلك الثقة، ربما تفضل نسخة جديدة من "جوليان أسانج" قادرة على كشف النقاب عن الانتهاكات، وبالتأكيد يظهر الفيروس أن الأمر بيد المواطنين لفرض الرقابة على الحكام المستبدّين وليس العكس، بحسب تعبيره. 

التطلع إلى المستقبل

وحول قوله إنه ينبغي على الأشخاص أن يصبحوا سياسيين أكثر، أشار جيجيك إلى أن البعض يعتقد أنه علينا أن نقلق فقط بشأن خلاصنا في خضم هذه الأزمة. غير أن العكس هو الصحيح، إذ لم تعد هناك لحظة سياسية أكثر من هذه اللحظة.

وعلى الرغم من تحذيرات العلماء، وجدت الحكومات نفسها غير مستعدة. ولكن الآن بعد أن أُجبرنا على مواجهة الأسوأ، اتّضح أنه لم يعد هناك مكان "لأميركا أولاً" ولمثل هذه الشعارات. وللبقاء على قيد الحياة من الآن فصاعدًا، سيتعين على الدول التطلّع إلى المستقبل بشكل مستمر. 

علاوة على ذلك، قال جيجيك إننا بحاجة إلى نظام عالمي جديد للصحة العامة ووكالات دولية قادرة على العمل بإجراءات متفق عليها، كما نحتاج إلى حد أدنى مضمون للأجور، مستنكرا أن ترامب لا يزال حتى الآن هو من يقرر هذا الأمر.

وأكّد الفيلسوف أن فكرته عن الشيوعية ليست مجرد حلم مثقف، معتبرا أن انتشار الجائحة سيعطي قوة دفع لتضامن جديد عالميا ومحليا، "وسيكون اختبارنا هو في بناء طريقة جديدة للحياة. لكن على الأشخاص أن يستعدّوا فالأمور بأيدينا الآن، لا ينبغي أن ننتظر حتى انتهاء الأزمة".

وقت للتأمل والتفكير

وحول كيفية فعل ذلك في ظل الوضع الراهن، قال الفيلسوف إن جميع القابعين في المنزل لا يقضون الوقت في مشاهدة أفلام غبية، بل يطرحون على أنفسهم أسئلة أساسية عن الحياة العادية، ويستخدم كثيرون هذا الوقت للتأمل والاختيار.

وقال جيجيك إنه على الرغم من أن المواطنين الآن أكثر عزلة، فإنهم باتوا أكثر اعتمادًا على بعضهم بعضا، كما يعيشون ضرورة متناقضة تتمثل في إظهار التضامن من خلال عدم الاقتراب من بعضهم بعضا، ولم يخف جيجيك تفاؤله بأن يحدث هذا السلوك تغييرا عميقا ويستمر حتى بعد انقضاء الأزمة. 

وبخصوص ما يمكن تعلمه من هذه التجربة، يرى الفيلسوف السلوفيني أن التكلفة النفسية ستكون باهظة الثمن، كما تخلق العزلة أيضًا أشكالًا جديدة من جنون الارتياب تتجلى في العديد من نظريات المؤامرة على شبكات التواصل التي لا تتوقف عن تكرار أن دولا مثل الولايات المتحدة والصين هي أصل الفيروس، لذلك ينبغي أن نكون أكثر حذرا.

وسلط هذا الوضع الضوء أيضا على الاختلافات الاجتماعية في إشارة إلى أنانية الأغنياء المنعزلين في مخابئهم أو على اليخوت، فعلى سبيل المثال، نشرت المغنية الأميركية مادونا فيديو من حوض الاستحمام قائلة "نحن جميعًا في القارب نفسه"، لكن الأمر ليس كذلك لأن الأبطال الجدد هم أناس عاديون، بحسب تعبير جيجيك.

 

نهاية الشعبوية

وفيما يتعلق بارتباط تدابير غلق الحدود بظهور شكل جديد من أشكال القومية أو خطر ارتداد الشعبوية، أكد الفيلسوف أن الخطابات الشعبوية قد اختفت، بعد أن أظهر أشخاص -مثل دونالد ترامب ورئيس البرازيل جايير بولسونارو- "تفاهتهم" من خلال التلميح باستعدادهم للتضحية بالضعفاء.

وتابع جيجيك "لم تنجح أوروبا في إلقاء اللوم على الصينيين أو اللاجئين لأن من نقل الفيروس هم السياح ورجال الأعمال، حتى تسابُق الأميركيين على شراء الأسلحة بدا ساذجا، فهم يفكرون في حماية منازلهم، بينما يصيبهم المرض لأنهم لا يغسلون أيديهم كما ينبغي".

وأفاد الفيلسوف المثير للجدل بأننا نعلم جميعا بأن الجهود الوطنية ليست كافية (ولا بد من تضامن عالمي)، مشددا على أن التضامن والتعاون العالمي هما السبيل الوحيد العقلاني وحتى الأناني للمضي قدمًا.

وحول كيفية الصمود في ظل حالة الطوارئ المستمرة، علّق سلافوي جيجيك "بأننا نعيش تجربة استثنائية، يمكن أن تكشف عن الأسوأ أو الأفضل فينا، ولمواجهة الوحدة، ربما يكون الحل الأمثل هو المضي قدمًا في روتين يمنعنا من الاستسلام للفوضى والحفاظ على النظام لنكون على استعداد للغد".

وفي سؤاله عن أكثر ما يفتقده هذه الأيام، أجاب الفيلسوف بأنه الذهاب إلى محل بيع الكتب، "وهو آخر الأماكن التي ما زال لديك فيها خيار ثقافي"، وفي المكتبة تذهب للبحث عن شيء ما وكثيرا ما تعود بشيء آخر. محذراً من أنه لا يمكن استبدال شيء بالمكتبات، ومن الخطير جدا أن تدفعها الأزمة إلى أن تجثو على ركبتيها، بحسب وصفه.

المصدر : الصحافة الإيطالية