بعد شفائه من كورونا.. كاتب فرنسي يروي معاناة المنسيين في ضواحي باريس

epa05584089 French-Moroccan novelist and poet, Tahar Ben Jelloun, author of the book 'Terrorism explained to our children' attends the meeting 'Jihad,​ Islam, Europe' at Ducale Palace in Genoa, Italy, 13 October 2016. EPA/LUCA ZENNARO
الكاتب الفرنسي المغربي الطاهر بن جلون اعتبر أن ضواحي العاصمة الفرنسية تعاني التهميش والحرمان وعدم المساواة (الأوروبية)

بعد أن تكتّم عليه لفترة، أعلن الكاتب الفرنسي -المغربي الأصل- الطاهر بن جلون شفاءه من مرض كورونا في رسالة بالفرنسية سماها "رسالة إلى الصديق البعيد".

وعبّر الروائي المقيم في العاصمة الفرنسية في رسالته عن تفاؤله بالحياة بعد الشفاء، وقال إنه ينظر "إلى السماء والشمس بطريقة أخرى" وستشد انتباهه زقزقة العصافير أكثر، مسترجعا بعض ذكرياته القديمة والمتخيلة.

ورغم أنه قال إن الحجر ليس مناسبا للكتابة، واصفا الوقت الممتد بأنه كثير ويحيط به مثل السراب ويمنعه من الحركة، فإنه قطع صمته وتكلم عن أشكال عدم المساواة في باريس في زمن جائحة كورونا.

واعتبر بن جلون أن أزمة كورونا لم تكشف عجز فرنسا ونواقصها وعدم اكتفائها وضعف استبصارها فحسب، بل سلطت الضوء على الجزء المخجل من بلد قرّر بنفسه منذ فترة طويلة التخلي عن سكان ضواحيه، وتابع "لقد أدّى الوباء إلى تضخيم التفاوتات الإقليمية والاجتماعية".

الضواحي الكارثية
وسجلت ضواحي باريس أعلى نسبة وفيات ناجمة عن فيروس كورونا بلغت 63% من المصابين بالعدوى، بينما لم تسجل العاصمة الفرنسية نفسها سوى 32%.

وقال الكاتب المغربي في مقاله الذي ترجمته ونشرته صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، إنه في الوقت الذي تُحصي فيه فرنسا قتلاها، "لاحظت أن أغلبية الضحايا هم من الضواحي الباريسية، ولا سيما من إقليم سين سان دوني، المعروف باسم "إقليم 93″. وقدر طبيب ارتفاع معدل الوفيات بنسبة 63% في هذه المنطقة التي لا تحظى بشعبية كبيرة في العاصمة".

ويرى الكاتب الحائز على أرفع جائزة أدبية فرنسية أن هذه النتيجة تتفق مع الحالة الكارثية للضواحي الحضرية الفرنسية، وأضاف أن هذه البيئة غير الصحية والملوثة لا تتوافق مع الإغلاق الشامل، لذلك فقد دمر الفيروس العائلات في هذه المناطق المحرومة. ومع وجود عائلات كبيرة مكتظة في مساحات ضيقة، من الواضح أن الإغلاق التام معقّد، إن لم يكن مستحيلا، بحسب تقديره.

وأورد الكاتب أنه في إقليم 93 (أو سين سان دوني) الأكثر فقرا من بين مناطق باريس الكبرى، يعترف المدير الطبي أن هناك "عددًا أقل من الأطباء وأَسِرّة الإنعاش"، مقارنة بالمناطق الأخرى في البلاد.
 
وعلى سبيل المثال، فإن عدد أَسِرة الإنعاش أقل بثلاث مرات مما هو عليه في إقليم "أوت دو سين" غرب باريس، الأغنى في فرنسا، وأدى عدم المساواة هذا إلى سقوط ضحايا أكثر في إقليم 93 من بقية البلاد.
 
ويعتبر بن جلون أن الأزمة الصحية لم تسفر إلا عن زيادة عدم المساواة وعدم الاستقرار الذي تعرف به هذه الأحياء التي تخلت عنها الجمهورية، على الرغم من الخطب والوعود التي لم تتحقق.
 
وفي عام 2005، عندما كان نيكولا ساركوزي وزيرا للداخلية، ثارت تلك الضواحي، في المقابل، كافحت الشرطة لاستعادة النظام، واستمرت الاشتباكات أكثر من ثلاثة أسابيع. واليوم، دفع الإحباط والشعور المتزايد بالظلم الشباب إلى الخروج إلى الشارع مرة أخرى للتعبير عن غضبهم. وكانت الاشتباكات بين هؤلاء الصبية وقوات الأمن عنيفة وانطلقت يوم السبت 18 أبريل/نيسان بحرق السيارات والاعتداء على الممتلكات العامة.
 

المطالبة بالعدالة
وأوضح الكاتب أن هؤلاء الشباب الذين تحركهم الكراهية تجاه الشرطة يتصرفون بعنف، لأنهم فقدوا أبا أو جدّا دون أن يتمكنوا من دفنه. وسرعان ما أدركوا أن وضعهم عرّضهم أكثر للعدوى وأنهم غير قادرين على التقيد بالحجر الشامل، لذلك خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة.

وبالتالي، يتابع بن جلون، ألقى البعض أشياء بسيطة على رجال الشرطة، الذين ردوا بالغاز المدمع والاعتقالات. وفي الحقيقة، وقع تداول مقاطع فيديو تندد بعنف الشرطة. وكان الوضع سيبقى كما كان عليه في عام 2005 إذا لم يتفاقم بسبب جائحة كورونا ونقص الأدوات للتعامل مع هذه المأساة. 

وذكر الكاتب أنه وقع حادث تمثل في اصطدام سائق دراجة نارية بسيارة شرطة. وكانت ردود الفعل على الجانبين مفرطة وزاد التوتر تدريجيا، لافتا إلى أن سكان هذه الضواحي يعيشون بالفعل في وضع ما بعد الأزمة الصحية، حيث إنهم عاطلون عن العمل وغير آملين في العثور على وظيفة.

أراضي فرنسا "المريضة"
وأوضح الكاتب أن الضواحي هي "الأراضي المريضة" في فرنسا، إذ لم تتمكن أي حكومة من إيجاد حلول جادة وملموسة لهذا التدهور الذي يعيش فيه جزء من السكان الفرنسيين. وفي 7 أبريل/ نيسان، ذهب إيمانويل ماكرون إلى إقليم 93 لطمأنة السكان، ولكن دون جدوى لأن العائلات تواجه صعوبات في إدخال المرضى إلى المستشفى.

ودون ارتدائه للقناع، حثّ الرئيس الحشد الذي اتّجه نحوه على العودة إلى منازلهم وعدم المغادرة. لقد تجاهل فعلا الظروف المعيشية لهؤلاء السكان الفقراء والمنبوذين والمكروهين والذين يعانون من سوء المعاملة، بحسب تعبير الكاتب المغربي الفرنسي.

من جهة أخرى، وجد الكثيرون هذه الزيارة معيبة، إذ لا يأتي المرء إلى منطقة متضررة، تشكو مستشفياتها من انعدام المعدات، وإلى شعب يعاني من نسبة بطالة تبلغ 30% ليلقنهم درسا في كيفية تجنب عدوى الكورونا. 

أما اليوم، فإن التعبير عن الغضب مصاحب لمشاعر الخوف والحداد، ويُقال إن هؤلاء السكان الذين يُعتبرون من الدرجة الثانية يتألفون من أغلبية كبيرة من المهاجرين وأطفال المهاجرين من المغرب العربي وأفريقيا، سينتهي بهم المطاف بالثورة العنيفة التي لن تقارن بثورة عام 2005.

وينتمي بن جلون إلى الجيل الثاني من كتاب الفرنسية في المغرب، كتب الشعر والرواية والقصة، وتميزت أعماله بالفلكلورية، وأثارت تصريحاته السياسية انتقادات حادة أخيرا.

وبدأ الكاتب الفرنسي "المغربي" بكتابة الشعر ثم انتقل إلى الرواية والقصة، فصدرت له روايات عديدة منها رواية "حرودة" عام 1973، و"صلاة الغائب" عام 1981، و"ليلة القدر" عام 1987، و"تلك العتمة الباهرة" عام 2001، ومن آخر روايته "استئصال الألم".

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإيطالية