بالحب والمقاومة انتصرنا.. كاتبان عربيان يتحدثان عن يوميات المواجهة الشرسة مع كورونا

الروائية والمدرسة التونسية فتحية دبش و الكاتب عبد الهادي سعدون
الروائية التونسية فتحية دبش والكاتب والمترجم العراقي عبد الهادي سعدون (الجزيرة)

صدام أبو مازن-صنعاء

لا يقتصر تأثير جائحة كورونا على الثقافة بمنع الفعاليات الثقافية ومعارض الكتب فحسب، وإنما ينال من المثقفين أنفسهم الذين هم عرضة للإصابة بالفيروس كغيرهم. 

عبد الهادي سعدون وفتحية دبش، كاتبان عربيان، يقيم الأول في العاصمة الإسبانية مدريد، وهو كاتب وأكاديمي ومترجم وناشر عراقي انتقل مع عائلته للحياة في إسبانيا عام 1993، ودبش روائية تونسية تحمل الماجستير في اللغة والأدب العربي، وتعمل حاليا كاتبة وباحثة مستقلة حيث تقيم منذ سنوات في مدينة ليون الفرنسية. 

تحدث الكاتبان سعدون وفتحية دبش للجزيرة نت، عن يوميات المواجهة الشرسة التي خاضها كل منهما مع عدوى كورونا في ظروف العزل بالمنزل، متحدثين عن الحب والعسل والأدوية والقراءة وتأملات الحياة أثناء المواجهة مع الفيروس.

عدوى لا تخطر ببال
يبدأ سعدون حديثه عن عدوى كورونا، قائلا "يمكن أن تنتقل عبر وسائل لا تخطر على بال"، ويشير إلى أنه لا يتذكر تاريخ انتقال العدوى إليه تحديدا، غير أنه أفاد بأن الأعراض لديه بدأت تشتد بعد 13 مارس/آذار، وتابع "لا بد أنني أصبت بها من أحد الأشخاص الذين التقيتهم في الأماكن التي مررت بها أو حضرتها قبل أسبوع أو أكثر من هذا التاريخ، خاصة أنني كثير التردد على المرافق العامة والملتقيات والمقاهي".

وعن شراسة المواجهة مع المرض، قال سعدون إن "المرض شديد ويخترق الجسد ويسبب وهنا وتعبا مضنيا إلى درجة أن المريض لا يقدر على المناورة، وكل سلاحه هو التحمل لا غير حتى يصل النهاية بالشفاء أو بالنهاية الأخرى!".

وينوه سعدون لظروف العزل التي عاشها في بيته بالعاصمة مدريد، مشيرا إلى أنه لم يكن من أنصار المضي إلى المستشفى خاصة مع الإرباك والفوضى وامتلاء المراكز الصحية بالآلاف من البشر.

ويتابع "لذلك راهنت على تحملي وقوتي وانتظرت النتيجة. ثم إن الجميع ينصح إذا كنت خارج منظومة المسنين في العمر وغير مصاب بمرض خطير سابقا، فمن الأفضل مراقبة النفس في غرفة منعزلة حتى تمر المخاطر" كما يقول. 

ويضيف سعدون "الحقيقة إنني قد أخفيت وضعي عن جميع الصحب والأحبة والأهل المقربين الذين كانوا يتواصلون معي ويسألون باستمرار. لم يكن أحد يعرف أنني مصاب بالمرض غير زوجتي. لهذا هي الوحيدة التي كانت إلى جانبي. أنا شديد الحساسية من إزعاج أي أحد أو التأثير عليهم بأخبار مزعجة، قد تجعلهم قلقين ومتحيرين بكيفية مساعدتي والاطمئنان عليّ. لست مع إقلاق الآخرين حتى أتبين خيطي الأبيض من الأسود!".

كما أوضح أنه طوال فترة العزل المنزلي لم يتناول غير دواء الباراسيتامول للصداع ووجع الرأس وشراب للسعال مصنع من أعشاب طبية وما شابه. 

ويتذكر سعدون أتعس الحالات في يوميات صراعه مع كورونا، وهي أن "لا قدرة لك على فتح العينين مع طبول الرأس ووهن بالجسد لا يتيح لك قراءة أو كتابة أي شيء، وهذه كانت معاناتي اليومية الكبرى إضافة لتحمل المرض، وعدم القدرة على احتضان ابنتيّ والجلوس قرب العائلة. لكن بعد أيام من معرفتي بأنني انتصرت على المرض وبعد قدرتي على المشي والتصرف لم أتوقف عن القراءة، أما الكتابة فلم أكتب غير ذلك النص عن (مصارعتي غير الحرة مع كورونا) والذي نشرته في صفحتي  على فيسبوك".

ويختم سعدون بأن "مقاومة كورونا تكمن في حب الحياة"، ويوجه نصيحة للقراء قائلاً "عندما تستسلم للحظة سيكون النصر من حليف الفيروس. ثم إن الحياة ستستمر بنا أو بغيرنا وستنتهي أزمة هذا الفيروس، المهم أن نستوعب الدرس وألا نخذل البشرية والطبيعة مع وباء قادم أكبر منا. لا يمكننا نسيان الآخر، فالآخر هو نحن أيضا".

مواجهة شرسة

وليس بعيدا عن إسبانيا تعيش الروائية والكاتبة التونسية فتحية دبش في مدينة ليون الفرنسية، حيث عملت أستاذة للغة العربية بمدارس تونس وفرنسا ودرست اللغة والأدب العربي في جامعة ليون الفرنسية، وصدرت لها ثلاثة كتب سردية هي "رقصة النار" و"صمت النواقيس" و"ميلانين".

تتحدث فتحية دبش عن تجربة مريرة خاضتها مع كورونا في ظروف عزل هي عبارة عن غرفة منفردة في بيتها، شعرت داخل جدرانها بأنها سجينة بتهمة ما.

وعن بدايات إصابتها بالعدوى، أفادت دبش بأن ما أطلقت عليها "التجربة الكوفيدية" بدأت معها منذ 4 مارس/آذار إلى 16 من الشهر نفسه، أما بعد ذلك فتعد "فترة نقاهة وتوتر المابعد".

خاضت فتحية دبش مواجهة شرسة مع كورونا، وهنا تقول "كورونا، هذا المجهول الذي يذكرني بمرض السرطان غير أنه مستعجل أكثر منه، شرس أكثر منه، ونهم أكثر من السرطان. السرطان يسري بصمت في الخلايا وقد يمضي وقت طويل قبل أن يعلن عن نفسه. أما كورونا فهو كالصاعقة يدرك جيدا ماذا يريد فيهجم هجمة واحدة".

تتابع فتحية حديثها "لا أدري كم من الوقت كان فيّ عندما أقعدني ولكنني أستطيع أن أقول إنني كنت أتسوق وفجأة ظهرت كحة جافة تجرّح حلقي، صداع يشبه وقع المطرقة على السندان يجتاحني، ثقل بالمفاصل وكأنما تدهسني سيارة ضخمة، تلك الكحة تترك وجعا في الصدر وتمنع القصبات الهوائية من قيامها بمهامها كاملة فيختلط على الهواء الأمر، فيكتظ ويضيق النفس".

تقول "تركت أشيائي وعدت إلى بيتي طلبا للراحة ظنا مني أنها مجرد وعكة نتيجة تغيرات الطقس الكثيرة في فرنسا، ولكن الأمر تحول، بسرعة، إلى أكثر من وعكة، حين اشتعلت مفاصلي إلى درجة فاقت حدود المعقول وكان لا بد من عمل شيء ما".

سجينة دون تهمة
وعن ظروف العزل، قالت دبش إنها أصبحت عزلاء أمام الفيروس فلم يكن أمامها من خيار سوى المقاومة، وتسرد فتحية يوميات المواجهة الكورونية بالقول: تشعر أنك تتحول إلى حبل يشده كورونا من جهة وتمسك أنت بالحياة من جهة أخرى.. أنت أعزل حقا، وحيد، لأن شرط انتصارك الأول عليه هو أن تحمي محيطك، وهكذا صرت السجينة في غرفتي دون تهمة.

ومجيبة عن سؤال الجزيرة نت "في هذه المعركة مَن وقف بجانبك؟"، قالت الكاتبة دبش "كورونا طرد زوجي وأطفالي من حولي، وفصلني عن ذاتي وألقاني على فراشي بين عالمين: الموت والحياة".

وتستدرك "من سيقف بجانبك غير الطبيب الذي سوف يراقب حالتك عن بعد طالما أنت معزول ببيتك لأن حالتك "مستقرة" بمنطق طبي، وعليك أن تفرح لأنها لا تتعكر ليس لأنها مستقرة؟. سيقف بجانبك حب الذين يحبونك وتحبهم من خلف جدران العزلة عندما يخاطبونك من وراء الأبواب، يتابعون حالتك ويمدونك بالشجاعة التي تستدعي روح المحارب فيك فتقاوم… سيقف الدواء بجانبك أيضا فهو سلاحك الذي لا غنى عنه كما هو لا طائل منه إن أنت استسلمت".

وعن الأدوية التي لا فائدة منها، قالت "ما أتفه أن يقول الطبيب ذلك وما أكبر وعيك وهو يدرك أنك فعلا في معركة وأنك أعزل.. لن أخفي أنني أضفت إلى العقاقير وصفة كنت قرأتها في كتاب قديم للعلاج بالأعشاب، وهي "شراب الزعتر والثوم المغلي ممزوجا بالعسل".

لكن "في الأيام الأولى أنت تفتقد حتى للرغبة في الأكل، حتى للنكهة التي تمنحك الوجبة ريحا منها.. ولكنك تحاول أن تأكل علبة زبادي أو نصفها لتصاحب العقاقير، لا غير، ولكنك تشرب كثيرا كثيرا.. ثم تقنع نفسك بالكثير من وجبات الخضر الساخنة إن استطعت، وستكتشف عند خروجك إلى الحياة، مجددا، أنك فقدت من وزنك الكثير. تضيف دبش. 

حب الحياة
وقبل أن تختم فتحية دبش، بتوجيه نصيحة للآخرين، ممن لم يواجهوا المرض بعد، تقول "شهر ونصف الشهر منذ ألزمني كورونا بيتي وعزلني عن العالم ووضعني أمام الموت كمن ينظر إلى سابع أرض من سابع سماء".

ثم تختم بنصيحة للقراء تقول فيها "كورونا (هذا اللعين!) حتى الآن يخفي عنا أسراره الكثيرة.. لا يتعرى ولكنه يعرينا. يجبرني أن أقول لكم: أعيدوا النظر في ممارسة حياتكم، فعلينا أن نحب الحياة أكثر حتى نغادرها وقد ارتوينا. علينا أن نحب أنفسنا بشكل سليم حتى نقاوم.. علينا أيضا أن نعيد التفكير في أولوياتنا وهي بالنسبة إليّ -بحسب تعبيرها- "العلم وأشياؤنا الروحية".

المصدر : الجزيرة