سرديات النسوية والصمت كدلالة أنثوية.. هل الموضوع حكر على المرأة فقط؟

غلاف كتاب سرديات النسوية

عارف حمزة-هامبورغ

لا يتقادم موضوع "النسوية" ولا تنتهي أبحاثه، والكتاب الجديد الصادر حديثا عن دار الحوار السورية بعنوان "سرديات النسوية" للناقدة والباحثة المغربية سلمى براهمة لن يكون المبحث النهائي حول هذا الموضوع، لكنه يُضيف الكثير ضمن هذا الحقل الإشكالي.

تعود سلمى في مقدمتها لعدد خاص من مجلة العلوم الإنسانية الفرنسية في نهاية سبعينيات القرن الماضي بعنوان "كتابة، أنوثة، نسوية" كان الهدف منه فكرتان: أولاها أن موضوع المرأة وكتابتها ما زالا مطروقين، بل يحتفظ براهنيته على مختلف الساحات ويتقاطع مع كثير من المفاهيم والموضوعات، طالما "غاب الحسم فيه وفي قضاياه الشائكة".

وتذهب الفكرة الثانية لضرورة الربط بين الكتابة والأنوثة والنسوية، بدل الاقتصار على الحديث عن المرأة والكتابة مع صعوبة توظيف مصطلح الأنوثة، "لأن الفكر الذكوري لا يزال يُطوقه بدلالاته، ويحتويه بتحديداته". 

الصمت كدلالة أنثوية
تقول النسويات إن المرأة تعرضت للإسكات في مختلف الأزمنة والثقافات، بدعوى أن "الصمت من الصفات الثابتة للأنوثة" وإن السردية الذكورية "جعلت الأنوثة الخرساء مقياسا لجمال المرأة، ومحددا لشغف الرجال بها".

في هذا الإطار، تستشهد سلمى براهمة بأفكار المفكر السعودي عبد الله الغذامي، الذي يرى أن هذا الإسكات أدى إلى "إقصاء تجارب النساء وخبراتهن، وطمس ثقافتهن وأدبهن، بل وإخراجهن من اللغة والكتابة". 

في شرح هذا "الإسكات" يستطرد الغذامي إلى أن ذلك يعني استحواذ الرجل على الكتابة، مانعا المرأة من الوصول إليها. 

الأنوثة والكتابة
هل انتهى هذا الصمت، أو هذا الإسكات، مع دخول المرأة إلى عالم الكتابة منذ أكثر من قرن؟

بالتأكيد انتهى، ولكن هل وصل مفهوم النسوية إلى تعريفه النهائي وتحديد كافة جوانبه ومظاهره؟ 

هذا الكتاب جاء من أجل طرح أسئلة أكثر إقلاقا، ومن أجل محاولة الإجابة عنها بالتطبيق النقدي على عدد من التجارب الروائية النسوية. 

ولكن قبل أن تذهب سلمى لهذا التطبيق، تطرح أسئلة مقلقة تم طرحها سابقا من عدد من الفلاسفة وكذلك من الناشطات النسويات، عن مفهوم "النسوية" التي أضحت "ملمحا مألوفا من ملامح الخريطة الثقافية العالمية، والتي لا يُمكن أن نستثني منها الخريطة الثقافية العربية. 

وما يدل على ذلك ليس فقط ازدياد عدد الكاتبات العربيات، وخاصة في العقدين الأخيرين، بل كذلك ازدياد عدد الناقدات، المتبنيات لهذا المفهوم، وكذلك "انخراط النقاد الذكور إيجابيا في قضايا الإبداع النسائي". 

ما مصطلح النسوية؟
ظهر مفهوم النسوية في اللغة الإنجليزية في أواخر القرن التاسع عشر، "لتسمية الحركة النسائية التي كانت تشهد شعبية وتألقا كبيرين" في ذلك الوقت، إلا أن النسوية كفكر ونظرية "لم تكتمل ملامحها إلا في ستينيات القرن العشرين". 

وتستند الكاتبة إلى التعريف الذي وضعته الباحثة الأردنية خديجة العزيزي (1941 – 2016)، التي عرفت مصطلح النسوية بأنه يُطلق على "الفكر المؤيد لحقوق النساء، والداعي لتحريرهن من القمع الذي تمارسه السلطة الذكورية ضدهن". 

وبالتالي لا يُشترط أن يقوم بتمثيل هذا المصطلح أو المفهوم نساء، ولا أن تكون الأعمال الأدبية صادرة عن كاتبات، ولا يشترط كذلك أن تكون مادة الكتابة عن تجارب نسوية، إذ لطالما ضمت الكلاسيكيات أعمالا لكاتبات رددن أفكار "النظام الأبوي".

تعريف المرأة
المسألة النسوية حملت وتحمل في طياتها ذلك الصراع الأنثوي/ الذكوري منذ انطلاق هذه الحركة، بعد أن كان الصراع الصامت ذكوريا/ أنثويا. 

بمعنى آخر، نجد أن الحركة النسوية ناضلت منذ منتصف ستينيات القرن العشرين ليس للوقوف ضد الفكر الأبوي/ الذكوري، بل كذلك في نسف المصطلحات والرؤى والتحديدات التي وضعها الرجل للأنثى.

ويبدو أن الحركة، في نضالها ذاك، قد أعادت تعريف كل شيء من الصفر. ولذلك نجد هذا التضاد حتى بين النسويات لتعريف ما تم تعريفه سابقا، لأن "تعريف المرأة من قبل المرأة شكل أولوية في الفكر النسوي"، أي أن تعريفها صار حكرا على النساء.

ورغم وجود اتجاه من النسويات يرى أن تعريف المرأة من قبل النسويات "رجعية سياسية وخاطئة وجوديا"، هي تماما كالمحاولات الذكورية. وبالتالي يجب تعريفها ثقافيا وليس فيزيولوجيا، إذ إن أغلب النسويات يجدن أن الحمل والرضاعة وتربية الأطفال كانت "عائقا في وجه النساء لتحقيقهن الكمال الإنساني الذي لا يتميز بالطبيعة وإنما بالثقافة". 

وهكذا يستمر هذا الكتاب في تقديم وتلخيص ومناقشة الأفكار حول مسائل "الهوية" النسوية ومصطلح الجندر والجوانب المحيطة بالمرأة خارجيا وداخليا، وأهمية وجود رجال يُغنون مسائل النسوية. فالنسوية ليست حكرا على النساء، بل مفتوحة أمام الرجال إذا كانوا أشد إخلاصا للمسائل النسوية في صراعهم ضد الفكر الذكوري.

بهذا المعنى بحثت سلمى عن أعمال سردية لروائيات عربيات وقفن في وجه النظام الأبوي، أو اتخذن موقفا منه. 

وفي هذا الإطار لم تكتفِ بالجانب النظري، بل دعمت بحثها بالتطبيق العملي، فاختارت بلغة تناسب مختلف طبقات القراء والمهتمين، أعمال كاتبات عربيات مثل الفلسطينية سحر خليفة (حبي الأول) والكويتية ليلى العثمان (صمت الفراشات) واللبنانية علوية صبح (اسمه الغرام) والشاعرة المغربية فاتحة مرشيد (الملهمات) والروائية التونسية مسعودة بوبكر (طرشقانة) والروائية اللبنانية حنان الشيخ (حكايتي شرح يطول)، لتطبق وتشرح وتنقد، للتمييز بين "الرواية النسوية" و"الرواية النسائية". 

التطبيق العملي يُحسب لصالح هذا الكتاب، لكي لا يبقى الأمر مجرد مناقشة تطور النسوية في العالم غير العربي. وتنوع أماكن الكاتبات أيضاً يُثير الانتباه. ولكن ما يثير الانتباه أيضا عدم التطبيق على أية رواية كتبها كاتب (رجل) من العالم العربي. 

اللغة التي كتبت بها سلمى براهمة هذا الكتاب، مع المراجع الكثيرة والمميزة، تجعله كتابا مرجعيا للطلبة والباحثين، وكذلك لمختلف مستويات القراء في العالم العربي.

المصدر : الجزيرة