خرائط التضاريس العثمانية ثلاثية الأبعاد.. رسم المرتفعات بالمواد الطبيعية قبل التكنولوجيا

خرائط تضاريس طبوغرافية ثلاثية الأبعاد (بكسفيول)
خريطة تضاريس طبوغرافية ثلاثية الأبعاد (بكسفيول)

يؤرخ للقرن التاسع عشر بوصفه بداية ظهور خرائط التضاريس البارزة (ثلاثية الأبعاد) في الإمبراطورية العثمانية، في وقت لم تكن فيه أدوات على غرار أجهزة الحاسوب وحتى منتج البلاستيك موجودة على أرض الواقع.

وعكست الخرائط بشكل واضح خصائص التضاريس مثل مستوى الأرض ونسبتها إلى الارتفاعات، ووقع تمثيلها بتقنيات ومواد رسم مثل خليط من الورق المقوى، والشمع وخليط الراتنج (الصمغ)، والجص أو البلاستيك، ومن الجو تُظهر الصورة عرضا ثلاثي الأبعاد.

وأضعفت قرون من الحروب الإمبراطورية العثمانية خلال القرن 19، وفي مراحلها الأخيرة شجعت الإدارة العثمانية رسامي الخرائط في الجزء الأوروبي من الإمبراطورية على تطوير مهاراتهم لتلبية متطلبات العمليات العسكرية خلال الحروب الروسية التركية، فضلا عن مواكبة التغيرات الجيوسياسية الناتجة عن استقلال أجزاء من الإمبراطورية مثل اليونان ومولدافيا وصربيا والجبل الأسود وبلغاريا. 

ووجد الخبراء الحل في ترجمة خرائط طبوغرافية أوروبية، معظمها نمساوية وروسية، إلى اللغة التركية العثمانية، وأسفرت هذه الممارسة عن إنتاج خرائط تعكس التضاريس وسمات سطح الأرض لتلبي الاحتياجات العسكرية للجيش العثماني، وجرى خلال هذه المرحلة أيضا نقل تدريجي لخبرة رسم الخرائط الغربية إلى الثقافة العثمانية، بحسب دراسة للأكاديمية ميرلا ألتيك الباحثة بمعهد زغرب للعلوم الاجتماعية.

وثائق مرسومة
وقالت الكاتبة أدريانا كريمان في التقرير الذي نشرته مجلة "صوبري تركيا"، إنه لطالما كانت خرائط التضاريس المرتفعة التركية المذهلة الأفضل من نوعها، حيث شملت اللوحات الزيتية التي تمثل أماكن ذات أهمية تاريخية ودينية، فضلا عن النصوص الخطية والأوصاف التعبيرية التي أصبحت وثائق تاريخية وأعمالا فنية قيمة في الوقت ذاته.

ولا تعكس خرائط التضاريس المرتفعة الموجودة لكل من مدينة "جنق قلعة" ومضيق "جاليبولي"، المتوفرة في المتحف العسكري بإسطنبول، معنى الكمال والجمال فقط، بل تُلخص المعارك الملحمية أيضا، وخسائر القوة البحرية، وخطوط القتال بين الحلفاء والأعداء والحصون والأماكن الهامة في المنطقة التي شهدت إحدى أهم معارك الحرب العالمية الأولى.

وأضافت الكاتبة أنه توجد خرائط تضاريس مرتفعة لجزيرتي كريت ورودس في معرض "القيادة العامة لرسم الخرائط"، بالإضافة إلى خريطة الأناضول الموجودة في مدرسة الحرب العسكرية، إلى جانب خريطة القدس وفلسطين التي أُعدّت بمناسبة زيارة الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني لفلسطين العثمانية.

تمثلات الخريطة
كان للخرائط أغراض تكتيكية وتعليمية، حيث يعيد بعضها تمثيل مساحة محددة بشكل جيد كمناطق "جنق قلعة" أو "إدرنة "أو "كريت" أو "رودس"، على سبيل المثال، بينما تغطي أخرى مساحة أكبر في شكل سلسلة من الخرائط، مثل تلك التي تخص روميلي واليونان وصربيا وبلغاريا ورومانيا، والمرسومة على 42 مخططا، ولم يقع العثور إلا على 13 فقط من هذه المخططات حتى الآن.

وذكرت الكاتبة أنه في المجموع تغطي خرائط التضاريس المرتفعة 36 مخططا، وقد وقع العثور عليها ووضعها في متحف أنقرة العسكري. وما زالت الاكتشافات مستمرة، حيث عُثر على خريطة تضاريس مرتفعة لإدرنة.

بالإضافة إلى ذلك، ما زالت خرائط جديدة تاريخية تُثري مجموعات خرائط التضاريس المرتفعة مثل تلك التي أُعدت في عام 1999 تخليدا لذكرى معركة مدينة جنق قلعة.

تجدر الإشارة إلى أن هناك خريطة أخرى مثيرة للاهتمام تتمثل في خريطة مضيق إسطنبول المصنوعة من الشمع والكرتون المطلي بالزيت، بالإضافة إلى أن البحر قد مُثّل باستعمال قطعة قماش مطلية باللون الأزرق، كما أن كل الحروف كُتبت باليد. 

توجد هذه الخرائط في متحف أنقرة لرسم الخرائط ويصل مقياس رسم الخريطة إلى 1/37.5 ويبلغ عرضها 74 سنتيمترا وطولها حوالي 106.5 سنتيمترات. وإلى حد الآن، لم يتم التعرف على راسمي الخرائط ولا تاريخ الانتهاء منها.

المصدر : الجزيرة