أعياد الفصح.. رمزيات مختلفة وموعد متقارب بين المسيحيين واليهود

Omran Abdullah - المسيح يدخل القدس ويقابل الناس، رسم جيوتو القرن الرابع عشر - نسخة محدثة: كيف يحمل عيد الفصح المشترك بين المسيحيين واليهود جذور التناقض بين أتباع الديانتين؟
لوحة "المسيح يدخل القدس ويقابل الناس" وهي من توقيع الفنان الإيطالي جيوتو وتعود للقرن الرابع عشر (مواقع إلكترونية)

عمران عبد الله

يعتبر عيد الفِصْح مشتركا بين اليهود والمسيحيين مع اختلاف الرمزية والدلالة والمواعيد بينهما، إذ يرمز عند اليهود لخروجهم من مصر، أما في المسيحية فيرمز لآلام السيد المسيح وما لقيه من أذى.

ورغم أنه من الصعب للغاية تمرير احتفال ديني من التقويم اليهودي إلى المسيحي، لكن في كل عام، يجتمع أبناء الديانتين للاحتفال وتذكر الأحداث المختلفة في تاريخ ديانتهما، وفي عام 2019، كما حدث في السنوات السابقة، يتم الاحتفال بعيدي الفصح اليهودي والمسيحي في وقت واحد بنهاية الأسبوع الماضي.

ويبدو لمعظم الأعياد الكبرى بعض الصلة بتغيير الفصول، وهذا واضح بشكل خاص في عيد الميلاد فبرغم أن العهد الجديد لا يقدم أي معلومات عن الوقت الذي ولد فيه المسيح. يعتقد كثير من الباحثين أن السبب الرئيس للاحتفال بميلاد المسيح في 25 ديسمبر، هو أن هذا كان تاريخ الانقلاب الشتوي وفقا للتقويم الروماني.

وكذلك الحال مع عيد الفصح، الذي يحل بالقرب من نقطة رئيسة أخرى في السنة الشمسية هي الاعتدال الربيعي (حوالي 20 مارس)، عندما تكون هناك فترات متساوية من الضوء والظلام خلال اليوم. وبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في خطوط العرض الشمالية، غالبا ما يقابل مجيء الربيع بالإثارة، لأنه يعني نهاية أيام الشتاء الباردة.

الربيع يعني أيضا العودة إلى الحياة بالنسبة للنباتات والأشجار التي كانت نائمة بفصل الشتاء، وبالنظر إلى رمزية الحياة الجديدة والبعث الجديد، كان من الطبيعي الاحتفال بما يسمى بقيامة المسيح في هذا الوقت من العام.

واختلفت الأعياد المسيحية عن اليهودية منذ عصور المسيحية المبكرة، وفي مجمع نيقية المسيحي الذي دعا إليه الإمبراطور قسطنطين وشدد على عدم اتباع تقليد أو حساب اليهود، وأقر المجمع حسابات كنيسة الإسكندرية في المقابل لمعرفتها بالعلوم الفلكية.

‪من مظاهر احتفالات المسيحيين بعيد الفصح تقديم البيض الملون وعدد من الأكلات الخاصة‬ (الجزيرة)
‪من مظاهر احتفالات المسيحيين بعيد الفصح تقديم البيض الملون وعدد من الأكلات الخاصة‬ (الجزيرة)

وتتغير تواريخ عيد الفصح كل عام لليهود والمسيحيين، على الرغم من أن سنوات عديدة تتزامن، فإنها ليست قاعدة صارمة لأن الاحتفالات تحكمها تقاويم مختلفة، فلدى اليهود تقويم قمري (354 يومًا) ولدى المسيحيين تقويم شمسي (365 يومًا).

ويعد "عيد الفصح" والأعياد المرتبطة به أعياد متحركة ولا تحل في تاريخ محدد في التقويم الميلادي أو التقويم الرومي أو اليولياني -ويتبعان دورة الشمس- بدلا من ذلك يتم حسابها استنادا إلى التقويم القمري المشابه للتقويم العبري.

عيد الرعاة أم اليهود أم المسيحيين؟
في العصور القديمة، كان عيد الفصح عيدا للرعاة حيث تمت التضحية بِحُملان (صغار الضأن) ذبيحةً لطلب الخصوبة.

واحتفل القدماء بانتهاء الشتاء ودخول الربيع في الوقت الذي يلي اكتمال القمر في موسم الربيع (في نصف الكرة الشمالي)، ثم أصبح احتفالا يهوديا بتحرير الشعب اليهودي من العبودية في مصر وهروب بني إسرائيل من فرعون.

واليوم، يحتفل اليهود بِعيد الفصح باعتباره أحد مهرجاناتهم الرئيسة التي يتذكرون فيها الرحلة التي قام بها الشعب العبري مع موسى لعبور البحر الأحمر.

وظل المسيحيون قرونا طويلة يُحيون عيد الفصح وفق التقويم اليهودي، اعتقادا منهم أن آلام السيد المسيح كانت في الأحد التالي للرابع عشر أبريل/نيسان.

وفي القرن الرابع الميلادي أمر الإمبراطور الروماني فلافيوس قسطنطين الذي حكم بين 306 و337 بالاحتفال بعيد الفصح المسيحي في الأحد التالي للرابع عشر من مارس/آذار القمري، لكنه ربطه بالتقويم الشمسي وجعله في الحادي والعشرين مارس/آذار بداية فصل الربيع.

ونتيجة لهذا القرار انفصل المسيحيون عن اليهود في الاحتفال بعيد الفصح، كما تفاوتت الكنائس المسيحية لاحقا في تحديدها للعيد، وأصبح نطاقه الزمني محصورا بين 22 مارس/آذار و25 أبريل/نيسان لدى الكنائس الغربية المعتمدة للتقويم الغريغوري وبين 4 أبريل/نيسان و8 مايو/أيار لدى الكنائس الشرقية.

وجرت العادة أن يصوم المتدينون في الـ50 يوما التي تسبق العيد، وفي الأيام الثلاثة الأخيرة يُمسك بعض الناس عن الأكل والشرب نهائيا، تمثلا لآلام المسيح على أن يفطروا يوم العيد على إيقاعات الأهازيج وأضواء الشموع.

‪صورة لكنيسة القيامة في سبت النور بعيد الفصح‬ (الجزيرة-أرشيف)
‪صورة لكنيسة القيامة في سبت النور بعيد الفصح‬ (الجزيرة-أرشيف)

ويتنوع صوم المسيحيين حسب الكنائس، بين الامتناع عن الأكل ساعات محددة ومعينة خلال اليوم والامتناع عن أكل أصناف من الطعام، ويستثنى يوم الأحد من الصوم. وصيام الأيام الخمسين تشمل أربعين يوما سابقة على أسبوع الآلام يُضاف إليها أسبوع الآلام ثم أربعة أيام تعويضا عن أيام الأحد في الأربعين الأولى.

وتُقام الصلوات للعيد ويُتلى الكتاب المقدس وتُناوَل ذبيحة القربان المقدس، وتُختتم فعاليات قداس الفصح بترنيمة تقول -وفق المعتقد المسيحي- إن المسيح "قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور".

جذور الخلاف بين الفصحين
في جميع كنائس العالم يسمع المسيحيون في هذه المناسبة القصة المألوفة عن عاطفة المسيح التي تفتتح الأسبوع المقدس: الدخول إلى القدس، والخيانة على يد يهوذا الإسخريوطي، وأخيرا الصليب.

وتمثل رواية الأيام الأخيرة للمسيح في المعتقد المسيحي قلب احتفالات "الأسبوع المقدس"، بحسب ما يسمى بالأناجيل الكنسية (أي الأربعة المقبولة باعتبارها شرعية من قبل الكنيسة).

ومنذ القرن الثاني الميلادي طورت الكنيسة الكاثوليكية لاهوتا كان معاديا جدا لليهودية بحسب المؤلفة والمؤرخة الإيطالية آنا فوا المختصة بتاريخ اليهود.

في بداية الخلاف بين اتباع الديانتين كانت للقبضة اليهودية اليد العليا لكن بسرعة كبيرة تغير الأمر عندما شن الرومان حربا ضد اليهود، ومع اجتذاب المسيحية لأعداد هائلة من المتحولين من العالم الوثني، تبدلت المواقع، وأصبح المسيحيون المعسكر المهيمن والأكثر قوة، غير أن المسيحيين اعتمدوا غالبا موقف الضحية واغتنموا كل الفرص لمهاجمة اليهود الذين أصبحوا محاصرين بشكل متزايد.

وتعتبر نصوص مسيحية مبكرة مثل كتابات جوستين الشهيد وسانت أوغسطين أن اليهود مذنبون باضطهاد المسيحيين و"قتل المسيح".

ويقرأ المسيحيون في هذه الأيام إنجيل يوحنا الذي يتضمن محاكمة المسيح وساعاته الأخيرة خلال يوم الجمعة العظيمة. ويستخدم هذا الإنجيل باستمرار عبارة "اليهود" لوصف أولئك الذين تآمروا لقتل المسيح.

وكان من الشائع أن تتعرض المنازل اليهودية للهجوم بالحجارة، وفي كثير من الأحيان كانت هذه الهجمات بقيادة رجال الدين في العصور الوسطى.

لكن المجمع الفاتيكاني الثاني كان نقطة تحول في الكاثوليكية الرومانية عندما وضع جميع الأساقفة في الكنيسة الذين التقوا من عام 1962 إلى عام 1965 اتجاها جديدا لكيفية تفاعل الكنيسة مع العالم الحديث.

وخلال المجلس، أصدرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مرسوما بشأن العلاقات مع غير المسيحيين يُطلق عليهم (نوسترا آيتات) "Nostra Aetate"، وأعلنت أنه لا ينبغي اعتبار اليهود مسؤولين عن موت المسيح.

وبهذا خفت وتيرة التوتر الذي يحدث عادة في موسم عيد الفصح الذي يتزامن -للمفارقة- بين المؤمنين بالاعتقاد المسيحي واليهودي، لكن النصوص القديمة لا تزال حاضرة كذلك في الخلفية المثقلة بأحمال الذاكرة.

المصدر : الجزيرة