أتراك بأسماء عربية.. التأثير الثقافي القادم من الشرق

تقرير لصفحة منوعات عن انتشار الأسماء العربية في تركيا
حافظ اسم "زينب" على صدارة قائمة أسماء المواليد الإناث الأكثر شعبية في تركيا للسنة الثالثة على التوالي (الأوروبية)

زاهر البيك-أنقرة

تضم اللغة التركية الآلاف من المفردات العربية في بنيتها، والباحث أو الملاحظ للغة سيجد ذلك واضحا، وهذا التداخل العربي في اللغة التركية انعكس على أسماء المواليد من الذكور والإناث حتى سيطر على أكثر الأسماء تداولا واستخداما عند الأتراك.

وبحسب بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء التركية والمديرية العامة لشؤون المواطنة والنفوس، فقد تصدر اسم "يوسف" قائمة أسماء المواليد الذكور الأكثر شيوعا في تركيا، في حين احتل اسم "زينب" المرتبة الأولى بالنسبة إلى المواليد الإناث.

وحافظ اسم "زينب" على صدارة قائمة أسماء المواليد الإناث الأكثر شعبية في تركيا للسنة الثالثة على التوالي، وتلته في القائمة أسماء إليف ودفنة وأبرار وأيلول، في حين تبعت اسم "يوسف" في قائمة الذكور أسماء أيمن وعمر آصاف ثم معراج.

اسم
اسم "يوسف" تصدر قائمة أسماء المواليد الذكور في تركيا (الجزيرة)

يوسف وزينب
عندما نسمع اسم يوسف يتراءى لمخيلتنا صورة وجه شاب من أجمل المخلوقات في الكون، بسبب ذاكرتنا التي انطبع فيها أن سيدنا يوسف عليه السلام أخذ نصف جمال الدنيا.

وعلى ضفاف بحيرة موجان جنوب العاصمة أنقرة التقت الجزيرة نت الشاب التركي يوسف أكتان الذي عبر بابتسامة عريضة عن فرحته لتصدر اسمه قائمة أسماء المواليد الذكور الأكثر شيوعا في بلده، شاكرا والده على تسميته باسم نبينا يوسف عليه السلام الذي توجد سورة في القرآن باسمه.

وفي جامعة حجي بيرم تحدثت الطالبة في كلية اللغة العربية زينب بهادير أوغلو بلغتها العربية للجزيرة نت قائلة "لقد سماني أهلي باسم زينب تحببا في أهل بيت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأن ابنته قد عرفت بهذا الاسم"، لافتة إلى أنها حينما تتزوج وتنجب طفلا ستسميه عمر إذا كان ذكرا، وعائشة إذا كانت أنثى.

‪إحصائيات الأسماء وردت من الهيئة العامة للإحصاء في تركيا‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)
‪إحصائيات الأسماء وردت من الهيئة العامة للإحصاء في تركيا‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)

أصل التسمية وخلفياتها
وفي هذا السياق، قال رئيس جمعية الأدب واللغة التركية الأديب والمؤرخ محمد أويماك "لقد ساهم قدوم الأتراك من وسط آسيا واعتناقهم الإسلام واتجاههم نحو المنطقة العربية إضافة إلى عوامل أخرى في تشكيل النوعية العامة للأسماء في المجتمع التركي، حيث توجد أسماء تركية قديمة وأسماء عربية إسلامية وبعض من الأسماء الغربية".

وأضاف أويماك للجزيرة نت "رغم تراجع استخدام بعض الأسماء التي كانت مستخدمة أيام الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة العربية لأكثر من 400 عام فإن الكثير من الأسماء المنتشرة في تركيا تعود لأصول عربية أو مرتبطة بالثقافة الإسلامية".

وأشار الأديب والمؤرخ التركي إلى أن أسماءهم تعكس مدى تأثر الشعب التركي بالقرآن الكريم وارتباطه بحب النبي عليه الصلاة والسلام وأهل بيته الكرام، ضاربا المثال على اسمه (محمد)، مبينا أن أكثر من 98% من الأتراك معتنقون للدين الإسلامي، لذلك ينتشر بينهم إطلاق الأسماء على مواليدهم من كلمات وردت في القرآن أو الأحاديث النبوية الشريفة.

يشار إلى أن الاسم محمد كان في صدارة الأسماء المستخدمة، ولكن بعد عام 2003 انتقل اسم يوسف إلى الصدارة، وقد وصل اسم "آردا" إلى الصدارة في عام 2006 بفضل "آردا توران" الذي كان يلعب آنذاك في صفوف نادي غلطة سراي، لكن عاد اسم يوسف إلى الصدارة منذ عام 2007 مجددا وحتى اليوم.

أما بالنسبة لأسماء الإناث فقد كان اسم فاطمة في الصدارة منذ 1950 إلى 1993، حيث حل مكانه اسم مروة الذي ظل في الصدارة إلى عام 2000، ليحل مكانه اسم "زينب" من عام 2000 إلى يومنا هذا باستثناء عام واحدة فقط.

‪المؤرخ محمد أويماك يشير إلى أن أسماءهم تعكس مدى تأثر الشعب التركي بالقرآن الكريم‬ (الجزيرة)
‪المؤرخ محمد أويماك يشير إلى أن أسماءهم تعكس مدى تأثر الشعب التركي بالقرآن الكريم‬ (الجزيرة)

وكما هو ملاحظ فاسم محمد من الأسماء الشائعة للذكور في تركيا، لكن لماذا يلفظ "مهمت" وليس محمد؟ فأجاب أويماك عن هذا السؤال بأنه "منذ زمن طويل قرأ الشعب التركي كلمة محمد بفتح الميم وسكون الحاء "مَحْمد"، وهذا الاسم يختلف عن اسم محمد بضم الميم، وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من مليونين و300 ألف شخص يحملون اسم "مهمت" (Mehmet)، في حين يطلق على 84 ألفا و319 شخصا اسم "مُحمد" (Muhammed).

وتابع "السبب في ازدياد التسمية بـ(مَحْمد Mehmet) أن الشعب التركي لا يطلق الاسم الصريح (مُحمد Muhammed) على أولاده احتراما وتكريما للنبي عليه الصلاة والسلام مخافة أن يتعرض هذا الاسم الجليل لخطابات سيئة بين الناس، ومع مرور الزمان صار هذا النطق لاسم محمد عادة تقليدية في المجتمع التركي".

وبحكم التقارب الجغرافي والتداخل الحضاري والثقافي على مدى مئات السنين تشترك الثقافة التركية مع العربية بالكثير من الأمور، فإلى جانب أسماء الأشخاص وأسماء الأطعمة المشتركة -مثل الكباب والكفتة- والكثير من الكلمات المشتركة بين اللغتين تتشارك بلاد الأناضول مع العرب في الكثير من التفاصيل والعادات.

المصدر : الجزيرة