الأمازيغية بالمغرب.. قصة صحوة لغوية من البيت للدستور

سناء القويطي - سناء القويطي/ مغربية ترتدي زيا أمازيغيا في أحد معارض الزرابي وخلفها زرابي صنعتها نساء من منطقة تازناخت الأمازيغية - الأمازيغية بالمغرب... اللغة الأم تحاول الانبعاث من الرماد
مغربية ترتدي زيا أمازيغيا في أحد معارض الزرابي وخلفها زرابي صنعتها نساء من منطقة أمازيغية (الجزيرة)

سناء القويطي-الرباط

قبل نحو ثلاثين سنة هاجرت عائلة أكماري من قرية تيواضو الأمازيغية في إقليم تزنيت (جنوبي المغرب) نحو العاصمة الرباط بحثا عن حياة جديدة وفرصة لتحسين ظروف العيش.

لم تكن هجرة هذه الأسرة الأمازيغية انقطاعا عن الجذور، بل ظلت متمسكة باللغة والثقافة وحاولت نقلها إلى الأبناء والأحفاد.

يقول محمد أكماري الابن للجزيرة نت إن الأمازيغية ظلت لغة التواصل داخل البيت إلى جانب العربية، وكما تعلمها من والديه نقلها بدوره لأبنائه.

يجد محمد -الذي كبر وترعرع في الرباط وتلقى تعليما عموميا يزاوج بين العربية والفرنسية- سهولة في الحديث داخل البيت بالأمازيغية، ويقول" تعودنا على التحدث بها ونجدها أسهل وأقرب إلينا".

ولا يظهر الارتباط بالأصل لدى هذه الأسرة في لغة التخاطب اليومي فحسب، إنما في استمرار الصلة مع القرية الأصل على الرغم من بعد المسافة، فزيارة الأهل هناك واجب في كل عطلة صيفية أو في الأعياد الدينية.

وما زالت أسرة أكماري تحافظ على العادات الأمازيغية في الأكل واللباس على الرغم من سنوات عيشها في المدينة، واحتكاك أفرادها بمغاربة من خلفيات قبلية وعرقية مختلفة، فلا يخلو البيت -كما يحكي محمد- من أملو باللوز (خليط من الزيت واللوز المطحون) وزيت الأركان والعسل الطبيعي الحر، وهي جزء من الوجبات اليومية وتقدم للضيوف إكراما لهم وابتهاجا بقدومهم.

‪جانب من مظاهر الحياة والثقافة الأمازيغية في المغرب‬ (الجزيرة)
‪جانب من مظاهر الحياة والثقافة الأمازيغية في المغرب‬ (الجزيرة)

وإذا كانت الأسر في جبال الأطس والريف تحافظ على خصوصيتها الثقافية الأمازيغية ولغتها فإن بعض الأسر التي هاجرت إلى المدن الكبرى تحاول جاهدة التشبت بتقاليد وعادات الأجداد، وهو ما يظهر في الأعراس والمناسبات العائلية من خلال الحرص على حضور الموسيقى والأغاني الأمازيغية، وحث العرسان الشباب على أن يكون اللباس الأمازيغي ضمن مجموعات الألبسة التقليدية التي يرتدونها في ليلة العمر.
 
سر الصمود
درس التاريخ الذي تعلمه المغاربة في المدارس وظل محفورا في أذهانهم منذ الطفولة يروي حكاية قصيرة مفادها أن "الأمازيغ هم سكان المغرب الأولون"، كبرت أجيال من مختلف الأعراق على هذه الجملة التي تؤكد الأصل ولا تنفي الروافد الثقافية الأخرى، وهي العربية الإسلامية والأندلسية واليهودية والأفريقية.

هذه الروافد تكاملت لتشكل تركيبة حضارية غنية وهوية بملامح متنوعة تمثل اللغة والثقافة الأمازيغية بتفريعاتها الثلاث "تمازيغت"، و"تاريفيت"، و"تاشلحيت" جزءا واقعيا من هذه التركيبة والهوية.

وحافظت اللغة الأمازيغية في المغرب على وجودها على الرغم من اعتماد العربية منذ قرون لغة المؤسسات الرسمية والتعليم، وأظهر الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي أجري عام 2014 حول اللغات الوطنية أن 27% من المغاربة يتحدثون الأمازيغية، وأنها أكثر تداولا في الوسط القروي بنسبة 37% مقابل 20% في الوسط الحضري.

وفي وقت انقرضت فيه عدد من اللغات الأم أو باتت مهددة بالانقراض ظلت الأمازيغية صامدة وحية، والسر في ذلك يكمن في الإنسان الأمازيغي نفسه، وفي المجتمع القروي الأمازيغي الجبلي بالخصوص كما يقول للجزيرة نت رئيس جمعية "أمازيغ لكل المغاربة" حسن بويخف.

فالأسرة -بحسبه- هي البنية الاجتماعية الأساسية التي كانت خلف استمرار الأمازيغية، وتكون أقدر على لعب ذلك الدور كلما بقيت في مجتمعها الجبلي الأمازيغي الأصلي، غير أنها تتحول إلى هامش التداول مع هجرة تلك الأسر نحو المدن، لتبقى لغة الذاكرة التي تستعاد عند كل زيارة إلى القرية أو الموطن الأصلي.

انبعاث
وفي العقود الأخيرة انتعشت اللغة الأمازيغية، وبدأ أبناؤها والمدافعون عنها بوصفها لغة الشعوب الأصلية للمغرب كتابة صفحات حكاية جديدة، وكان من نتائج ذلك اندماجها في التعليم المغربي منذ عام 2003، حيث إن 20% من تلاميذ المستوى الابتدائي يدرسون اليوم الأمازيغية، وأطلقت شعبة مستقلة بها في بعض الجامعات.

واعترف دستور 2011 بالأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، وصار لها حضور في الإعلام من خلال قناة ناطقة بها.

ويقول بويخف إن الأمازيغية تعيش اليوم "عصر نمو وازدهار" بفضل نضال الناشطين المدنيين، مشيرا إلى ما سماه "انبعاث صحوة أمازيغية من المدن" توجت بمكاسب سياسية تمتعت بها هذه اللغة، وكسرت الكثير من الأغلال الثقافية المهيمنة في المدينة.

‪منزل في قرية أمازيغية بجبال الأطلس ويظهر على الحائط أحد حروف
‪منزل في قرية أمازيغية بجبال الأطلس ويظهر على الحائط أحد حروف "تيفيناغ" وهو الحرف المعتمد في كتابة اللغة الأمازيغية‬ (الجزيرة)

بحث عن الإنصاف
تعلم الأمازيغي المغربي اللغة العربية لمعرفة دينه والتفقه فيه، وتعلمها لأنها أصبحت مع تأسيس أول دولة إسلامية في المغرب لغة المؤسسات والنخبة والمدينة ولغة التعليم، فهو -كما يقول بويخف- لم ير فيها منافسا لغويا استئصاليا.

بيد أن تلك الصورة التي يقدمها البعض ويدافع عنها لا تنفي وجود أصوات أمازيغية في المملكة تناصب العداء لكل ما هو قادم من الشرق، ومن ضمنه اللغة العربية، فيشيرون إليها كمصدر تهديد للأمازيغية في وجودها، والسبب في التهميش الذي عاشته لغتهم الأم طوال القرون الفائتة.

هذه الأصوات يراها بويخف مجرد أيديولوجية سياسية تفندها القرون التي تعايش فيها الأمازيغ مع العربية، وأحبوها وتعلموها وكتبوا بها، ويقول "لم تسجل خلال تلك القرون أي واقعة استئصالية تجاه الأمازيغية أو أي واقعة لفرض تعلم العربية".

ويرى أن هذا التوجه ذا النزعة العرقية محدود جدا بين الأمازيغ، ويرتبط أكثر بالنشاط السياسي، ويتجه مؤخرا ليتخندق في الحقل الحزبي، لذلك يرجح ألا يشكل أي خطر على المجتمع والدولة، وعلى علاقة المغرب بالدول العربية لأن "الأمازيغي في عمقه لا يكره العربية بل يريد فقط إنصاف لغته الأمازيغية، وتاريخه، وصيانة هويته التي تعتبر اللغة أحد خزاناتها الحيوية".

المصدر : الجزيرة